ج1.
[ حادي الأرواح - ابن قيم الجوزية ]
الكتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
بسم
الله الرحمن الرحيم وبه الاعانة
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة
الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا خلها لهم قبل أن
يخلقهم وأسكنهم إياها قبل إن يوجد هم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان
ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة
الفانية دونه أجلا وأودعهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجلاها
لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر وبشرهم بما أعد لهم فيها
على لسان رسوله فهي خير البشر على لسان خير البشير وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين
فيها لا يبغون عنها حولا والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث
الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل غذ لم يخلقهم عبثا
ولم يتركهم سدى ولو يغفلهم هملا بل خلقهم لأمر عظيم وهيأهم لخطب جسيم وعمر لهم
دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا وهذه لمن لم يجب دعوته
ولم يرفع بها رأسا ولم يعلق بها أملا والحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من
العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة
وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة
حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنه وفضلا فهذا عدله
وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به
طرفة عين فضله ورحمته ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه
ومغفرته واشهد أن محمد عبده ورسوله وأمينة على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة
للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين بعثه للأيمان
مناديا وإلى دار
السلام داعيا وللخليقة هاديا ولكتابه تاليا وفي مرضاته ساعيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيزه وتوقيره والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقته من السالكين فسبحان من شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل لذلة والصغار على من خالف أمره فدعا الى الله وإلى جنته سرا وجهارا وأذن بذلك بين اظهر الأمة ليلا ونهارا إلى أن طلع فجر الإسلام وأشرقت شمس الإيمان وعلت كلمة الرحمن وبطلت دعوة الشيطان وأضاءت بنور رسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد تفرقها وشتاتها فأشرق وجه الدهر حسنا واصبح الظلام ضياء واهتدى كل حيران فلما كمل الله به دينه وأتم به نعمته ونشر به على الخلائق رحمته فبلغ رسالات ربه ونصح عباده وجاهد في الله حق جهاده خيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأرفع الأسنى وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك أصحابه وإتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وحد الله وعبده وعرفنا به ودعا إليه أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم وعرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه إشفاقا ووجلا وقلن ربنا أن أمرتنا فسمعا وطاعة وان خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلا وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله وباء به على ظلمه وجهله فألقى اكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية فقد ملكهم باعث الحس وغاب عنهم داعي العقل وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة فخدعهم
طول
الأمل وران على قلوبهم سوء العمل فهممهم في لذات الدنيا وشهوات النفوس كيف حصلت
حصولها ومن أي وجه لاحت أخذوها إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات
ووحدانا وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثوابا من الله ولا رضوانا
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون نسوا الله فأنساهم أنفسهم
أولئك هم الفاسقون والعجب وكل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من
أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر
إلى اين يحمل ويسار به اعظم من سير البريد ولا يدري إلى اي الدارين ينقل فإذا نزل
به الموت أشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته لا لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه
حيث لم يقدم لحياته فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو
وقال قد أنبئنا أنه هو الغفور الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابه هو العذاب الأليم فصل
ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد
رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من
اعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا
ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج
بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما احزن شهورا الآمه تزيد على لذاته
وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه
في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها
السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري
من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا أعرابا أترابا كأنهن
الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان وحورا
مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب
نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع
برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان
والجلوس على منابر اللؤلؤ
والياقوت
والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا
أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا
وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم
وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم
الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا
ونادى المنادي على رؤس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد
فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما اعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل
والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر
على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وانه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع
وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية إلافات ولا يلحقه الزوال وفازوا
بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها
تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين
يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من
معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين
كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في
سوق الكساد فما قلب ولا أسنام ! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها
وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر
للمشتاق القرار دون معانقة ابكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها
أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس
المعرضين شعر في وصف الجنة
وما ذاك إلا غيرة أن ينالها ... سوى كفئها والرب بالخلق أعلم
وإن حجبت عنا بكل كريهة ... وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم
فلله
ما في حشوها من مسرة ... وأصناف لذات بها يتنعم
ولله برد العيش بين خيامها ... وروضاتها والثغر في الروض يبسم
ولله واديها الذي هو موعد المزيد لوفد الحب لو كنت منهم
بذيالك الوادي يهيم صبابة ... محب يري أن الصبابة مغنم
ولله أفراح المحبين عندما ... يخاطبهم من فوقهم ويسلم
ولله أبصار ترى الله جهرة ... فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ... أمن بعدها يسلو المحب المتيم
ولله كم من خيرة إن تبسمت ... أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ... ويا لذة الأسماع حين تكلم
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ... ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فإن كنت ذا قلب عليل بحبها ... فلم يبق إلا وصلها لك مرهم
ولا سيما في لثمها عند ضمها ... وقد صار منها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها ... يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند إجتلائها ... فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة ... ورمان أغصان به القلب مغرم
وللورد ما قد ألبسته خدودها ... وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن في جمع واحد ... فيا عجبا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت ... بجملتها إن السلو محرم
تذكر بالرحمن بمن هو ناظر ... فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها ... تولي على أعقابه الجيش يهزم
فيا خاطب الحسناء إن كنت ... راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشاب بغصنها ... تيقن حقا انه ليس يهرم
وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تأيم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد ... تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص ... فما فاز باللذات من ليس يقدم
وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ... ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي
على جنات عدن فأنها ... منازلها الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ... وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي إغتراب فوق غربتنا التي ... لها أضحت الأعداء فينا تحكم
حي على السوق الذي فيه يلتقي المحبون ذاك السوق للقوم تعلم
فما شئت خذ منه بلا ثمن له ... فقد أسلف التجار فيه واسلموا
وحي على يوم المزيد الذي به ... زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحي على واد هنالك أفيح ... وتربته من إذفر المسك أعظم
منابر من نور هناك وفضة ... ومن خالص العقيان لا تتقصم
وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا ... لمن دون أصحاب المنابر يعلم
فبينا هموا في عيشهم وسرورهم ... وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم
ذاهم بنور ساطع أشرقت له ... بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السموات جهرة ... فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم ... بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما ... تريدون عندي أنني أنا أرحم
فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا ... فأنت الذي تولى الجميل وترحم
فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم ... عليه تعالى الله فالله أكرم
فيا بائعا هذا ببخس معجل ... كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك معصية ... وإن كنت تدري فالمعصيبة أعظم فصل
وهذا كتاب اجتهدت في جمعه وترتيبه وتفصيله وتبويبه فهو للمحزون سلوة وللمشتاق إلى
تلك العرائس جلوة محرك للقلوب إلى أجل مطلوب وحاد للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس
ممتع لقارئه مشوق للناظر فيه لا يسأمه الجليس ولا يمله الأنيس مشتمل من بدائع
الفوائد وفرائد القلائد على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من
الكتب مع تضمينه لجملة كثيرة من الأحاديث المرفوعات والآثار الموقوفات والأسرار
المودعة في كثير من الآيات والنكت البديعات وإيضاح كثير من المشكلات والتنبيه على
أصول من الأسماء والصفات إذا نظر فيه الناظر زاده
أيمانا وجلى عليه الجنة حتى كأنه يشاهدها عيانا فهو مثير ساكن ألعزمات إلى روضات الجنات وباعث الهمم ألعليات إلى العيش ألهني في تلك ألغرفات وسميته حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فأنه اسم يطابق مسماه ولفظ يوافق معناه والله يعلم ما قصدت وما بجمعه وتأليفه اردت فهو عند لسان كل عبد وقلبه وهو المطلع على نيته وكسبه وكان جل المقصود منه بشارة أهل السنة بما أعد الله لهم في الجنة فأنهم ! المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم اعداؤه وحربه لا تأخذهم في نصرة سنته ملامة اللوام ولا يتركون ما صح عنه لقول أحد من الانام والسنة أجل في صدورهم من ان يقدموا عليها رأيا فقهيا أو بحثا جدليا أو خيالا صوفيا أو تناقضا كلاميا أو قياسيا فلسفيا أو حكما سياسيا فمن قدم عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود وهو عن طريق الرشاد مصدود فيا أيها الناظر فيه لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه ولك صفوه وعليه كدره وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك وبنات أفكاره تزف إليك فإن صادفت كفؤا كريما لم تعدم منه أمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان وان كان غيره فالله المستعان فما كان من صواب فمن الواحد المنان وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله وقد قسمت الكتاب سبعين بابا الباب الأول في بيان وجود الجنة الان الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الأرض الباب الثالث في سياق حجج من ذهب إلى إنها جنة الخلد الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت أنها في الأرض الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لمن نازعهم الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عن حجج منازعيهم الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد الباب الثامن في الجواب عما احتجوا به من الشبه الباب التاسع في ذكر عدد ابواب الجنة الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها الباب الحادي عشر في صفة أبوابها الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يكتب
لأهلها الباب السادس عشر في بيان توحد طريق الجنة وانه ليس لها إلا طريق واحد الباب السابع عشر في درجات الجنة الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها وأسم تلك الدرجة الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم الخ الباب العشرون في طلب الجنة أهلها من ربهم وشفاعتها فيهم وطلبهم لها الباب الحادي والعشرون في اسماء الجنة ومعانيها وأشتقاقها الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنواعها الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تعالى لبعضها بيده الباب الرابع والعشرون في ذكر بوابيها وخزنتها الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة الباب السادس والعشرون في ذكر اول الأمم دخولا الجنة الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة الباب التاسع والعشرون في ذكر اصناف أهل الجنة التي ضمنت لهم دون غيرهم الباب الثلاثون في أن اكثر أهل الجنة هم أمة محمد الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة والنار أكثر من الرجال الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم الباب الثالث والثلاثون في ذكر حثيات الرب عز و جل الذين يدخلهم الجنة الباب الرابع والثلاثون في ذكر تربة الجبنة وطينها وحصبائها ونباتها الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة وإن لم يروها قبل ذلك الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون به عند دخولها الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم ومقادير أسنانهم الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنة أول ما يدخلونها الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم يوجد الباب الثالث والاربعون في الاذان الذى يؤذن به المؤمن فيها الباب الرابع والأربعون في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها الباب الخامس والأربعون في ذكر ثمارها وتعدد أنواعها وصفاتها الباب السادس والأربعون في ذكر الزرع في الجنة الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري
عليه الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون ويشربون فيها وأجناسها وصفاتها الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم الباب الثاني والخمسون في ذكر خدام أهل الجنة وغلمانهم الباب الثالث والخمسون في ذكر نساء أهل الجنة وسراريهم واصنافهن وأوصافهن وحالهن الظاهر والباطن وجمالهن الباب الرابع والخمسون في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وذكر صفاتهن ومعرفتهن اليوم بأزواجهن الباب الخامس والخمسون في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك ونزاهته عن المذي والمني الباب السادس والخمسون في اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا وحجة الفريقين الباب السابع والخمسون في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين الباب الثامن والخمسون في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم الباب التاسع والخمسون في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا ومذاكرتهم ما كان بينهم في الدنيا الباب الستون في ذكر سوق الجنة وما أعد الله فيها لأهلها الباب الحادي والستون في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى الباب الثاني والستون في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة الباب الثالث والستون في ذكر ملك الجنة وأن أهلها كلهم ملوك فيها الباب الرابع والستون في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وأن موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها الباب الخامس والستون في رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم سبحانه لا إله إلا هو الباب السادس والستون في تكليمه سبحانه لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامة عليهم الباب السابع والستون في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد الباب الثامن والستون في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها الباب التاسع والستون وهو باب جامع فيه فصول منثورة الباب السبعون في المستحق لهذه البشارة دون غيره والله سبحانه وتعالى هو المسئول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مدينا لمؤلفه وقارئه وكاتبه من جنات النعيم وأن يجعله حجة
له
ولا يجعله حجة عليه وأن ينفع به من انتهى إليه إنه خير مسؤول واكرم مأمول وهو
حسبنا ونعم الوكيل
الباب الأول في بيان وجود الجنة الآن
لم يزل أصحاب رسول الله والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء
الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص
الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم
دعوا الأمم إليها وأخبروا بها إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن
تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد
الذي وضعوا به شريعة فيما يفعله الله وانه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن
يفعل كذا وقاسوه على خلقه في أفعالهم فهم مشبهة في الأفعال ودخل التجهم فيهم
فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات وقالوا خلق الجنة قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة
مددا متطاولة ليس فيها سكانها قالوا ومن المعلوم أن ملكا لو أتخذ دارا واعد فيها
ألوان الأطعمة والآلات والمصالح وعطلها من الناس ولم يمكنهم من دخولها قرونا
متطاولة لم يكن ما فعله واقعا على وجه الحكمة ووجد العقلاء سبيلا إلى الاعتراض
عليه فحجروا على الرب تعالى بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وشبهوا أفعاله
بأفعالهم وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب أو حرفوها
عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها
العقلاء ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان ويذكر من صنف في
المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون فيها قال أبو الحسن
الاشعري في كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المضلين جملة ما عليه أصحاب الحديث
وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه
الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله تعالى اله واحد فرد صمد لم
يتخذ صاحبه ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة
آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال
الرحمن على العرش استوى وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي وكما قال بل يداه
مبسوطتان وأن له عينين بلا كيف كما
قال تجري بأعيننا وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج واقروا أن لله علما كما قال أنزله بعلمه وكما قال وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما تعتقد المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال أولم يروا الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئه الله كما قال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله واقروا أنه لا خالق إلا الله تعالى وأن أفعال العباد يخلقها الله تعالى وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وأن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله تعالى يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم واضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره وخيره وشره وحلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ فمن قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن آن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله تعالى محجوبون قال الله تعالى كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وأن موسى عليه السلام سال الله سبحانه وتعالى الرؤية في الدنيا وإن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فاعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كما جاء في الحديث والإسلام
عندهم غير الإيمان ويقرون بأن الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله لعباده حق والوقوف بين يدي الله تعالى حق ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون أسماء الله هي الله تعالى ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله تعالى ينزلهم حيث شاء ويقولون أمرهم إلى الله أن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله وينكرون الجدال والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ولا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة ويقولون إن الله تعالى لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشرك وأن كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبه نبيه ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضي الله عنهم ويقرون بأنهم الخلفاء الراشدون المهديون وانهم أفضل الناس كلهم بعد رسول الله ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ويرون إتباع من سلف من أئمة الدين وان لا يتبعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ويرون العيدين والجمعة والجماعة خلف كل أمام بر أو فاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرج عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم عليه
الصلاة والسلام يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم ويصدقون أن في الدنيا سحرة وإن الساحر كافر كما قال الله تعالى وان السحر كان موجود في الدنيا ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات مات بأجله وكذلك كل من قتل قتل بأجله وإن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالا كانت أو حراما وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وأن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله تعالى عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وان الأمور بيد الله تعالى ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله تعالى والإنتهاء عمى نهى الله عنه وإخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والمعصية والفخر والكبر والازدراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخل2وقتان وسقنا جملة كلامه ليكون الكتاب مؤسسا على معرفة من يستحق البشارة المذكورة وأن أهل هذه المقالة هم أهلها وبالله التوفيق وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المآوى وقد رأى النبي سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الأسراء وفي آخره ثم أنطلق بي جبريل حتى أنتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال أن أحدكم
إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وأن كان من اهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة وفي المسند وصحيح الحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث ألبراء ابن عازب قال خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث بطولة وفيه فينادي مناد من السماء إن ! صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها وذكر الحديث وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل قال فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقولان له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة قال نبي الله فيراهما جميعا وفي صحيح أبي عوانة الاسفرايني وسنن أبي داود من حديث البراء بن عازب الطويل في قبض الروح ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله تعالى أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال أسكن وفي مسند البزار وغيره من حديث أبي سعيد قال شهدنا مع النبي جنازة فقال رسول الله أيها الناس أن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا فإن كان مؤمنا قال اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده رسوله فيقولون له صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقولون هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إلى الجنة فيقولون له اسكن وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله فذكرت الحديث إلى أن قالت ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافرغوا إلى الصلاة وقال رسول الله رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني
أقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها حين رأيتموني تأخرت وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عباس قال انخسفت الشمس على عهد رسول الله فذكر الحديث وفيه قال أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله فقالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت فقال أني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لإكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط افظع ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي في صلاة الخسوف قال قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ودنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قلت ما شان هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل وفي صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال عرض على كل شيء تولجونه فعرضت على الجنة حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه وعرضت على النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عنه في هذا الحديث ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة في النار وكان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي ان لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رايته في صلاتي هذه وفي مسند الأمام أحمد وسنن ابي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وفي هذه القصة والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النار منى حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم وذكر الحديث وفي صحيح
مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله ذات يوم إذ أقيمت الصلاة فقال يا ايها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا ترفعوا رؤسكم فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا وما رأيت يا رسول الله قال رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن من حديث كعب أبن مالك قال قال رسول الله إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ومثله حديث كعب بن مالك أيضا عن النبي أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة أو شجر الجنة رواه أهل السنن وصححه الترمذي وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب الذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجنة قبل يوم القيامة تمام هذه الأحاديث أن شاء الله تعالى وذكر دلالة القرآن على ما دلت عليه السنة من ذلك وفي صحيح مسلم والسنن والمسند من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر الجنة فحفت بالمكاره فقال فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها ثم رجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال ثم أرسله إلى النار قال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا ثم رجع فقال وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات ثم قال أذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة يا رب ما لها إنما يدخلها ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار يا رب ما لها يدخلها الجبارون والمتكبرون فقال أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل
واحدة منكما ملؤها وفي الصحيحين من حديث أبن عمر عن النبي أنه قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وروى الليث بن سعيد عن معاوية أبن صالح عن عبد الملك بن بشير ورفع الحديث قال ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طاب ثمري واطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي وتقول النار أشتد حري وبعد قعري وعظم جمري فعجل على بأهلي وفي صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي أنه قال بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ودارا فقلت لمن هذا فقيل لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا هو فقيل لعمر بن الخطاب فلولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته قال فبكى عمر وقال أيغار عليك يا رسول الله وسيأتي حديث بلال وقول النبي ولم ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك بين يدي وغير ذلك من الأحاديث التي تأتي أن شاء الله تعالى وقال عبد الله بن وهب أنبأنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن أنس بن مالك قال صلى بنا رسول الله ذات يوم صلاة الصبح ثم مد يده ثم أخرها فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد صنعت في صلاتك شيئا لم تصنعه في غيرها قال أني رأيت الجنة فرأيت فيها دالية قطوفها دانية حبها كالدباء فأردت أن أتناول منها فأوحى إليها أن إستأخري ثم رأيت النار بيني وبينكم حتى رأيت ظلي وظلكم فأومأت إليكم أن استأخروا فأوحى إلى أقرهم فإنك أسلمت وأسلموا وهاجرت وهاجروا وجاهدت وجاهدوا فلم أر لي عليكم فضلا إلا بالنبوة فإن قيل فما منعكم عن الاحتجاج على وجودها الآن بقصد آدم ودخوله الجنة وإخراجه منها بأكله من الشجرة والاستدلال بها في غاية الظهور قيل الاستدلال بذلك وإن كان عند العامة في غاية الظهور فهو في غاية الغموض لاختلاف الغموض لاختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل كانت جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة أو كانت جنة في الأرض في شرفها ونحن
بذكر
من قال بهذا ومن قال بهذا وما احتج به كل فريق على قولهم وما رد به الفريق الآخر
عليهم بحول الله وقوته
الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة
والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض قال
منذر أبن سعيد في تفسير قوله تعالى أسكن أنت وزوجك الجنة فقالت طائفة أسكن الله
آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة وقال آخرون هي جنة غيرها جعلها
الله له وأسكنه إياها ليست جنة الخلد قال وهذا قول تكثر الدلائل الشاهدة له
والموجبة للقول به وقال أبو الحسن الماوردي في تفسيره واختلف الناس في الجنة التي
أسكناها على قولين أحدهما أنها جنة الخلد الثاني أنها جنة أعدها الله تعالى لهما
وجعلها ابتلاء وليست هي جنة الخلد التي جعلها دار جزاء ومن قال بهذا اختلفوا فيه
قولين أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن الثاني أنها في
الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار
وهذا قول أبن بحر وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم عليه الصلاة و السلام
والله اعلم بصواب ذلك هذا كلامه وقال ابن الخطيب في تفسيره المشهور واختلفوا في
الجنة المذكورة في هذه الآية هل كانت في الأرض أو في السماء وبتقدير أنها كانت في
السماء فهل هي الجنة التي هي دار الثواب وجنة الخلد أو جنة أخرى فقال ابو القاسم
البلخي وأبو مسلم الأصبهاني هذه الجنة في الأرض وجملا الأهباط على الأنتقال من
بقعة إلى بقعة كما في قوله أهبطوا مصرا واحتجا عليه بوجوده القول الثاني وهو قول
الجبائي أن تلك الجنة التي كانت في السماء السابعة والقول الثالث وهو قول جمهور
أصحابنا أن هذه الجنة هي دار الثواب وقال أبو القاسم الراغب في تفسيره واختلف في
الجنة التي أسكنها آدم فقال بعض المتكلمين كان بستانا جعله الله تعالى له امتحانا
ولم يكن جنة المآوى وذكر بعض الاستدلال على القولين وممن ذكر الخلاف أيضا أبو عيسى
الرماني في تفسيره واختار أنها جنة الخلد ثم قال والمذهب الذي إخترناه قول الحسن
وعمرو وواصل واكثر أصحابنا وهو قول أبي علي وشيخنا أبي بكر وعليه أهل التفسير
وأختار أبن الخطيب التوقف في المسألة وجعله قولا رابعا فقال والقول الرابع أن لكل
ممكن والإدلة متعارضة فوجب التوقف وترك القطع قال منذر بن سعيد والقول
بإنها جنة في الأرض ليست جنة الخلد قول أبي حنيفة وأصحابه قال وقد رأيت أقواما نهضوا لمخالفتنا في جنة آ4دم عليه السلام بتصويب مذهبهم من غير حجة إلا الدعاوي والأماني ما أتوا بحجة من كتاب ولا سنة ولا اثر عن صاحب ولا تابع ولا تابع التابع ولا موصولا ولا شاذا مشهورا وقد أوجدناهم أن فقيه العراق ومن قال بقوله قالوا أن جنة آدم ليست جنة الخلد وهذه الدواوين مشحونة من علومهم ليسوا عند أحد من الشاذين بل بين رؤساء المخالفين وإنما قلت هذا ليعلم اني لا انصر مذهب أبي حنيفة وإنما أنصر ما قام لي عليه الدليل من القرآن والسنة هذا أبن زيد المالكي يقول في تفسيره سألت أبن نافع عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن الكلام في هذا أفضل وهذا أبن عيينة يقول في قوله عز و جل إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى قال يعني في الأرض وابن نافع وامام وأبن عيينة امام وهو لا يأتوننا بمثلهما ولا من يضاد قوله لهما وهذا ابن قتيبة ذكر في كتاب المعارف بعد ذكره خلق الله لآدم وزوجه قال ثم تركتهما وقال أثمروا واكثروا وأملؤا الأرض وتسلطوا على انوان البحور وطير السماء والأنعام وعشب الأرض وشجرها وثمرها فأخبر ان في الرض خلقه وفيها امره ثم قال ونصب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات ثم ذكر الحية فقال وكانت أعظم دواب البر فقالت للمراة أنكالا تموتان إن أكلتما من هذه الشجرة ثم قال بعد كلام ثم اخرجه من مشرق جنة عدن إلى الأرض التي منها أخذ ثم قال قال وهب وكان مهبطه حين أهبط من جنة عدن في شرقي أرض الهند قال واحتمل قابيل أخاه حتى اتى به واديا من اودية اليمن في شرقي عدن فكمن فيه وقال غيره فيما نقل أبو صالح عن أبن عباس في قوله أهبطوا هو كما يقال هبط فلان أرض كذا وكذا قال منذر بن سعيد فهذا وهب بن منبه يحكي أن آدم عليه السلام خلق في الأرض وفيها سكن وفيها نصب له الفردوس وإنه كان بعدن وإن أربعة أنهار أنقسمت من ذلك النهر الذي كان يسمى فردوس آدم وتلك الأنهار بقيت في الأرض لاختلاف بين المسلمين في ذلك فاعتبروا يا اولي الألباب وأخبر ان الحية التي كلمت آدم كانت من أعظم دواب البر ولم يقل من أعظم دواب السماء فهم يقولون إن الجنة لم تكن في الأرض وإنما كانت فوق السماء السابعة ثم قال وأخرجه من مشرق جنة عدن وليس في جنة المآوى مشرق ولا مغرب لأنه
لا
شمس فيها ثم قال وأخرجه إلى الأرض التي اخذ منها يعني أخرجه من الفردوس الذي نصب
له في عدن في شرقي أرض الهند وهذه الأخبار التي حكى ابن قتيبة إنما تنبئ عن أرض
اليمن وعن عدن وهي من أرض اليمن وأخبر أن الله نصب الفردوس لآدم عليه السلام بعدن
ثم أكد ذلك بأن قال أربعة الأنهار التي ذكرناها منقسمة عن النهر الذي كان يسمى
فردوس آدم قال منذر وقال ابن قتيبة عن ابن منبه عن أبي هريرة قال واشتهى آدم عند
موته قطفا من الجنة التي كان فيها بزعمهم على ظهر السماء السابعة وهو في الأرض
فخرج أولاده يطلبون ذلك له حتى بلغتهم الملائكة موته فأولاد آدم كانوا مجانين
عندكم إن كان ما نقله إبن قتيبة حقا يطلبون لابيهم ثمر جنة الخلد في الأرض قال
ونحن لم نقل غير ما قال هؤلاء ولو كانت جنة الخلد فيها ونحن استدللنا من القرآن
وغيرنا قطع وادعى بما ليس له عليه برهان فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخلاف في هذه
المسئلة ونحن نسوق حجج الفريقين إن شاء الله تعالى ونبين لهم ما لهم وما عليهم
الباب الثالث في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس
يوم القيامة قالوا قولنا هذا هو الذي فطر الله عليه الناس صغيرهم وكبيرهم لم يخطر
بقلوبهم سواه وأكثرهم لا يعلم في ذلك نزاعا قالوا وقد روى مسلم في صحيحه من حديث
أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة قالا قال رسول الله
يجمع الله تعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم عليه السلام
فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم
وذكر الحديث قالوا وهذا يدل على أن الجنة التي أخرج منها هي بعينها التي يطلب منه
أن يستفتحها وفي الصحيحين حديث احتجاج آدم وموسى وقول موسى أخرجتنا ونفسك من الجنة
ولو كانت في الأرض فهم قد خرجوا من بساتين فلم يخرجوا من الجنة وكذلك قول آدم للمؤمنين
يوم القيامة وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وخطيئته لم تخرجهم من جنات
الدنيا قالوا وقد قال تعالى في سورة البقرة وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة
وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما
الشيطان عنها فأخرجهما مما
كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا يدل على أن هبوطهم كان من الجنة إلى الأرض من وجهين أحدهما من لفظة اهبطوا فإنه نزول من علو إلى اسفل والثاني قوله ولكم في الأرض مستقر عقب قوله اهبطوا فدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض ثم أكد هذا بقوله في سورة الأعراف قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ولو كانت الجنة في الأرض لكانت حياتهم فيها قبل الأخراج وبعد قالوا وقد وصف سبحانه جنة آدم بصفات لا تكون إلا في جنة الخلد فقال إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنت لا تظمأ فيها ولا تضحى وهذا لا يكون في الدنيا أصلا فأن الرجل ولو كان أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعرى والضحى فإن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فنفى عن سكانها ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن وذلك احسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعري والضحى وهذا شأن ساكن جنة الخلد قالوا وأيضا فلو كانت تلك الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن آدم كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية وإن ملكها يبلى قالوا وأيضا هذه القصة في سورة البقرة ظاهرة جدا في أن الجنة التي اخرج منها فوق السماء فإنه سبحانه قال وإذا قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فهذا اهباط آدم وحواء وإبليس من الجنة فلهذا أتى فيه بضمير الجمع وقد قيل إن الخطاب لهما وللحية وهذا ضعيف جدا إذ لا ذكر للحية في شيء من قصة آدم ولا في السياق ما يدل عليها وقيل الخطاب لآدم وحواء وأتى فيه بضمير الجمع كقوله وكنا لحكمهم شاهدين وهما داود وسليمان وقيل لآدم وحواء وذريتهما وهذه الأقوال ضعيفة غير الأول لأنها قول لا دليل عليه بين ما يدل اللفظ على خلافه فثبت أن إبليس داخل في هذا الخطاب وانه من
المهبطين فإذا تقرر هذا فقد ذكر سبحانه الإهباط ثانيا بقوله قلنا إهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والظاهر أن هذا الأهباط الثاني في غير الأول وهو اهباط من السماء إلى الأرض والأول اهباط من الجنة وحينئذ فتكون الجنة التي اهبط منها أولا فوق السماء جنة الخلد وقد ظن الزمخشري أن قوله اهبطوا منها جميعا خطاب لآدم وحواء خاصة وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما قال والدليل عليه قوله تعالى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو قال ويدل على ذلك قوله فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم ومعنى قوله بعضكم لبعض عدو ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم بعضا وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الاية فإن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما كما قال الله تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان واعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو وأما آدم وزوجته فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الإنسان والشيطان وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهو ثلاثة فلماذا يعود الضمير على بعض المذكور مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه فلم يصنع الزمخشري شيئا وأما قوله تعالى في سورة طه قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو وهذا خطاب لآدم وحواء وقد جعل بعضهم لبعض عداوا فالضمير في قوله اهبطا منها أما أن يرجع إلى آدم وزوجته أو إلى آدم وإبليس ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له وعلى هذا فلعداوة المذكورة للمتخاطبين بالاهباط وهما آدم وإبليس فالأمر ظاهر وأما على الأول فتكون الآية قد اشتملت على أمرين أحدهما أمره تعالى لا لآدم وزوجه بالهبوط والثاني إخباره بالعداوة بين آدم وزوجته وبين إبليس ولهذا أتى الضمير الجمع في الثاني دون الأول ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا كما قال تعالى إن هذا عدو لك ولزوجك وقال للذرية إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير
الجمع
دون التثنية وأما الاهباط فتارة يذكره بلفظ الجمع وتارة بلفظ التثنية وتارة بلفظ
الأفراد كقوله في سورة الأعراف قال اهبط منها وكذلك في سورة ص وهذا لإبليس وحده
وحيث ورد بصيغة الجمع فهو لآدم وزوجه وإبليس إذ مدار القصة عليهم وحيث ورد بلفظ
التثنية فأما أن يكون لآدم وزوجه اذهما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على
المعصية وإما أن يكون لآدم وإبليس اذ هما أبوا الثقلين وأصلا الذرية فذكر حالهما
ومآل أمرهما ليكون عظة وعبرة لأولادهما وقد حكيت القولين في ذلك والذي يوضح أن
الضمير في قوله اهبطا منها جميعا لآدم وإبليس إن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد
بها آدم دون زوجه فقال وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا
منها جميعا وهذا يدل على أن المخاطب بالاهباط هو آدم ومن زين له المعصية ودخلت
الزوجة تبعا فإن المقصود إخبار الله تعالى للثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم
المعصية ومخالفة الأمر فذكر أبويهما أبلغ في حصول هذا المعنى من ذكر أبوي الإنس
فقط وقد اخبر سبحانه عن الزوجة بأنها أكلت مع آدم وأخبر أنه اهبطه وأخرجه من الجنة
بتلك الأكلة فعلم أن حكم الزوجة كذلك وأنها صارت إلى ما صار إليه آدم وكان تجريد
العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي الأنس وأمهم فتأمله
وبالجملة فقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو ظاهر في الجمع فلا يسوغ حمله على الأثنين في
قوله اهبطا من غير موجب قالوا وأيضا فالجنة جاءت معرفة بلام التعريف في جميع
المواضع كقوله أسكن أنت وزوجك الجنة ونظائره ولا جنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها
الأجنة الخلد التي وعد الرحمن عباده بالغيب فقد صار هذا الاسم علما عليها بالغلبة
كالمدينة والنجم والبيت والكتاب ونظائرها فحيث ورد لفظها معرفا انصرف إلى الجنة
المعهودة المعلومة في قلوب المؤمنين وأما أن أريد به جنة غيرها فإنها تجيء منكرة
أو مقيدة بالإضافة أو مقيدة من السياق بما يدل على أنها جنة في الأرض فالأول كقوله
جنتين من أعناب والثاني كقوله ولولا إذ دخلت جنتك والثالث كقوله أنا بلوناهم كما
بلونا أصحاب الجنة قالوا مما يدل على أن جنة آدم هي جنة المآوى ما روى هوذة بن
خليفة عن عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال إن الله تعالى لما أخرج
آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شيء
فثماركم
هذه من ثمار الجنة غير إن هذه تتغير وتلك لا تتغير قالوا وقد ضمن الله سبحانه
وتعالى له إن تاب إليه وأناب أن يعيده إليها كما روى المنهال عن سعيد أبن جبير عن
ابن عباس في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال يا رب ألم تخلقني
بيدك قال بلى قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال
بلى قال أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال أرأيت أن تبت وأصلحت أراجعي أنت
إلى الجنة قال بلى قال فهو قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وله طرق
عن ابن عباس وفي بعضها كان آدم قال لربه إذا عصاه رب أن أنا تبت وأصلحت فقال له
ربه إني راجعك إلى الجنة فهذا بعض ما احتج به القائلون بأنها جنة الخلد ونحن نسوق
حجج الآخرين
الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي
جنة في الأرض قالوا هذا قول تكثر الدلائل الموجبة للقول به فنذكر بعضها قالوا قد
أخبر الله سبحانه على لسان جميع رسله أن جنة الخلد أنما يكون الدخول إليها يوم
القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد وقد وصفها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابة
بصفاتها ومحال أن يصف الله سبحانه وتعالى شيئا بصفته ثم يكون ذلك الشيء بغير تلك
الصفة التي وصفه بها قالوا فوجدنا الله تعالى وصف الجنة التي اعدت للمتقين بإنها
دار المقامة فمن دخلها أقام بها ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها ووصفها بإنها جنة
الخلد وآدم لم يخلد فيها ووصفها بأنها دار ثواب وجزاء لا دار تكليف وأمر ونهى
ووصفها بأنها دار سلامة مطلقة لا دار ابتلاء وامتحان وقد ابتلى آدم فيها بأعظم
الابتلاء ووصفها بأنها دار لا يعصي الله فيها أبدا وقد عصى آدم ربه في جنته التي
دخلها ووصفها بأنها ليست دار خوف ولا حزن وقد حصل للأبوين فيها من الخوف والحزن ما
حصل وسماها دار السلام ولم يسلم فيها الأبوان من الفتنة ودار القرار ولم يستقر
فيها وقال في داخلها وما هم منها بمخرجين وقد اخرج منها الأبوان وقال لا يمسهم
فيها نصب وقد ند فيها آدم هاربا فارا وطفق يخصف ورق الجنة على نفسه وهذا النصب
بعينه وأخبر أنه لالغو فيها ولا تأثيم وقد سمع فيها آدم لغو إبليس وإثمه وأخبر أنه
لا يسمع فيها لغو ولا كذاب وقد سمع فيها آدم عليه السلام كذب
إبليس وقد سماها الله سبحانه وتعالى مقعد صدق وقد كذب فيها إبليس وحلف على كذبه وقد قال تعالى للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ولم يقل إني جاعل في جنة المأوى فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ومحال أن يكون هذا في جنة المأوى وقد أخبر الله تعالى عن إبليس إنه قال لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن كان الله سبحانه وتعالى قد اسكن آدم جنة الخلد والملك الذي لا يبلى فكيف لم يرد عليه ويقول له كيف تدلني على شيء أنا فيه وقد أعطيته ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد اخبر آدم إذ أسكنه الجنة أنه فيها من الخالدين ولو علم أنها دار الخلد لما ركن إلى قول إبليس ولا مال إلى نصيحته ولكنه لما كان في غير دار خلود غره بما أطعمه فيه من الخلد قالوا ولو كان أدم أسكن جنة الخلد وهي دار القدس التي لا يسكنها إلا طاهر مقدس فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس المذموم المدحور حتى فتن فيها أدم عليه السلام ووسوس له وهذه الوسوسة إما أن تكون في قلبه وإما أن تكون في أذنه وعلى التقديرين فكيف توصل اللعين إلى دخول دار المتقين وأيضا فبعد أن قيل له اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها أيفسح له أن يرقى إلى جنة المأوى فوق السماء السابعة بعد السخط عليه والأبعاد له والزجر والطرد بعتوه واستكباره وهل هذا يلائم قوله فما يكون لك أن تتكبر فيها فإن كانت مخاطبته لآدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست تكبرا فما التكبر بعد هذا فإن قلتم فلعل وسوسته وصلت إلى الأبوين وهو في الأرض وهما فوق السماء في عليين فهذا غير معقول لغة ولا حسا ولا عرفا وإن زعمتم انه دخل في بطن الحية حتى أوصل إليهما الوسوسة فأبطل وأبطل إذ كيف يرتقي بعد الاهباط إلى أن يدخل الجنة ولو في بطن الحية وإذا قلتم إنه دخل في قلوبهما ووسوس إليهما فالمحذور قائم وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى حكى مخاطبته لهما كلاما سمعاه شفاها فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وهذا دليل على مشاهدته لهما وللشجرة ولما كان آدم خارجا من الجنة وغير ساكن فيها قال الله تعالى له ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ولم يقل عن هذه الشجرة فعندما قال لهما ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة لما أطعمها في ملكها والخلود في مقرها أتى باسم الإشارة بلفظ الحضور تقريبا لها وإحضارا لها عندهما وربهما تعالى قال لهما ألم أنهكما عن
تلكما الشجرة ولما اراد إخراجهما منها فأتى باسم الإشارة بلفظ البعد والغيبة كأنهما لم يبق لهما من الجنة حتى ولا مشاهدة الشجرة التي نهيا عنها وأيضا فإنه سبحانه قال إليه يصعد الكلم الطيب ووسوسة اللعين من اخبث الكلم فلا تصعد إلى محل القدس قال منذر وقد روى عن النبي أن آدم عليه السلام نام في جنته وجنة الخلد لا نوم فيها بالنص وإجماع المسلمين فإن النبي سئل أيتام أهل الجنة في الجنة قال لا النوم أخو الموت والنوم وفاة وقد نطق به القرآن والوفاة تقلب حال ودار السلام مسلمة من تقلب الأحوال والنائم ميت أو كالميت قلت الحديث الذي أشار إليه المعروف أنه موقوف من رواية أبن أبي نجيح عن مجاهد قال خلقت حواء من قصيري آدم وهو نائم وقال أسباط عن السدي أسكن آدم عليه السلام الجنة وكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومه فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما انت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى وقال ابن إسحاق عن ابن عباس ألقى الله على آدم عليه السلام السنة ثم اخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة يسكن إليها فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه فقال لحمي ودمي وروحي فسكن إليها قالوا ولا نزاع إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في الأرض ولم يذكر في موضع واحد أصلا أنه نقله إلى السماء بعد ذلك ولو كان قد نقله ذلك إلى السماء لكان هذا أولى بالذكر لأنه من اعظم الآيات ومن اعظم النعم عليه فإنه كان معراجا ببدنه وروحه من الأرض إلى فوق السموات قالوا وكيف ينقله سبحانه ويسكنه فوق السماء وقد اخبر ملائكته أنه جاعله في الأرض خليفة وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها خلد فيها ولا يخرج منها قال تعالى وما هم فيها بمخرجين قالوا ولم يكن معنا في المسألة إلا أن الله سبحانه أهبط إبليس من السماء حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وهذا أمر تكوين لا يمكن وقوع خلافه ثم أدخل آدم عليه السلام والجنة بعد هذا فإن الأمر بالسجود كان عقب خلقه من غير فصل فلو كانت الجنة فوق السموات لم يكن لإبليس سبيل إلى صعوده
إليها وقد أهبط منها وأما تلك التقادير التي قدرتموها فتكلفات ظاهرة كقول من قال يجوز أن يصعد إليها صعودا عارضا لا مستقرا وقول من قال أدخلته الحية وقول من قال دخل في أجوافها وقول من قال يجوز أن تصل وسوسته إليها وهو في الأرض وهما فوق السماء ولا يخفى ما في ذلك من التعسف الشديد والتكلف البعيد وهذا بخلاف قولنا فإنه سبحانه لما أهبطه من ملكوت السماء حيث لم يسجد لآدم عليه السلام أشرب عداوته فلما أسكنه جنته حسده عدوه وسعى بكيده وغروره في إخراجه منها والله أعلم وقالوا ومما يدل على أن جنة آدم لم تكن جنة الخلد التي وعد المتقون أن الله سبحانه لما خلقه أعلمه أن لعمره أجلا ينتهي إليه وأنه لم يخلقه للبقاء كما روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لما خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بأذنه فقال ربه يرحمك الله يا آدم أذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقال السلام عليكم قالوا وعليك السلام الخ ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان أختر أيهما شئت فقال أخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال يا رب ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب بين عينيه عمره فأذا فيهم رجل أضوؤهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمرا أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذلك الذي كتبت له قال اي رب فاني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذلك قال ثم اسكن الجنة ما شاء الله ثم اهبط منها فكان آدم عليه السلام يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتبت إلى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لأبنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روى من غير وجه عن ابي هريرة قالوا فهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يخلق في دار البقاء التي لا يموت من دخلها وإنما خلق في دار الفناء التي جعل الله تعالى لها ولسكانها أجلا معلوما وفيها اسكن فإن قيل فإذا كان آدم عليه السلام قد علم أن له عمرا مقدرا وأجلا ينتهي إليه وإنه ليس من الخالدين فكيف لم يعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وقوله أو تكونا من الخالدين فالجواب من وجهين أحدهما أن الخلد لا يستلزم الدوام والبقاء بل هو المكث
الطويل
كما سيأتي الثاني أن إبليس لما حلف له وغره وأطعمه في الخلود نسي ما قدر له من
عمره قالوا وأيضا فمن المعلوم الذي لا ينازع فيه مسلم أن الله سبحانه خلق آدم عليه
السلام من تربة هذه الأرض وأخبر أنه خلقه من سلالة من طين وأنه خلقه من صلصال من
حمأ مسنون فقيل هو الذي له صلصلة لبيسة وقيل هو الذي تغيرت رائحته من قولهم صل
اللحم إذا تغير والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون المصبوب وهذه كلها أطوار
للتراب الذي هو مبدؤه الأول كما أخبر عن أطوار خلق الذرية من نطفة ثم من علقة ثم
من مضغة ولم يخبر سبحانه وتعالى أنه رفعه من الأرض إلى فوق السموات لا قبل التحليق
ولا بعده فأين الدليل الدال على إصعاد مادته أو إصعاده هو بعد خلقه وهذا ما لا
دليل لكم عليه ولا هو لازم من لوازم ما اخبر الله به وقالوا من المعلوم أن ما فوق
السموات ليس بمكان للطين الأرضي المتغير الرائحة الذي قد انتن من تغيره وإنما محل
هذه الأرض التي هي محل المتغيرات الفاسدات وأما ما فوق الأفلاك فلا يلحقه تغير ولا
نتن ولا فساد ولا استحالة فهذا أمر لا يرتاب فيه العقلاء قالوا وقد قال الله تعالى
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك
عطاء غير مجذوذ فأخبر سبحانه أن عطاء جنة الخلد غير مجذوذ قالوا فإذا جمع ما أخبر
به سبحانه من أنه خلقه من الأرض وجعله خليفة في الأرض وإن إبليس وسوس إليه في
مكانه الذي أسكنه فيه بعد ان أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له وانه أخبر
ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة وان دار الخلد دار جزاء وثواب على الامتحان
والتكاليف وإنه لا لغو فيها ولا تأثيم ولا كذاب وأن من دخلها لا يخرج منها ولا
ييأس ولا يحزن ولا يخاف ولا ينام وان الله حرمها على الكافرين وإبليس رأس الكفر
فإذا جمع ذلك بعضه إلى بعض وفكر فيه المنصف الذي رفع له علم الدليل فشمر إليه
بنفسه عن حضيض التقليد تبين له الصواب والله الموفق فلو لم يكن في المسألة إلا أن
الجنة ليست دار تكليف وقد كلف الله سبحانه الأبوين بينهما عن الأكل من الشجرة فدل
على أنها دار تكليف لا جزاء وخلد فهذا أيضا بعض ما احتجت به هذه الفرقة على قولها
والله أعلم
الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول قالوا أما
قولكم إن قولنا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه فالمسألة سمعية
لا تعرف إلا بأخبار الرسل ونحن وأنتم أنما تلقينا هذا من القرآن لا من
المعقول ولا من الفطرة فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح او حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا وقد اوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة ووافقت أسم الجنة التي اعدها الله لعباده في أطلاقها وبعض اوصافها فذهب كثير من الأوهام إلى أنها هي بعينها فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول آدم وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم فأنما يدل على تأخر آدم عليه السلام عن الاستقباح للخطيئة التي قد تقدمت منه في دار الدنيا وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة كما في اللفظ الآخر أني نهيت عن أكل الشجرة فأكلت منها فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمن أو استلزام وكذلك قول موسى له أخرجتنا ونفسك من الجنة فإنه لم يقل له أخرجتنا من جنة الخلد وقولكم أنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض فاسم الجنة وأن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله وهي كالسجن بالنسبة إليها واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء وأما استدلالكم بقوله تعالى وقلنا أهبطوا عقيب إخراجهم من الجنة فلفظ الهبوط لا يستلزم النزول من السماء إلى الأرض غايته أن يدل على النزول من مكان عال إلى أسفل منه وهذا غير منكر فإنها كانت جنة في أعلى الأرض فاهبطوا منها إلى الأرض وقد بينا أن الأمر كان لآدم عليه السلام وزوجه وعدوهما فلو كانت الجنة في السماء لما كان عدوهما متمكنا منها بعد اهباطه الأول لما أبى السجود لآدم عليه السلام فالآية أيضا من أظهر الحجج عليكم ولا تغني عنكم وجوه التعسفات والتكلفات التي قدرتموها وقد تقدمت وأما قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا لا يدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض فإن الأرض اسم جنس وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها في محل لا يدركهم فيه جوع ولا عرى ولا ظمأ ولا ضحى فاهبطوا إلى أرض يعرض فيها ذلك كله وفيها حياتهم وموتهم وخروجهم من القبور والجنة التي اسكناها لم تكن دار نصب ولا تعب ولا أذى والأرض التي اهبطوا إليها هي محل التعب
والنصب
والأذى وأنواع المكاره وأما قولكم إنه سبحانه وتعالى وصفها بصفات لا تكون في
الدنيا فجوابه أن تلك الصفات لا تكون في الأرض التي أهبطوا إليها فمن أين لكم أنها
لا تكون في الأرض التي اهبطوا منها وأما قولكم إن آدم عليه السلام كان يعلم إن
الدنيا منقضية فانية فلو كانت الجنة فيها لعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة
الخلد فجوابه من وجهين أحدهما أن اللفظ أنما يدل على الخلد وهو أعم من الدوام الذي
ى انقطاع له فإنه في اللغة المكث الطويل ومكث كل شيء بحسبه ومنه قولهم رجل مخلد
إذا أسن وكبر ومنه قولهم لاثا في الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الاطلال قال
الارمادا هامدا دفعت ... عنه الرياح خوالد الفحم
ونظير هذا أطلاقهم القديم على ما تقادم عهده وإن كان له أول كما قال تعالى
كالعرجون القديم وإنك لفي ضلالك القديم وأفك قديم وقد أطلق تعالى الخلود في النار
على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس واطلقه النبي على قاتل نفسه
الوجه الثاني أن العلم بانقطاع الدنيا ومجئ الآخرة أنما يعلم الوحي ولم يتقدم لآدم
عليه الصلاة و السلام نبوة يعلم بها ذلك وهو وأن نباه الله سبحانه وتعالى وأوحى
إليه وأنزل عليه صحفا كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد اهباطه إلى الأرض بنص القرآن
قال تعالى اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى
وكذلك في سورة البقرة قلنا أهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى الآية
وإما قولكم أن الجنة وردت معرفة باللام التي للعهد فتنصرف إلى جنة الخلد فقد وردت
معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى إنا بلوناهم كما بلونا
أصحاب الجنة إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين وقولكم أن السياق ها هنا دل على أنها جنة
في الأرض قلنا والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض
فلذلك صرنا إلى موجبها إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصحيح
وإما استدلالكم بأثر أبي موسى أن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من
ثمارها فليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن إلا تزوده منها وهذا لا يقتضي أن
تكون جنة الخلد
وقولكم أن هذه تتغير وتلك لا تتغير فمن أين لكم أن الجنة التي اسكنها آدم كان
التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي أنه
قال لولا بنو إسرائيل لم يخبز اللحم أي لم يتغير ولم ينتن وقد أبقى سبحانه وتعالى
في
هذا العالم طعام العزير وشرابه مائة سنة لم يتغير
وأما قولكم أن الله سبحانه وتعالى ضمن لآدم عليه السلام أن تاب أن يعيده إلى الجنة
فلا ريب أن الأمر كذلك ولكن ليس يعلم أن الضمان إنما يتناول عوده إلى تلك الجنة
بعينها بل إذا أعاده إلى جنة الخلد فقد وفى سبحانه بضمانه حق الوفاء ولفظ العود لا
يستلزم الرجوع إلى عين الحالة الأولى ولا زمانها ولا مكانها بل ولا إلى نظيرها كما
قال شعيب لقومه قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها
وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وقد جعل الله سبحانه المظاهر
عائدا بإرادته الوطء ثانيا أو بنفس الوطء أو بالإمساك وكل منها غير الأول لا عينه
فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها
الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم
قالوا أما قولكم إن الله سبحانه أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم
القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار
ودوام وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة وقد دخل النبي الجنة ليلة الإسراء
وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة وهذا غير الدخول الذي اخبر الله به
في يوم القيامة فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا
يكون في الدنيا وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد
قالوا وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة وأنها لم توجد في جنة
آدم عليه السلام من العرى والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها فهذا كله حق لا
ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما
يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها وهذا لا ينفي
أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك ثم يصير الأمر
عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها فلا تنافي بين الأمرين وأما قولكم
أنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهي عن الأكل من تلك
الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود فجوابه من وجهين
أحدهما أنه إنما تمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنين يوم القيامة فحينئذ
ينقطع التكليف واما وقوع التكليف فيها دار الدنيا فلا دليل على
امتناعه
البتة كيف وقد ثبت عن النبي أنه قال دخلت البارحة الجنة فرأيت امرأة تتوضأ إلى
جانب قصر فقلت لمن أنت الحديث وغيره ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله ويعبد
الله قبل يوم القيامة بل هذا هو الواقع فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل
ربهم لا يتعدونها سواء سمى ذلك تكليفا أو لم يسم
الوجه الثاني أن التكليف لم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام
والصلاة والجهاد ونحوها وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها إما
واحدة بالعين أو بالنوع وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد كما أن كل واحد
محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع
مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفعة
عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم
وأما استدلالكم بنوم آدم فيها والجنة لا ينام أهلها
فهذا أن ثبت النقل بنوم آدم فإنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود حيث لا
يموتون وأما قبل ذلك فلا
وأما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد اهباطه وإخراجه من السماء فلعمر الله أنه
لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى
السماء بعد اهباط الله له منها لا يرتضيها منصف ولكن لا يمتنع أن يصعد ألى هنالك
صعودا عارضا لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقد أسبابه وإن لم يكن
ذلك المكان مقعدا له مستقرا كما كان وقد اخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا
قبل مبعث رسول الله يقعدون من السماء مقاعد للسمع فيستمعون الشيء من الوحي وهذا
صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله
تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو فلا تنافي بين هذا الصعود وبين الأمر بالهبوط فهذا
محتمل والله اعلم
وأما استدلالكم بأن الله سبحانه أعلم آدم عليه السلام مقدار أجله وما ذكرتم من
الحديث وتقرير الدلالة منه فجوابه أن إعلامه بذلك لا ينافي إدخاله جنة الخلد
وإسكانه فيها مدة
وأما أخباره سبحانه إن داخلها لا يموت وإنه لا يخرج منها فهذا يوم القيامة
وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض فلا ريب في ذلك ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه
فيها وقد جاء في بعض الآثار أن الله
سبحانه
ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر ما خلقت فلما رآه
أجوف علم أنه خلق لا يتمالك فقال لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط على لا عصينه مع
أن قوله سبحانه وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء
هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إني أعلم
غيب السموات والأرض يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء وإلا
فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى سمعوا منه ذلك ولو كان خلقه قد كمل في الأرض لم
يمتنع أن يصعده سبحانه الى السماء لأمر دبره وقدره ثم يعيده إلى الأرض فقد اصعد
المسيح إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة وقد اسرى ببدن رسول الله
وروحه إلى فوق السموات فهذا جواب القائلين بأنها جنة الخلد لمنازعيهم والله أعلم
الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد قالوا لو
كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب اضطرار أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل ما فيها
ويموت لقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه و كل نفس ذائقة الموت فتموت الحور العين
التي فيها والولدان وقد أخبر سبحانه أن الدار دار خلود ومن فيها مخلدون لا يموتون
فيها وخبره سبحانه لا يجوز عليه خلف ولا نسخ
قالوا وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبن مسعود قال قال رسول الله لقيت إبراهيم
ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة
عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر قال هذا حديث حسن غريب
وفيه أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه قال من قال سبحان الله وبحمده
غرست له نخلة في الجنة قال هذا حديث حسن صحيح
قالوا فلو كانت الجنة مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ولم يكن لهذا الغرس معنى
قالوا وقد قال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت رب إبني لي عندك بيتا في الجنة
ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوبا أو بنى له بيتا انسج لي ثوبا وأبن لي بيتا
وأصرح من هذا قول النبي من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه
وهذه جملة مركبة من شرط وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط باع جمأ
أهل
العربية وهذا ثابت عن النبي من رواية عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وجابر بن عبد
الله وأنس بن مالك وعمرو بن عنبسة قالوا وقد جاءت آثار بأن الملائكة تغرس فيها
وتبني للعبد ما دام يعمل فإذا فتر فتر الملك عن العمل
قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه والأمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري
قال قال رسول الله إذا قبض الله ولد العبد قال يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت
قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال إبنوا له بيتا في
الجنة وسموه بيت الحمد وفي المسند من حديثه أيضا قال قال رسول الله من صلى في يوم
وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة قالوا وليس هذا من
أقوال أهل البدع والاعتزال كما زعمتم فهذا ابن مزين قد ذكر في تفسيره عن ابن نافع
وهو من أئمة السنة أنه سئل عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن هذا أفضل والله
أعلم
الباب الثامن في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة قد تقدم في الباب
الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون
بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل
هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم
بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم
يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا
أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما اعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله
يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر
فهذا حق لا يمكن رده وادلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي
ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله
سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة
والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك
غراس وبنى له بناء وأنشيء له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على إن
الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ اطلاق ذلك وأما احتجاجكم بقوله تعالى كل شيء هالك إلا
وجهه فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار
الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما
وخرابهما وموت أهلهما فلا انتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية قال البخاري في صحيحه يقال كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجهه وقال الأمام أحمد في رواية ابنه عبد الله فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى عليه فلا يهلك ولا يبيد وأما قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل كل من عليها فان فقالت الملائكة هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال كل شيء هالك يعني ميت إلا وجهه لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت انتهى كلامه وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر ابن يعقوب الاصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها والمقتدى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وساق أقوالهم إلى ان قال وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها و خلقهما الله عز و جل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز و جل كل شيء هالك إلا وجهه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز و جل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز و جل فوق الماء وأن الله عز و جل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل
شعرة
وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصا والتراب والرمل
ومثاقيل الجبال و أعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى
عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة
وما هو أعلم بها فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز و جل ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله إلا هو معهم أينما كانوا وقوله ما يكون من
نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ونحو هذا من متشابه القرآن فقل
إنما يعني بذلك العلم لأن الله عز و جل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم
ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان وقال في رواية أبي جعفر الطائي
محمد بن عوف بن سفيان الحمصي قال الخلال حافظ أمام في زمانه معروف بالتقدم في
العلم والمعرفة كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل
بلده قال أملي على احمد بن حنبل فذكر رسالة في السنة ثم قال في اثنائها وأن الجنة
والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر قال النبي صلى دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا
ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا
فهو مكذب برسول الله وبالقرآن كافر بالجنة والنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل
وقال في رواية عبندوس بن مالك العطار وذكر رسالة في السنة قال فيها والجنة والنار
مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا
وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب
بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار فتأمل هذه الأبواب وما
تضمنته من النقول والمباحث والنكت والفوائد التي لا تظفر بها في غير هذا الكتاب
البتة ونحن اختصرنا الكلام في ذلك ولو بسطناه لقام منه سفر ضخم والله المستعان
وعليه التكلان وهو الموفق للصواب
الباب التاسع في ذكر عدد أبواب الجنة قال الله تعالى
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم
خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين
وقال
في صفة النار حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها بغير واو فقالت طائفة هذه واو الثمانية
دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول
ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض
المتأخرين وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية
الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح
الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف
وقوله وفتحت أبوابها عطف على قوله جاؤها وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج
وغيرهم قال المبرد وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم قال أبو الفتح بن جني وأصحابنا
يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به
بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار
فيقال هذا ابلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى
إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت
أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار
الإهانة والخزى فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول
وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها
صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه
بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم
وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن
يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح ابوابها
فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وأظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه وإن مثل هذه
الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة
التي اولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى ان انتهى إليها وما ركبه من الأطباق
طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه
ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة
وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي
يدخله من شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا
تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد
عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمرا من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حده كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير كذلك يؤنس بعضهم بعضا ويفرح بعضهم ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمرا يلعن بعضهم بعضا ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزى والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحدا واحدا فلا تهمل تدبر قوله زمرا وقال خزنة أهل الجنة لأهلها سلام عليكم فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ثم قال لهم طبتم فادخلوها خالدين أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا فاعترفوا وقالوا بلى فبشروهم بدخولها والخلود فيها وإنها بئس المثوى لهم وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها أدخلوها وقول خزنة النار لأهلها أدخلوا أبواب جهنم تجد تحته سرا لطيفا ومعنى بديعا لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حرا وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل ادخلوا أبوابها صغارا لهم وأذلالا وخزيا ثم قيل لهم لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها وتأمل قوله سبحانه جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى إنها عليهم مؤصدة أي مطبقة ومنه سمي الباب وصيدا وهي مؤصدة في عمد ممددة قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب
قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وأيضا فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتجون إلى ذلك في الدنيا وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الصفة على الموصوف في هذه الجملة فقال الكوفيون التقدير مفتحة لهم أبوابها والعرب تعاقت بين الألف واللام والإضافة فيقولون مررت برجل حسن العين أي عينه ومنه قوله تعالى فإن الجحيم هي المأوى أي مأواه وقال بعض البصريين التقدير مفتحة لهم الأبواب منها فحذف الضمير وما اتصل به وقال هذا التقدير في العربية أجود من أن يجعل الألف واللام بدلا من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف أسم والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف من اسم ولا ينوب عنه قالوا وأيضا لو كانت الألف واللام بدلا من الضمير لوجب أن يكون في مفتحة ضمير الجنات ويكون معنى مفتحة هي ثم أبدل منها الأبواب ولو كان كذلك لوجب نصب الأبواب لكون مفتحة قد رفع ضمير الفاعل فلا يجوز أن يرفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع فاعلين بفعل واحد فلما ارتفع الأبواب دل على أن مفتحة خال من ضمير والأبواب مرتفعة به وإذا كان في الصفة ضمير تعين نصب الثاني كما تقول مررت برجل حسن الوجه ولو رفعت الوجه ونونت حسنا لم يجز فالألف واللام إذا للتعريف ليس إلا فلا بد من ضمير يعود على الموصوف الذي هو جنات عدن ولا ضمير في اللفظ فهو محذوف تقديره الأبواب منها وعندي أن هذا غير مبطل لقول الكوفيين فإنهم لم يريدوا بالبدل إلا أن الألف واللام خلف وعوض عن الضمير تغني عنه وإجماع العرب على قولهم حسن الوجه وحسن وجهه شاهد بذلك وقد قالوا أن التنوين بدل من الألف واللام بمعنى أنهما لا يجتمعان وكذلك المضاف إليه يكون بدلا من التنوين والتنوين بدل من الإضافة بمعنى التعاقب والتوارد ولا يريدون بقولهم هذا بدل من هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه بل قد يكون في كل منهما معنى لا يكون في الآخر فالكوفيون أرادوا أن الألف واللام في الأبواب أغنت عن الضمير لو قيل أبوابها وهذا صحيح
فإن المقصود الربط بن الصفة والموصوف بأمر يجعلها له لا مستقلة فلما كان الضمير عائدا على الموصوف نفي توهم الاستقلال وكذلك لام التعريف فإن كلا من الضمير واللام يعين صاحبه هذا بعين مفسرة وهذا يعين ما دخل عليه وقد قالوا في زيد نعم الرجل إن الألف واللام اغنت عن الضمير والله أعلم وقد أعرب الزمخشري هذه الآية أعرابا اعترض عليه فيه فقال جنات عدن معرفة كقوله جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب ومفتحة حال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وفي مفتحة ضمير الجنات والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب كقولهم ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال هذا إعرابه فاعترض عليه بأن جنات عدن ليس فيها ما يقتضي تعريفها وأما قوله التي وعد الرحمن عباده فبدل لا صفة وبأن جنات عدن لا يسهل أن تكون عطف بيان لحسن مآب على قوله لأن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان لا قائل به فإن القائل قائلان أحدهما أنه لا يكون إلا في المعارف كقول البصريين والثاني أنه يكون في المعارف والنكرات بشرط المطابقة كقول الكوفيين وأبي على الفارسي وقوله أن في مفتحة ضمير الجنات فالظاهر خلافه وأن الأبواب مرتفع به ولا ضمير فيه وقوله أن الأبواب بدل اشتمال فبدل الاشتمال قد صرح هو وغيره أنه لا بد فيه من الضمير وأن نازعهم فيه آخرون ولكن يجوز أن يكون الضمير ملفوظا به وأن يكون مقدرا وهنا لم يلفظ به فلا بد من تقديره أي الأبواب منها فإذا كان التقدير مفتحة لهم هي الأبواب منها كان فيه تكثير للإضمار وتقليله أولى وفي الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون وفي الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل
يدعى
أحد من تلك الأبواب كلها فقال نعم وأرجوا أن تكون منهم وفي صحيح مسلم عن عمر بن
الخطاب عن النبي قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ او فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب
الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء زاد الترمذي بعد التشهد اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين زاد أبو داود والأمام أحمد ثم رفع نظره إلى السماء فقال وعند
الأمام أحمد من رواية أنس يرفعه من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات اشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له أبواب الجنة
الثمانية من أيها شاء دخل وعن عتبة بن عبد الله السلمي قال سمعت رسول الله يقول ما
من مسلم يتوفى له ثلاثا من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة
الثمانية من أيها شاء دخل رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد عن ابن نمير ثنا إسحق
بن سليمان ثنا جرير بن عثمان عن شرحبيل بن شفعة عن عتبة
الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها عن أبي هريرة قال وضعت بين يدي رسول
الله قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وقال أنا سيد
الناس يوم القيامة ثم نهش أخرى وقال أنا سيد الناس يوم القيامة فلما رأى أصحابه لا
يسألونه قال ألا تقولون كيف قالوا كيف يا رسول الله قال يقوم الناس لرب العالمين
فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر فذكر حديث الشفاعة بطوله وقال في آخره فانطلق فأتى
تحت العرش فاقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه
أحد بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من
الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما
بين المصراعين من مصارع الجنة لكما بين مكة وهجرا وهجر ومكة وفي لفظ لكما بين مكة
وهجر أو كما بين مكة وبصرى متفق على صحته وفي لفظ خارج الصحيح بإسناده إن ما بين
عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وعن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان
فحمد الله وأثنى عليه
ثم
قال أما بعد فإن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الإصبابة كصبابة
الأناء يصطبها صاحبها وإنكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها فانقلبوا بخير ما
بحضرتكم ولقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين
عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فهذا موقوف والذي قبله مرفوع فإن كان رسول الله هو
الذاكر له كان هذا ما بين باب من أبوابها ولعله الباب الأعظم وإن كان الذاكر ذلك
غير رسول الله لم يقدم على حديث أبي هريرة المتقدم ولكن قد روى الأمام أحمد في
مسنده من طريق حماد بن سلمة الجريري يحدث عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله
قال أنتم موقوفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من
مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وله كظيظ وقد رواه أبن أبي داود
أنبأنا إسحاق بن شاهين أنبأنا خالد عن الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه يرفعه ما
بين كل مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين وروينا في مسند عبد بن حميد أنبأنا
الحسن بن موسى أنبأنا ابن لهيعة أنبأنا دراج أبو السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد
الخدري عن رسول الله قال ما من مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة وحديث أبي
هريرة أصح وهذه النسخة ضعيفة والله أعلم
وروى أبو الشيخ أنبأنا جعفر بن أحمد بن فارس أنبأنا يعقوب بن حميد أنبأنا معن
حدثنا خالد بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي قال الباب الذي يدخل
منه أهل الجنة مسيرة الراكب المجد ثلاثا ثم انهم ليضطغطون عليه حتى تكاد مناكبهم
تزول رواه أبو نعيم عنه وهذا مطابق للحديث المتفق عليه إن ما بين المصراعين كما
بين مكة وبصرى فإن الراكب المجد غاية الإجادة على أسرع هجين لا يفتر ليلا ولا
نهارا يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه وأما حديث حكيم بن معاوية فقد
اضطرب رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري التقدير بإربعين عاما وخالد ذكر عنه
التقدير بسبع سنين وحديث أبي سعيد المرفوع فيه التقدير بأربعين عاما على طريقة
دراج عن أبي الهيثم قال الأمام أحمد أحاديث دراج مناكير وقال أبو حاتم الرازي
ضعيف
وقال النسائي ليس بالقوي فالصحيح المرفوع السالم عن الأضطراب والشذوذ والعلة حديث
أبي هريرة المتفق على صحته على ان حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر
الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث موقوف فيكون كحديث عتبة بن غزوان
الباب الحادي عشر في صفة أبوابها وأنها ذات حلق روى الوليد بن مسلم عن
خليد عن الحسن مفتحة أبوابها قال أبواب ترى وذكرا أيضا عن خليد عن قتادة قال أبواب
يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها تتكلم وتكلم وتفهم ما يقال لها انفتحي
انغلقي
وقال أبو الشيخ أنبأنا محمد بن عبد الله بن محمد القيسي أنبأنا محمد بن إسحاق
أنبأنا أحمد بن أبي الحواري أنبأنا عبد الله بن غياث عن الفزاري قال لكل مؤمن في
الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه
أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر
إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء
وقد روى سهيل بن أبي صالح عن زياد النمري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله أنا
أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر وفي حديث الشفاعة الطويل من رواية ابن عيينة
عن علي بن زيد عن انس قال قال رسول الله فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها وهذا صريح
في أنها حلقة حسية تحرك وتقعقع وروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال آخذ
بحلقة باب الجنة فيؤذن لي ويذكر عن علي رضي الله عنه من قال لا إله الله الملك
الحق المبين في كل يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب به
الغني واستقرع به باب الجنة فصل ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت
ابوابها كذلك وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت
فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة ولعل هذا وجه الاختلاف الذي جاء
في مسافة ما بين
مصراعي
الباب فإن أبوابها بعضها أعلى من بعض
ولهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم كما في المسند من حديث أبن
عمر عن النبي قال باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة عرض مسيرة الراكب ثلاثا ثم انهم
ليضظغطون حتى تكاد مناكبهم تزول وفيه من حديث أبي هريرة عن النبي أتاني جبريل فأخذ
بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي الحديث وسياتي بتمامه إن شاء الله تعالى
وقال خلف بن هشام البزار ثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن
عاصم بن حمزة عن علي بن أبي طالب قال إن أبواب الجنة هكذا بعضها فوق بعض ثم قرا
حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها إذا هم عندها بشجرة في اصلها عينان تجريان فيشربون من
إحداهما فلا يترك في بطونهم قذى ولا أذى إلا رمته ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم
نضرة النعيم فلا تشعث رؤسهم ولا تغير أبشارهم بعد هذا أبدا ثم قرأ طبتم فادخلوها
خالدين فيدخل الرجل وهو يعرف منزله ويتلقاها الولدان فيستبشرون برؤيتهم كما يستبشر
الأهل بالحميم يقدم من الغيبة فينطلقون إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاناتهم فنقول أنت
رايته فيقوم إلى الباب فيدخل إلى بيته فيتكيء على سريره فينظر إلى أساس بيته فإذا
هو قد أسس على اللؤلؤ ثم ينظر في أخضر واحمر واصفر ثم يرفع رأسه إلى سماء بيته
فلولا أنه خلق له لا التمع بصره فيقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله والله أعلم
الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب روينا في معجم
الطبراني أنبأنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصقر السكري قالا
أنبأنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن خالد بن حرام حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري حدثنا دلهم بن الأسود بن
عبد الله بن حاجب بن المنتفق
قال دلهم وحدثنيه أيضا أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر أخرج وافد إلى
الرسول قال قلت يا رسول الله فما الجنة والنار قال لعمر الهك أن للنار سبعة أبواب
ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن
بابان إلا يسير
الراكب
بينهما سبعين عاما وذكر الحديث بطولة وهذا الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب
والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاما ولا يمكن حمله على باب
معين لقوله ما منهن بابان والله أعلم
الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي قال الله تعالى
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وقد ثبت أن سدرة المنتهى
فوق السماء وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد
النية فيقبض منها وقال تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون قال ابن أبي نجيح عن
مجاهد هو الجنة وكذلك تلقاه الناس عنه وقد ذكر ابن المنذر في تفسيره وغيره أيضا عن
مجاهد قال هو الجنة والنار وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النار في اسفل السافلين ليست
في السماء ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه وقاله أبو صالح عن ابن
عباس الخير والشر كلاهما يأتي من السماء وعلى هذا فالمعنى أسباب الجنة والنار بقدر
ثابت في السماء من عند الله
وقال الحارث بن أبي أسامة حدثنا عبد العزيز بن أبان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا
محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف قال سمعت عبد الله بن سلام يقول أن
اكرم خليقة الله أبو القاسم وإن الجنة في السماء رواه ابو نعيم عنه قال ورواه معمر
بن راشد عن محمد بن ابي يعقوب مرفوعا ثم ساقه من طريق ابن منيع قال ثنا عمرو
والناقد ثنا عمرو بن عثمان ثنا موسى بن أعين عن معمر به مرفوعا ثم ساق من طريق
محمد بن فضيل ثنا محمد بن عبد الله عن عطية عن أبن عباس أنه قال الجنة فوق السماء
السابعة ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة وجهنم في الأرض السابعة وقال ابن منده
ثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا محمد بن عبد الله عن سلمة بن كهيل
عن ابي الزعراء عن عبد الله قال الجنة في السماء الرابعة فإذا كان يوم القيامة
جعلها الله حيث يشاء والنار في الأرض السابعة فأذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث
يشاء وقال مجاهد قلت لإبن عباس أين الجنة قال فوق سبع سموات قلت فأين النار قال
تحت سبعة أبحر مطبقة رواه ابن منده عن احمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن ابن
أبي يحيى عن مجاهد
وأما الأثر
الذي
رواه أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عيسى بن يونس عن نوير بن يزيد عن خالد بن معدان عن
عبد الله بن عمرو قال الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر كل عام مرة وأن أرواح
المؤمنين في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة فهذا قد يظهر منه
التناقض بين أول كلامه وآخره ولا تناقض فيه فإن الجنة المعلقة بقرون الشمس ما
يحدثه الله سبحانه وتعالى بالشمس في كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات
جعله الله تعالى مذكرا بتلك الجنة وآية دالة عليها كما جعل هذه النار مذكرة بتلك
وإلا فالجنة التي عرضها السموات والأرض ليست معلقة بقرون الشمس وهي فوق الشمس أكبر
منها وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين
السماء والأرض وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع والله أعلم
والحديث له لفظان هذا أحدهما والثاني إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما
بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله وشيخنا يرجع هذا اللفظ وهو لا
ينفي أن يكون درج الجنة اكبر من ذلك ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح إن لله تسعة
وتسعين أسما من أحصاها دخل الجنة أي من جملة أسمائه هذا القدر فيكون الكلام جملة
واحدة في الموضعين ويدل على صحة هذا أن منزلة نبينا فوق هذا كله في درجة في الجنة
ليس فوقها درجة وتلك المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد والجنة مقببة أعلاها وأوسعها
ووسطها هو الفردوس وسقفه العرش كما قال في الحديث الصحيح إذا سألتم الله فاسألوه
الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة قال
شيخنا أبو الحجاج المري والصواب رواية من رواه وفوقه بضم القاف على انه أسم لا ظرف
أي وسقفه عرش الرحمن فإن قيل فالجنة جميعها تحت العرش والعرش سقفها فإن الكرسي وسع
السموات والأرض والعرش أكبر منه قيل لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من
الجنات بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنات ولعظم سعة
الجنة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئا فشيئا درجة
فوق درجة كما يقال لقاريء القرآن اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها وهذا
يحتمل شيئين أن يكون منزلته عند آخر حفظه وأن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظة والله
أعلم
الباب
الرابع عشر في مفتاح الجنة قال الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن
عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال قال
رسول الله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله رواه الأمام أحمد في مسنده ولفظه
مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه
قيل له أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان
فإن ثبت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وروى أبو نعيم من حديث أبان عن انس
قال قال أعرابي يا رسول الله ما مفتاح الجنة قال لا إله إلا الله وذكر أبو الشيخ
من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة قال إن السيوف مفاتيح الجنة وفي المسند
من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ألا أدلك على باب من أبواب الجنة قلت بلى
قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل
مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح
البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح
النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة والذكر ومفتاح
الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة
في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر
فيه ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض
والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح
حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع
الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر
الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل
وهذا باب عظيم من انفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته
ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا
وبابا يدخل منه إليه كما جعل
الشرك
والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار
وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم وجعل الغنى مفتاح الزنا وجعل إطلاق النظر في الصور
مفتاح الطلب والعشق وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح
الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال
من غير حله وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا
يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من
الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح
له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما
يفعل وهم يسئلون
الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها عند
الموت وعند دخولها قال تعالى كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون
كتاب مرقوم يشهده المقربون فأخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه
مكتوبا كتابة حقيقية وخص تعالى كتاب الإبرار بإنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد
المقربين من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار
تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهارا له وإظهارا بين خواص خلقه كما يكتب
الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها بأسم المكتوب له
وإشادة بذكره وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده وروى الأمام
أحمد في مسنده وابن حبان وأبو عوانة الأسفرايني في صحيحهما من حديث المنهال عن
زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله إلى جنازة فجلس رسول الله على
القبر وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وهو يلحد له فقال أعوذ بالله من عذاب القبر
ثلاث مرات ثم قال إن المؤمن إذا كان في إقبال من الأخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت
إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد منهم حنوط وكفن فجلسوا منه مد بصره
ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من
الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم
يدعوها
في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز و جل فيقول الله عز و جل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فأنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرات كتاب الله فآمنت به وصدقت قال فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسخ له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الآخرة وإقبال على الدنيا نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان باقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فيقول الله عز و جل اكتبوا في سجين في الأرض السفلى وتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله
ومن
يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد
روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري
فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول ها هاه لا أدري فينادي من السماء أن
كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها
ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح
فيقول له ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي
يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة ورواه أبو داود بطوله
بنحوه فهذا التوقيع والمنشور الأول
فصل وأما المنشور الثاني
فقال الطبراني في معجمه حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال قال
رسول الله لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله
لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية واخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم
أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي أنبأنا زاهر الثقفي أن عبد السلام بن محمد بن
عبد الله أخبرهم أنبأنا المطهر بن عبد الواحد البراقي حدثنا محمد بن إسحاق بن منده
أنبأنا محمد بن علي البلخي حدثنا محمد بن حسام حدثنا العباس بن زياد ثقة ثنا سعدان
بن سعيد ثنا سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي أن النبي قال
يعطي المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز
الحكيم لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية قلت وقع المؤمن في قبضة أصحاب
اليمين يوم القبضتين ثم كتب من أهل الجنة يوم نفخ الروح فيه ثم يكتب في ديوان أهل
الجنة يوم موته ثم يعطي هذا المنشور يوم القيامة فالله المستعان
الباب السادس عشر في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد هذا
مما اتفقت عليه الرسل من اولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما
طرق الجحيم فأكثر من أن تحصى وأن تحصي ولهذا يوحد سبحانه سبيله ويجمع سبل النار كقوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر أي ومن السبيل جائر عن القصد وهي سبيل الغي وقال هذا صراط علي مستقيم وقال ابن مسعود خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الآية فأن قيل فقد قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام قيل هي سبل تجمع في سبيل واحد وهي بمنزلة الجواد والطرق في الطريق الأعظم فهذه هي شعب الأيمان يجمعها الإيمان وهو شعبة كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها وهذه السبل هي إجابة داعي داعي الله بتصديق خبره وطاعة أمره وطريق الجنة هي إجابة الداعي إليها ليس إلا وقد روى البخاري في صحيحه عن جابر قال جاءت ملائكة إلى النبي فقال بعضهم أنه نائم وقال بعضهم العين نائمة والقلب يقظان فقالوا أن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله مثل رجل بني دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها له يفقهها فقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس ورواه الترمذي عنه ولفظه خرج علينا رسول الله يوما فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه أضرب له مثلا فقال أسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك أتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها وصحح الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال صلى رسول الله العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة فاجلسني ثم خط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك ثم مضى رسول الله
حيث
أراد فبينا أنا جالس في خطي إذا أتاني رجال كلهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى
عورة ولا أرى بشرا وينتهون إلى لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله حتى إذا
كان آخر الليل لكن رسول الله قد جاءني وأنا جالس فقال لقد رآني منذ الليلة ثم دخل
على في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله إذا إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول
الله متوسد فخذي إذا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلى
مجلس طائفة منهم عند راس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا ما رأينا عبدا
قد أوتى مثل ما أوتى هذا النبي أن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثلا مثل
سيد بنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه
وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبة أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله عند
ذلك فقال سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم قلت الله ورسوله أعلم قال هم الملائكة
فتدري ما المثل الذي ضربوه قلت الله ورسوله اعلم قال الرحمن بني الجنة ودعا إليها
عباده فمن إجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عذبه
الباب السابع عشر في درجات الجنة قال تعالى
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدون درجة وكلا وعد الله
الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان
الله غفورا رحيما ذكر ابن جرير عن هشام ابن حسان عن جبلة بن عطية عن أبن محيريز
قال فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال هي سبعون درجة ما
بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاما وقال ابن المبارك أنبأنا سلمة بن
نبيط عن الضحاك في قوله تعالى لهم درجات عند ربهم قال بعضهم أفضل من بعض فيرى الذي
قد فضل به فضله ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس وتأمل قوله
كيف أوقع التفضيل أولا بدرجة ثم أوقعه ثانيا بدرجات
فقيل الأول بين القاعد المعذور والمجاهد والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد وقال تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون وقال تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وفي الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغاير من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الأفق وهو أبين والغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وأن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله والله أعلم وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة في الجنة كما ترون الكوكب في أفق السماء وقال الأمام أحمد حدثنا فرات أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله أن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ورجال هذا الإسناد احتج بهم البخاري في صحيحه وفي هذا الحديث الغارب وفي حديث أبي سعيد الخدري الغابر وقوله الطالع صفة للكوكب وصفة بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح بهذا المعنى في الحديث الذي رواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أبي هريرة عن النبي قال أن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله
وصدقوا
المرسلين وهذا على شرط البخاري أيضا
وفي المسند من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن المتحابين لترى غرفهم في
الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في
الله عز و جل في المسند من حديث أبي سعيد الخدري أيضا عن النبي قال أن في الجنة
مائة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم وفي المسند عنه أيضا عن النبي قال
يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ
آخر شيء معه وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما حديث أبي هريرة
الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله
للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه
الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة فأما
أن تكون هذه المائة من جملة الدرج وإما أن تكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل
درجة دونها ويدل على المعنى الأول حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن
جبل قال سمعت رسول الله يقول من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا
على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه قلت يا رسول الله ألا أخرج فأوذن
الناس قال لا ذر الناس يعملون وإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما
بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها ما يكون العرش وهي أوسط شيء في
الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة وإذا سألتم الله فسلوه الفردوس رواه الترمذي هكذا
بلفظه وروى أيضا من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال أن في الجنة
مائة درجة ثم ذكر نحو حديث معاذ وفيه أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول
الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام قال هذا حديث حسن غريب
وفيه أيضا من حديث أبي سعيد يرفعه أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين إ جتمعوا
في إحداهن لوسعتهم ورواه أحمد بدون لفظة في كما تقدم وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة
في وبدونها وإن كان
المحفوظ
ثبوتها فهي من جملة درجتها وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة
للدرج الصغار والله أعلم ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديره
بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء والنبي ذكر هذا تقريبا للافهام ويدل
عليه حديث زيد بن حبان حدثنا عبد الرحمن بن شريح حدثني أبو هانيء التجيبي سمعت أبا
علي التجيبي سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله يقول مائة درجة في الجنة ما
بين الدرجتين ما بين السماء والأرض أو بعد ما بين السماء والأرض قلت يا رسول الله
لمن قال للمجاهدين في سبيل الله
الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة روى مسلم في
صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما
يقول ثم صلوا علي فأنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي
الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا
هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي وقال أحمد أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان
عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا صليتم فسلوا الله لي الوسيلة قيل
يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن
أكون أنا هو
هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها
ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول
الله من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد
الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له
الشفاعة يوم القيامة هكذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما
تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا ألطف من
جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند من حديث عمارة بن غزية عن موسى بن وردان عن
أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
الوسيلة درجة عند الله عز و جل ليس فوقها درجة فسلوا الله لي الوسيلة وذكره أبن أبي الدنيا وقال فيه درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤتيها على رؤوس الخلائق وقال أبو نعيم أنبأنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم حدثنا عبد الله بن عمران العابد حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله والله أنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذا الأية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا وسميت درجة النبي الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وهي أقرب الدرجات إلى الله وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب وهي فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه قال لبيد بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ومعني الوسيلة من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا وقال صالح بن عبد الكريم قال لنا فضيل بن عياض أتدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال الحكم آبن أبان عن عكرمة عن آبن عباس نور سقف مساكنكم نور عرشه وقال بكر عن أشعث عن الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنها تفجر أنهار الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور والقربى والزلفى واحد وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل وقال الكلبي آطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كل الكشف بقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب فقوله أيهم اقرب هو تفسير للوسيلة التي يبتغيها هؤلاء الذين يدعوهم المشركون من دون الله فيتنافسون في القرب منه ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية واعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى
الله
وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى
من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له
بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه وقوله حلت عليه
يروى عليه وله فمن رواه باللام فمعناه حصلت له ومن رواه بعلى فمعناه وقعت عليه
شفاعتي والله أعلم
الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي
طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم
قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في
سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التواراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى
بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فجعل سبحانه
ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن
وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد
أحدها إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد باداة أن
الثاني الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر
الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع
الرابع أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه
الخامس أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على
نفسه
السادس أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه
السابع أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي
التوراة والإنجيل والقرآن الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد
أوفى بعهده منه سبحانه
التاسع أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة
من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه
العاشر أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم
والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي
عاوضتم و ثامنتم به ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم
وهم التائبون
مما
يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة
بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق
فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب
عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق
أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة
صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه ذكره
وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما
يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل
ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة
قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب وجعل الإسلام والإيمان
قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه الإسلام علانية والإيمان في
القلب وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما يكره وجعل الثيوبة
والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم يرتع فيها
بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين
وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن إحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل
ذلك قرينا لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت
الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفى عليك قدرها
فآنظر إلى المشتري لها من هو ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى
على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله سبحانه المشتري لها والثمن لها جنات
النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه وخيرهم من البشر
وأكرمهم عليه
قد هيؤك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن أدلج بلغ
المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن
سلعة الله الجنة قال هذا حديث حسن غريب وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله فقال ما ثمن الجنة قال لا إله إلا الله وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا وفي صحيح مسلم عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل الجنة فقال النبي نعم وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن سرق قال وإن زنى وأن سرق وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وفي لفظ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وفي صحيح مسلم أن رسول الله أعطى أبا هريرة نعليه فقال أذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وقال روح آبن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال ثمن الجنة لا إله إلا الله وروى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله يقول لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا
إلا
بتوحيد الله تعالى وإسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح فصل
وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل
العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله
بما كنتم تعملون ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة
بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون
النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال
ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن شاء الله تعالى أن أهل الجنة إذا
دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي والثاني أن الباء التي نفت الدخول هي
باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول
هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيرة وأن لم يكن مستقلا بحصوله وقد
جمع النبي بين الأمرين بقوله سدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو
بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته ومن عرف
الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف
ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان
الباب العشرون في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم
إلى ربهم عز و جل قال الله تعالى حكاية عن أولي الألباب من عباده قولهم ربنا إننا
سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن أمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا
سيئاتنا وتوفنا مع الإبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة
إنك لا تخلف الميعاد والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة وقالت
طائفة
معناه وآتنا ما وعدتنا على الإيمان برسلك وليس بسهل حذف الأسم والحرف معا إلا أن يقدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك وحينئذ فيتكافأ التقديران ويترجح الأول بأنه قد تقدم قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن آمنوا بربكم فآمنا وهذا صريح في الأيمان بالرسول والمرسل ثم توسلوا إليه بأيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على السنة الرسل فإنهم أنما سمعوا بوعدهم لهم بذلك من الرسل وذلك أيضا يتضمن التصديق بهم وانهم بلغوهم وعده فصدقوا به وسألوه أن يؤتيهم إياه وهذا هو الذي ذكره السلف والخلف في الاية وقيل المعنى آتنا ما وعدتنا من النصر والظفر على ألسنة الرسل والأول أعم وأكمل وتأمل كيف تضمن إيمانهم به والإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وصدق وعده والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم فبذلك صح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه وقد أشكل على بعض الناس سؤالهم أن ينجز لهم وعده مع أنه فاعل لذلك ولا بد وأجاب بأن هذا تعبد محض كقوله رب أحكم بالحق وقول الملائكة فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وخفي على هؤلاء أن الوعد معلق بشروط منها الرغبة إليه سبحانه وتعالى وسؤاله أن ينجزه لهم كما أنه معلق بالأيمان وموافاتهم به وان لا يلحقه ما يحبطه فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده فكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية وأما قوله رب أحكم فهذا سؤال له سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم فيحكم لهم عليهم بالنصر والغلبة وكذا سؤال الملائكة ربهم أن يغفر للتائبين هو من الأسباب التي توجب بها لهم المغفرة فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وأن أشكل عليك ذلك فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب ويسخط عن الأسباب التي خلقها وشاءها فالكل منه وبه مبتدأ من مشيئته وعائد إلى حكمته وحده وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد لا يلجه إلا العالمون بالله ونظير هذه الآية في سؤاله ما وعد به قوله تعالى قل أذلك خيرا أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء
ومصيرا
لهم فيها ما يشاؤن خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا يسأله إياه عباده المؤمنون
ويسأله إياه ملائكته لهم فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة
تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين
يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه
وجوده وكرمه وأعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها
ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله
يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله
إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه
وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسئل يغضب
وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح
العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه في الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه فلا
إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة
ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله
قال أبو نعيم الفضل حدثنا يونس هو إبن أبي إسحاق حدثنا يزيد بن أبي مرثد قال قال
أنس بن مالك قال رسول الله ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم
أدخله الجنة ومن استجار من النار بالله ثلاثا قالت النار اللهم إجره من النار رواه
الترمذي والنسائي وإبن ماجه عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يزيد
به وقال الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن
حبان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ما سأل الله عبد الجنة في يوم
سبع مرات الا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا يسالني فأدخلينه وقال ابو يعلى
الموصلى حدثنا ابو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة
رضى الله عنه قال قال رسول الله ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار
أن عبدك فلانا إستجار مني فأجره ولا يسأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب
أن عبدك فلانا سألني فأدخله
الجنة وإسناده على شرط الصحيحين وقال أبو داود في مسنده حدثنا شعبة حدثني يونس بن حبان سمع أبا علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال أسأل الله الجنة سبعا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة وقال الحسن بن سفيان حدثنا المقدمي حدثنا عمر بن علي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فأنهما شافعتان مشفعتان وأن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألينك فأسكنه إياي وتقول النار يا رب عبدك هذا الذي إستعاذ بك مني فاعذه وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري أن أبان حدثني عن أنس أن النبي قال يقول الله عز و جل انظروا في ديوان عبدي فمن رايتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار ذكرها أبو نعيم وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة صلاة معاذ وتطويله بهم أن النبي قال للفتي يغنى الذي شكاه كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي أني ومعاذا حولها ندندن وفي سنن أبي داود من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال قال رسول الله لا يسئل بوجه الله إلا الجنة رواه عن أحمد بن عمرو العصفري حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره وقد تقدم في أول الكتاب حديث الليث عن معاوية عن صالح عن عبد الملك أبن أبي بشير يرفع الحديث ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طابت تماري وأطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي الحديث فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليه جذبا والنار كذلك وقد أمرنا رسول الله أن لا نزال نذكرهما ولا ننساهما كما روى أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن أبي
شبيب
الصنعاني قال كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الله بن نمير سمعت عبد
الرحمن بن يزيد يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول لا تنسوا
العظيمتين قلنا وما العظيمتان يا رسول الله قال الجنة والنار وذكر أبو بكر الشافعي
من حديث كليب بن حرب قال سمعت رسول الله يقول اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار
جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة
بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة
الباب الحادي والعشرون في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة
أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف
باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء
كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار
الاسم الأول الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع
النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين واصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر
والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره
ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه والجان وهي الحية الصغيرة
الرقيقة ومنه قول الشاعر
فذقت وجلت وأبكرت ... وأكملت فلو جن إنسان من الحسن جنت
أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك ومنه سمى البستان جنة لأنه يستر داخله
بالأشجار ويغطيه ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع والجنة
بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره ومنه قوله تعالى أتخذوا أيمانهم جنة أي يستترون
بها من إنكار المؤمنين عليهم ومنه الجنة بالكسر كما قال تعالى من الجنة والناس
وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى وجعلوا
بينه وبين الجنة نسبا قالوا وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول
بوجهين
أحدهما إن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن
وبينه
الثاني قوله تعالى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون أي قد علمت الملائكة أن الذين
قالوا هذا القول محضرون للعذاب والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء وإن الجنة هم الجن
نفسهم كما قال تعالى من الجنة والناس وعلى هذا ففي الآية قولان أحدهما قول مجاهد
قال قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم ابو بكر فمن أمهاتهم قالوا سروات
الجن وقال الكلبي قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا
صاهر الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن والقول الثاني هو
قول الحسن قال أشركوا الشياطين في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه والصحيح قول
مجاهد وغيره وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم فإنهم لما
قالوا الملائكة بنات الله وهم من الجن عقدوا بينه وبين الجن نسبا بهذا الإيلاد
وجعلوا هذا النسب متوالد بينه وبين الجن وأما قوله ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون
فالضمير يرجع إلى الجنة أي قد علمت الجنة أنهم لمحضرون الحساب قاله مجاهد أي لو
كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا للحساب كما قال تعالى وقالت اليهود والنصارى نحن
أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم
للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة وهذا التقدير في الاية أبلغ في إبطال قولهم من
التقدير الأول فتأمله والمقصود ذكر أسماء الجنة فصل
الاسم الثاني دار السلام وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله لهم دار السلام عند
ربهم وقوله والله يدعوا إلى دار السلام وهي احق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من
كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم
اهلها وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم
والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام
قولا من رب رحيم وسيأتي حديث جابر في سلام الرب تبارك وتعالى عليهم في الجنة
وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى لا يسمعون
فيها لغوا إلا سلاما واما قوله تعالى واما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من
اصحاب اليمين فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى
بعدها عن المقصود وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك ايها الراحل عن الدنيا حال
كونك من أصحاب اليمين
أي
فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وإنكارها ومن النار
وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله كما يبشر الملك روحه
عند أخذها بقوله ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان وهذا أول البشرى التي للؤمن في
الآخرة فصل
الاسم الثالث دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى
عطاء غير مجذوذ وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ وقال أكلها دائم وظلها وقال وما
هم منها بمخرجين وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها أو فناء
حركات أهلها أن شاء الله تعالى فصل الاسم الرابع دار المقامة قال تعالى حكاية عن
أهلها وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار
المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب قال مقاتل أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها ابدا
لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا قال الفراء والزجاج المقامة مثل الإقامة يقال
أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما فصل
الاسم الخامس جنة المأوى قال تعالى عندها جنة المأوى والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا
انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به وقال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي
إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وقال
كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء وقالت عائشة رضي الله
عنها وزر بن حبيش هي جنة من الجنان والصحيح أنه اسم من أسماء الجنة كما قال تعالى
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقال في النار فإن
الجحيم هي المأوى وقال ومأواكم النار
فصل
الاسم السادس جنات عدن فقيل هي اسم لجنة من الجنان والصحيح أنه اسم لجنة الجنان
وكلها جنات عدن قال تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب وقال تعالى جنات
عدن يدخلونها يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير وقال تعالى
ومساكن طيبة في جنات عدن والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة
والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا
لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي إقامة ومنه سمى المعدن بكسر
الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركزه كل شيء معدنه والعادن الناقة
المقيمة في المرعى فصل
الاسم السابع دار الحيوان قال تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان والمراد الجنة
عند أهل التفسير قالوا وأن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا
موت فيها فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال وقال الزجاج هي دار الحياة الدائمة
وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة قال أبو عبيدة وأبن قتيبة الحياة الحيوان
قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد قال أبو علي يعني أنها مصادر
فالحياة فعلة كالجلبة والحيوان كالنزوان والغليان والحي كالعي قال العجاج كنا بها
إذا الحياة حي ... أي إذا الحياة حياة وأما أبو زيد فخالفهم وقال الحيوان ما فيه
روح والموتان والموات ما لا روح فيه والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر
كما حكاه أبو عبيدة والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل
الحي خلاف الميت ورجح القول الأول بأن الفعلان بابه المصادر كالنزوان والغليان
بخلاف الصفات فإن بابها فعلان كسكران وغضبان واجاب من رجح القول الثاني بإن فعلان
قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضميان للسريع الخفيف وزفيان قال في الصحاح ناقة
رفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الارسال للسهم فيحتمل قوله تعالى وإن الدار الآخرة
لهي الحيوان معنيين احدهما أن الحياة الآخرة هي الحياة لآنها لا تنغيص فيها ولا
نفاد لها
أي
لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا الثاني أن
يكون المعنى أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه
الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت فصل
الاسم الثامن الفردوس قال تعالى أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها
خالدون وقال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا
خالدين فيها والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق
بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو
البستان الذي فيه الاعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش
وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت
من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب
الفراديس بالشام وانشد لجرير
فقلت للركب إذ جد المسير بنا ... يا بعد من باب الفراديس
وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ
العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان وأن
ثواب الله كل مخلد ... جنان من الفردوس فيها يخلد فصل
الاسم التاسع جنات النعيم قال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات
النعيم وهذا ايضا آسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من
المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن
الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن فصل
الاسم العاشر المقام الأمين قال تعالى أن المتقين في مقام أمين والمقام الأمين
موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن
كلها
فهو
آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد
والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه
الأمن في قوله تعالى أن المتقين في مقام أمين وفي قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة
آمنين فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء
عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها
موتا فصل
الاسم الحادي عشر والثاني عشر مقعد الصدق وقدم الصدق قال تعالى إن المتقين في جنات
ونهر في مقعد صدق فسمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها كما
يقال مودة صادقة إذا كانت ثابتة تامة وحلاوة صادقة وحملة صادقة ومنه الكلام الصدق
لحصول مقصوده منه وموضع هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه الصدق في الحديث
والصدق في العمل والصديق الذي يصدق قوله بالعمل والصدق بالفتح الصلب من الرماح
ويقال للرجل الشجاع أنه لذو مصدق أي صادق الحملة وهذا مصداق هذا اي ما يصدقه ومنه
الصداقة لصفاء المودة والمخالة ومنه صدقني القتال وصدقني المودة ومنه قدم صدق
ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه بخلاف
الكذب الباطل الذي لا شيء تحته وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط وفسر قوم صدق بالجنة
وفسر بالأعمال التي تنال بها الجنة وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله وفسر
بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك والتحقيق أن الجميع حق فأنهم سبقت لهم من
الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسوله وأدخر لهم
جزاءها يوم القيامة ولسان الصدق وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل
الطرائق وفي كونه لسان صدق اشارة إلى مطابقته للواقع وأنه أثناء بحق لا بباطل
ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله
وهو دخوله وخروجه بالله ولله وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد فإنه لا يزال داخلا
في أمر وخارجا من أمر فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أدخل مدخل صدق
واخرج مخرج صدق والله المستعان
الباب
الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان
من فضة
الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا
كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن
سرقة أتت رسول الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم
بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء
قال يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى وفي الصحيحين من
حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله أنه قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما
فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى
ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه
جنتان فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان فهذه أربع وقد اختلف في قوله ومن دونهما هل
المراد به انهما فوقهما او تحتهما على قولين فقالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما
إلى العرش فيكونان فوقهما وقالت طائفة بل معنى من دونهما تحتهما قالوا وهذا
المنقول في لغة العرب إذا قالوا هذا دون هذا أي دونه في المنزلة كما قال بعضهم لمن
بالغ في مدحه أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وفي الصحاح دون نقيض فوق وهو تقصير
عن الغاية ثم قال ويقال هذا دون هذا أي أقرب منه والسياق يدل على تفضيل الجنتين
الأوليين من عشرة أوجه
أحدها قوله ذواتا أفنان وفيه قولان أحدهما أنه جمع فنن وهو الغصن والثاني أنه جمع
فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما
الثاني قوله فيهما عينان تجريان وفي الآخريين فيهما عينان نضاختان والنضاخة هي
الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تتضمن الفوران والجريان
الثالث أنه قال فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الآخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان ولا
ريب أن وصف الأوليين أكمل واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنهما صنفان
فقالت طائفة الزوجان الرطب واليابس الذي لا يقصر في فضله وجودته عن الرطب وهو
يتمتع به كما يتمتع باليابس وفيه نظر لا يخفى
وقالت
طائفة الزوجان صنف معروف وصنف من شكله غريب وقالت طائفة نوعان ولم تزد والظاهر
والله أعلم أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر وذلك لأن اختلاف أصناف الفاكهة أعجب
واشهى وألذ للعين والفم
الرابع أنه قال متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وهذا تنبية على فضل الظهائر
وخطرها وفي الأخريين قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وفسر الرفرف بالمح2ابس
والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش
الجنتين الأوليين
الخامس أنه قال وجنى الجنتين دان أي قريب وسهل يتناولونه كيف شاؤا ولم يذكر ذلك في
الآخريين
السادس أنه قال فيهن قاصرات الطرف أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم
لرضاهن بهم ومحبتهن لهم وذلك يتضمن قصر أطراف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن
ينظروا إلى غيرهن وقال في الآخريين حور مقصورات في الخيام ومن قصرت طرفها على
زوجها باختيارها أكمل ممن قصرت بغيرها
السابع أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون وأشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك
في التي بعدها الثامن أنه قال سبحانه وتعالى في الجنتين الأوليين هل جزاء الإحسان
إلا الإحسان وهذا يقتضي أن أصحابهما من أهل الاحسان المطكق الكامل فكان جزاؤهم
بإحسان كامل التاسع أنه بدأ بوصف الجنتين الأوليين وجعلهما جزءا لمن خاف مقامه
وهذا يدل على أنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه فرتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب
المسبب على سببه ولما كان الخائفون على نوعين مقربين وأصحاب يمين ذكر جنتي
المقربين ثم ذكر جنتي أصحاب اليمين
العاشر أنه قال ومن دونهما جنتان والسياق يدل على أنه نقيض فوق كما قال الجوهري
فإن قيل فكيف انقسمت هذه الجنان الأربع على من خاف مقام ربه قيل لما كان الخائفون
نوعين كما ذكرنا كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين الجنتان
اللتان دونهما فإن قيل فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما أم لكل واحد
جنتان وهما البستانان قيل هذا فيه قولان للمفسرين ورجح القول الثاني بوجهين أحدهما
من جهة النقل والثاني من جهة المعنى فأما الذي من جهة النقل فإن أصحاب هذا القول
رووا عن رسول الله قال هما بستانين في رياض الجنة وأما الذي
من
جهة المعنى فإن إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب المحارم فإن
قيل فكيف قال في ذكر النساء فيهن في الموضعين ولما ذكر غيرهن قال فيهما قيل لما
ذكر الفرش قال بعدها فيهن خيرات حسان ثم أعاده في الجنتين الأخريين بهذا اللفظ
ليتشاكل اللفظ والمعنى والله أعلم
الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها
بيده تفضيلا لها على سائر الجنان
وقد أتخذ الرب وتعالى من الجنان دارا اصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه وغرسها
بيده فهي سيدة الجنان والله سبحانه وتعالى يختار من كل نوع أعلاه وأفضله كما اختار
من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن السموات العليا ومن البلاد مكة ومن الأشهر
المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام يوم الجمعة ومن الليل وسطه ومن الأوقات
أوقات الصلاة إلى غير ذلك فهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار وقال الطبراني في
معجمه حدثنا مطلب بن شعيب الازدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال الطبراني
في معجمه وحدثنا أبوو الزنباع روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن
زياد بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال
قال رسول الله ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر الله في
الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر
في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن فيه ولا يكون معه فيها أحد إلا
الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم تره عين أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط
آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا
داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر قال تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان
مشهودا فيشهده الله تعالى وملائكته قال الحسن بن سفيان حدثنا أبو الطاهر أحمد بن
عمرو بن السرح قال حدثني خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم حدثنا يحيى بن
أيوب عن داود بن ابي هند عن أنس بن مالك أن رسول الله قال إن الله بني الفردوس
بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر ومتكبر وقد ذكر الدارمي والنجار وغيرها من
حديث
أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن متكلم فيه عن عون بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن أخيه عبد الله بن أبيه عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث قالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث قال الذي يقر السوء في أهله قلت المحفوظ أنه موقوف قال الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم وعدن وآدم عليه السلام ثم قال لسائر الخلق كن فكان وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون وقال أبو الشيخ حدثنا أبو يعلي حدثنا أبو الربيع حدثنا يعقوب القمي حدثنا حفص بن حميد عن شمر بن عطية قال خلق الله جنة الفردوس بيده فهو يفتحها كل يوم خمس مرات فيقول ازدادي طيبا لأوليائي ازدادي حسنا لأوليائي وذكر الحاكم عنه عن مجاهد قال إن الله تعال غرس جنات عدن بيده فلما تكلمت أغلقت فهي تفتح في كل سحر فينظر الله إليها فتقول قد افلح المؤمنون وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الله البصري حدثنا عدي أبن الفضل عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس عرشها بيده وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزلة الملوك وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن أبي المثني البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشير بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوته حمراء ولبنة من زبر جدة خضراء بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها
أنطقي
قالت قد افلح المؤمنون فقال الله عز و جل وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ثم كلا
رسول الله ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وتأمل هذه العناية كيف جعل هذه
الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما
خلقه وبيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره وبالله التوفيق فهذه الجنة في الجنات كآدم في
نوع الحيوان وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة عن سعيد عن النبي قال سأل
موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة
الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم
فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول له لك ذلك
ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك
الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على
قلب بشر ومصداقه من كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين
الباب الرابع والعشرون في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم
قال تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال
لهم خزنتها سلام عليكم والخزنة جمع خازن ومثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي
قد استحفظه وروى مسلم في صحيحه من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله
عنه قال قال رسول الله أتى باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت
فأقول محمد فيقول بلى أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق
عليه من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فلهلم
قال ابو بكر يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي إني لأرجو أن تكون منهم
وفي لفظ هل تدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم ارجو أن تكون منهم لما سمعت همته
الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان
وطمعت
نفسه أن يدعي من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى
في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال هل تكمل
لأحد هذه المراتب فيدعي يوم القيامة من أبوابها كلها فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر
هذه النفس قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا
وسمى خازن النار مالكا وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه
الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة وقد تقدم حديث أنس
ورواه الطبراني بزيادة فيه قال فيقوم الخازن فيقول لا افتح لأحد قبلك ولا أقوم
لأحد بعدك وذلك أن قيامه إليه خاصة اظهارا لمزيته ورتبته ولا يقوم في خدمة أحد
بعده بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمة عبده
ورسوله حتى مشي إليه وفتح له الباب وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عنه أنه قال
أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن أمرأة تبادرني فاقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا
امرأة قعدت على يتامى وفي الترمذي من حديث أبن عباس قال جلس ناس من اصحاب النبي
ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا
أن لله من خلقه خليلا أتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر ما ذلك بأعجب من كليمه موسى
كلمه تكليما وقال آخر فعيسى كلمه الله وروحه وقال أخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم
فسلم وقال سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وكذلك وموسى نجى الله
وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وأنا حبيب
الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد
يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح لي فادخلها ومعي فقراء
المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر وعن أنس بن مالك قال قال
رسول الله أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا
خطيبهم
إذا أنصتوا وقائدهم إذا وفدوا وشافعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا آيسوا لواء الحمد
بيدي ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر يطوف على
ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون رواه الترمذي والبيهقي واللفظ له وفي صحيح مسلم من
حديث المختار بن فلفل عن انس قال قال رسول الله أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة
وأنا أول من يقرع باب الجنة
الباب السادس والعشرون في ذكر أول الأمم دخولا الجنة وفي الصحيحين من
حديث همام بن منبه عن ابي هريرة قال قال رسول الله نحن السابقون الأولون يوم
القيامة بيد أنهم أوتو الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم أي لم يسبقونا إلا بهذا
القدر فمعنى بيد معني سوى وغيره وإلا ونحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي صالح عن
ابي هريرة قال قال رسول الله نحن الأخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل
الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما
اختلفوا فيه من الحق بإذنه وفي الصحيحين من حديث طاوس عن أبي هريرة عن النبي قال
نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب
من قبلنا وأوتيناه من بعدهم وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله قال أن
الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي قال
الدارقطني غريب عن الزهري ولا أعلم روى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري غير
هذا الحديث ولا رواه إلا عمرو بن ابي سلمة عن زهير فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من
الأرض وأسبقهم إلى اعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى الفصل
والقضاء بينهم واسبقهم إلى الجوار على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة فالجنة محرمة
على الأنبياء حتى يدخلها محمد ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته وأما أول الأمة
دخولا فقال أبو داود في سننه حدثنا
هناد
بن السرى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد
الدالاني عن أبي خالد مولى آل جعدة عن أبي هريرة قال قال رسول الله أتاني جبريل
فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي فقال أبو بكر يا رسول الله وددت
أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال رسول الله أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة
من أمتي وقوله وددت أني كنت معك حرصا منه على زيادة اليقين وإن يصير الخبر عيانا
كما قال إبراهيم الخليل يا رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي
أنبأنا داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن أبن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي
بن كعب قال قال رسول الله أول من يصالحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ
بيده فيدخله الجنة فهو حديث منكر جدا قال الإمام أحمد داود بن عطاء ليس بشيء وقال
البخاري منكر الحديث
الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم
في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتغوطون
فيها ولا يتمخطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الالوة ورشحهم المسك
ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا
تباغض عن قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وفي الصحيحين أيضا من
حديث أبي زرعة عن ابي هريرة قال قال رسول الله أول زمرة يدخلون الجنة على صورة
القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءة لا يبولون ولا
يتغوطون ولا ينتفلون ولا ينمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة
وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في
السماء وروى شعبة بن قيس عن حبيب عن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن
أبن
عباس قال قال رسول الله أول من يدعي إلى الجنة يوم القيامة الحامدون الذين يحمدون
الله في السراء والضراء وقال الأمام أحمد حدثنا إسماعيل عن إبراهيم حدثنا هشام
الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول
الله عرض علي أول ثلاثة من امتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول
ثلاثة يدخلون الجنة فالشبيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير
متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق
الله من ماله وفقير فخور وروى الأمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه واللفظ له
من حديث أبي عشلة المعافري انه سمع عبد الله أبن عمر يقول قال رسول الله هل تدرون
أول من يدخل الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين تنقى بهم
المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك
وخزنتك وسكان سمواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادي لا يشركون بي شيئا تتقي
بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك تدخل عليهم
الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ولما ذكر الله تعالى
أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم قسم سعيدهم إلى قسمين سابقين وأصحاب يمين فقال
والسابقون السابقون واختلف في تقريرها على ثلاثة أقوال
أحدها أنه من باب التوكيد اللفظي ويكون الخبر قوله أولئك المقربون
والثاني أن يكون السابقون الأول مبتدأ والثاني خبر له على حد قولك زيد زيد اي الذي
سمعت به هو زيد كما قال
أنا أبو النجم وشعري شعري وكقول الأخر
إذ الناس ناس والزمان زمان قال ابن عطية وهذا قول سيبويه
والثالث أن يكون الأول غير الثاني ويكون المعنى السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم
السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان
وهذا اظهر والله أعلم فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الأمام أحمد والترمذي
وصححه من حديث بريدة بن الحصيب قال أصبح رسول الله فدعا بلال فقال يا بلال بم
سبقتني إلى الجنة فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ودخلت البارحة فسمعت
خشخشتك
امامي فأتيت على قصر مريع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد
قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر أبن الخطاب فقال بلال يا رسول الله ما أذنت
قط إلا وصليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين
فقال رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول
الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله إلى
الجنة وأما تقدم بلال بين يدي رسول الله في الجنة فلأن بلالا كان يدعوا إلى الله
أولا بالأذان فيتقدم أذانه بين يدي النبي فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم
وقد روى في حديث أن النبي يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه ينادي بالأذان فتقدمه
بين يديه كرامة لرسوله وأطهارا لشرفه وفضله لا سبقا من بلال بل هذا السبق من جنس
سبقه إلى الوضوء ودخول المسجد ونحوه والله أعلم
الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة قال الأمام
أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن
رسول الله قال يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم يوم وهو خمسمائة عام وقال
الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه
وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن
جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال يدخل فقراء أمتي الجنة قبل
الأغنياء بأربعين خريفا وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول
الله يقول فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا وقال الأمام
أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن سليم بن بشير عن عكرمة عن أبن عباس قال قال
رسول الله التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل
الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال أي
أخي ماذ حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول
أي
أخي أني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده
ألف بعير كلها أكله حمض لصدرت عنه وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي وعلي
بن عبد الله الرازي قالا حدثنا على بن مهران العطار حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة
عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول
أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام وذكر
الحديث بطوله والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فأما أن يكون هو المحفوظ
وإما أن يكون كلاهما محفوظا وتختلف مدة السبق بحسب احوال الفقراء والأغنياء فمنهم
من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في
النار بحسب أحوالهم والله أعلم ولكن عنها ههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا
يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة
وأن سبقه غيره في الدخول والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم
السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد
قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى
درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه
الغني في أعماله وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فالمزية مزيتان مزية
سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان فيحصل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر
ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو
لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق
الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم
قال تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين
الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب
المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم
ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كيف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه وقال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم فأخبر تعالى أنه أعدها للمهاجرين والأنصار وأتباعهم بإحسان فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها وقال تعالى إنما المؤمنين الذين ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصفهم بإقامة حقه باطنا وظاهرا وبأداء حق عباده وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله يا أبن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وللبخاري معناه وفي الصحيحن من حديث ابي هريرة أن رسول الله أمر بلالا ينادي في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وفي بعض طرقه مؤمنة وفي الحديث قصة وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعى أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني من يومي هذا كل مال تحلته عبد حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم
وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما أخرجوك واغزهم نعنك وأنفق فسينفق عليك وأبعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال واهل الجنة ثلائة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زير له الذين هم فيكم تبعالا يبغون فيكم أهلا ولا مال والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش وأن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد وفي الصحيحين من حديث حارثة أبن وهب قال سمعت النبي يقول ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لابره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواخا متكبر وقال الأمام أحمد حدثنا علي بن إسحق قال أنبأنا عبد الله أنبأنا موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن اهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضب أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول لا أذوق غمضا حتى ترضى أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة وباقي الحديث على شرطه وروى الأمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وقال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخرم قالا أنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثتنا أبو هلال للراسي حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال قال رسول الله أن
أهل
الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء
الناس شرا وهو يسمع وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال مر بجنازة فأثنى عليها خير
فقال نبي الله وجبت وجبت ومر بجنازة فأثنى عليها فقال وجبت وجبت وجبت فقال عمر
فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال وجبت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة
فأثنى عليها شر فقلت وجبت وجبت وجبت فقال رسول الله من أثنيتم عليه خيرا وجبت له
الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار وأنتم شهداء الله في الأرض وفي الحديث
الآخر يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا كيف يا رسول الله قال بالثناء
الحسن وبالثناء السيء وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى
في قوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه
وكرمه
الباب الثلاثون في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد في الصحيحين من
حديث عبد الله بن مسعود قال قال أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال
أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال أني لأرجو أن تكونوا شطر أهل
الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو
كشعرة سوداء في ثور أبيض هذا لفظ مسلم وعند البخاري وكشعرة سوداء في ثور أبيض بغير
ألف وعن بريدة بن الحصيب قال قال أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون
صفا رواه الامام أحمد والترمذي وإسناده على شرط الصحيح رواه الطبراني في معجمه من
حديث عبد الله بن عباس وفي إسناده خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ورواه أيضا من
حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال كيف أنتم وربع
الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها قالوا الله ورسوله أعلم قال كيف أنتم وثلثها
قالوا ذاك أكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك أكثر فقال رسول الله
وسلم
أهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا قال الطبراني لم ير و هذا الحديث عن
القاسم بن عبد الرحمن إلا الحرث بن خضيرة تفرد به عبد الواحد بن زياد وقال عبد
الله بن أحمد حدثنا موسى بن غيلان بن هاشم بن مخلد حدثنا عبد الله بن المبارك عن
سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وثلة من
الأخرين قال رسول الله أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة
أنتم ثلثا أهل الجنة قال الطبراني تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري وقال خثيمة بن
سليمان القرشي حدثنا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حماد
بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي قال أهل الجنة
عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفا وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها واختلفت
مخارجها وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر لأنه رجا أولا أن يكونوا
شطر أهل الجنة فأعطاه الله سبحانه رجاءه وزاد عليه سدسا أخر وقد روى أحمد في مسنده
من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله يقول أرجو أن يكون من
يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال فأرجو أن تكونوا
الشطر وإسناده على شرط مسلم
الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم
في النار
ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين قال أما تفاخروا وأما تذاكروا
الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء فقال أبو هريرة ألم يقل أبو القاسم أن أول
زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في
السماء لكل امرئ منهم زوجتان أثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة عزب
فإن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم
يلزم أن يكن في الدنيا أكثر والظاهر أنهن من الحور العين لما رواه الامام أحمد
حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة عن النبي للرجال من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب فإن قيل فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر المتفق عليه شهدت مع رسول الله العيد صلى قبل أن يخطب بغير أذان ولا إقامة ثم خطب بعد ما صلى فوعظ الناس وذكرهم ثم أتى النساء فوعظهن ومعه بلال فذكرهن وأمرهن بالصدقة قال فجعلت المرأة تلقى خاتمها وخرصها والشيء كذلك فأمر النبي بلالا فجمع ما هناك قال أن منكن في الجنة ليسير فقالت امرأة يا رسول الله لم قال أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير وفي الحديث الآخر أن أقل ساكني الجنة النساء قيل هذا يدل على انهن إنما كن في الجنة أكثر بالحور العين التي خلقن في الجنة وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار فلما روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين قال بلغني أن رسول الله قال اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنةة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي صحيح مسلمم عن ابن عباس قال قال رسول الله في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء وروى الأمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي المسند أيضا من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء وفي الصحيح من حديث أبن عمر عن رسول الله قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فأني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن خدلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار فقال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل
بشهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الأيام لا تصلي وتفطر فهذا نقصان الدين وأما كونهن أقل أهل الجنة فهي إفراد مسلم عن مطرف بن عبد الله أنه كانت له امرأتان فجاء من عند إحداهما فقالت الأخرى جئت من عند فلانة فقال جئت من عند عمران بن حصين فحدثنا أن رسول الله قال أن أقل ساكني الجنة النساء فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي رواه أبو يعلي الموصلي حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة قال قال رسول الله وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديثا طويلا وفيه فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله تعالى وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا وذكر الحديث قيل هذا قطعة من حديث الصور الطويل ولا يعرف إلا من حديث إسماعيل بن رافع وقد ضعفه أحمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث وقال أبن عدي أحاديثه كلها مما فيه نظر وأما البخاري فقال فيه ما حكاه الترمذي عنه قال سمعت محمدا يقول فيه هو ثقة مقارب الحديث قلت ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف الأحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته وأيضا فالرجل الذي روى عنه القرظي لا يدري من هو وقد روى عنه أحمد في مسنده من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة حتى إذا كنا بمر الظهران فإذا امرأة في هودجها قال فمال فدخل الشعب فدخلنا معه فقال كنا مع رسول الله في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين فقال رسول الله لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان والأعصم من الغربان الذي في جناحه ريشة بيضاء قال الجوهري ويقال هذا كقولهم إلا باق العقوق وبيض الأنوق لكل شيء يعز وجوده وفي النهاية الغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين وقيل الأبيض الرجل أراد قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز وفي حديث آخر المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم قيل وما الغراب الأعصم يا رسول الله قال
الذي
إحدى رجليه بيضاء وفي حديث آخر عائشة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان
الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر
أوصافهم
ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول
الله يقول يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم أضاءة القمر ليلة
البدر فقام عكاشة بن محصين الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله أدع الله آن
يجعلني منهم فقال يا رسول الله اللهم أجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول
الله أدع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وفي الصحيحين من حديث سهل بن
سعد أن رسول الله قال ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب أو سبعمائة ألف
آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر
فهذه هي الزمرة الأولى وهم يدخلونها بغير حساب والدليل عليه ما ثبت في الصحيحين
والسياق لمسلم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشام أنبأنا خصيف بن عبد الرحمن قال كنت
عند سعيد بن جبير فقال أيكم الذي رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما
أني لم أكن في صلاة ولكنني لدغت قال فما صنعت قلت استرقيت قال فما حملك على ذلك
قلت حديث حدثناه الشعبي قال وما حدثكم الشعبي قلت حدثنا عن بريدة أبن الحصيب
الاسلمي أنه قال لا رقيه إلا من عين أو حمة فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن
حدثنا أبن عباس عن النبي قال عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه
الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ورفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي
هذا موسى وقومه ولكن أنظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم
سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في
أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم لعلهم الذين صحبوا رسول
الله وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا
أشياء فخرج
عليهم رسول الله فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال أدع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وليس عند البخاري لا يرقون قال شيخنا وهو الصواب وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون والطيرة نوع من الشرك ويتوكلون على الله وحده لا على غيره وتركهم الاسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الله كما في الحديث الطيرة الشرك قال أبن مسعود وما منا إلا من تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل فالتوكل ينافى التطير وأما رقية العين فهي إحسان من الراقي قد رقى رسول الله جبريل وأذن في الرقي وقال لا بأس بها ما لم يكن فيها شرك واستأذنوه فيها فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه وهذا يدل على أنها نفع وإحسان وذلك مستحب مطلوب لله ورسوله فالراقي محسن والمسترقي سائل راج نفع الغير والتوكل ينافي ذلك فإن قيل فعائشة قد رقيت رسول الله وجبريل قد رقاه قيل أجل ولكن هو لم يسترق وهو صلى الله عليه و سلم لم يقل ولا يرقيهم راق وإنما قال لا يطلبون من أحد أن يرقيهم وفي إمتناعه أن يدعو للرجل الثاني سد لباب الطلب فإنه لو دعا لكل من سأله ذلك فربما طلبه من ليس من أهله والله أعلم وفي صحيح مسلم من حديث محمد بن سيرين عن عمران أبن حصين قال قال رسول الله يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب قيل ومن هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وفي صحيحه أيضا من حديث أبن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال سمعت النبي يذكر حديثا طويلا وفيه فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء ثم كذلك وذكر تمام الحديث وقال أحمد بن منيع في مسنده حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حماد
عن
عاصم عن زر عن ابن مسعود قال قال رسول الله عرضت على الأمم بالموسم فتراأيت على
أمتي ثم رايتهم فأعجبني كثرتهم وهيئتهم قد ملؤا السهل والجبل فقال أرضيت يا محمد
فقلت نعم فقال أن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا
يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله أدع
الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله أنت منهم فقام رجل آخر فقال سبقك بها عكاشة
وإسناده على شرط مسلم
الباب الثالث والثلاثون في ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم
الجنة
قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال سمعت أبا
إمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله يقول وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين
ألفا بغير حساب مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات
ربي قلت وإسماعيل بن عياش إنما يخاف من تدليسه وضعفه فأما تدليسه فقد قال الطبراني
حدثنا أحمد بن المعلي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا حدثنا هشام بن عمار
قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال أخبرني محمد بن زياد الالهاني قال سمعت ابا إمامة
فذكره وإما ضعفه فإنما هو في غير حديث الشاميين وهذا من روايته عن الشاميين وأيضا
فقد جاء من غير طريقه قال أبو بكر ابن أبي عاصم حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن ابي اليمان الهوزني عن أبي أمامة عن رسول
الله قال أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب قال يزيد بن
الأخنس والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا مثل الزباب الأصفر في الذباب قال
رسول الله فإن الله وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا وزاد في ثلاث حثيات قال
ابو عبد الله المقدسي أبو اليمان أسمه عامر بن عبد الله بن لحي ودحيم لقب واسمه
عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي إمامة من رجال الصحيح
إلا الهوازني وما علمت فيه جرحا قال الطبراني حدثنا أحمد بن خليد حدثنا
أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عامر بن يزيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله أن ربي عز و جل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا ثم يحثي ربي تبارك وتعالى بكفيه ثلاث حثيات فكبر عمر وقال أن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشائرتهم وارجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد لا أعلم لهذا الإسناد علة قال الطبراني وحدثنا أحمد بن خالد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عبد الله بن عامر بن قيس الكندي أن أبا سعيد الأنماري حدثه أن رسول الله أن ربي عز و جل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ويشفع لكل ألف سبعين ألفا ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه قال أبن قيس فقلت لأبي سعيد أنت سمعت هذا من رسول الله قال نعم بإذني ووعاه قلبي قال أبو سعيد فقال رسول الله وذلك إن شاء الله يستوعب مهاجري أمتي ويوفي الله عز و جل بقيته من أعرابنا قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد وتفرد به معاوية إبن سلام وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده وفيه قال أبو سعيد فحسب ذلك عند رسول الله فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعمائة ألف فقال رسول الله أن ذلك يستوعب أن شاء الله مهاجري أمتي قال الطبراني حدثنا محمد بن صالح بن الوليد الترسي ومحمد بن يحيى بن منده الأصبهاني قالا أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه أن النبي قال أن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال هكذا بيده فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال عمير حسبك يا عمير فقال مالنا ولك يا ابن الخطاب وما عليك أن يدخلنا الله الجنة فقال عمر أن الله عز و جل إن شاء أدخل الناس الجنة بحفنة أو بحثية واحدة فقال نبي الله صدق عمر قال
محمد
بن عبد الواحد لا أعرف لعمير حديثا غيره وفي الحلية من حديث سليمان أبن حرب حدثنا
أبو هلال عن قتادة عن أنس عن النبي قال وعدني ربي عز و جل أن يدخل من أمتي مئة
الجنة ألف فقال أبو بكر يا رسول الله زدنا قال وهكذا وأشار سليمان بن حرب بيده
كذلك قال يا رسول الله زدنا فقال عمر إن الله قادر أن يدخل الجنة بحفنة واحدة فقال
رسول الله صدق عمر رواه عنه أبو إبراهيم بن الهيثم البلدي وفيه ضعف تفرد به أبو
هلال الراسبي بصري واسمه محمد بن سليمان وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن
النضر بن أنس عن أنس قال قال رسول الله أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي
أربعمائة ألف قال أبو بكر زدنا يا رسول الله قال وهكذا وجمع بين يديه قال زدنا يا
رسول الله قال وهكذا فقال عمر حسبك يا أبا بكر فقال أبو بكر دعني وما عليك أن
يدخلنا الجنة كلنا فقال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكف واحد فقال النبي صدق
عمر تفرد به عبد الرزاق وقال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا محمد بن أبي بكر
حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي حدثنا حميد عن أنس عن النبي قال يدخل الجنة من
أمتي سبعون ألفا قالوا زدنا يا رسول الله فقال هكذا وحثى بيده قالوا يا نبي الله
أبعد الله من دخل النار بعد هذا قال محمد بن عبد الواحد لا أعلمه روى عن أنس بهذا
الطريق وسئل يحيى بن معين عن عبد القاهر فقال صالح واصحاب هذه الحثيات هم الذين
وقعوا في قبضته الأولى سبحانه يوم القبضتين فإن قيل فكيف كانوا أولا قبضة واحدة ثم
صاروا ثلاث حثيات مع العدد المذكور قيل الرب سبحانه وتعالى أخرج يوم القبضتين
صورهم واشباحهم وقد روى أنهم كانوا كالذر وأما يوم الحثيات فيكونون أتم ما كانوا
خلقه وأكمل أجساما فناسب أن تتعدد الحثيات بكلتا اليدين والله أعلم
الباب الرابع والثلاثون في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصائها وبنائها
قال الأمام أحمد حدثنا ابو النضر وأبو كامل قالا أنبأنا زهير حدثنا سعيد الطائي
حدثنا أبو مدلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول قلنا يا رسول الله
الله
إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا
النساء والأولاد قال لو تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي
لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون
كي يغفر الله لهم قال قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة ذهب
ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابهما الزعفران من يدخلها
ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفني شبابه ثلاثة لا ترد دعوتهم
الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب
السموات ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين وروى أبو بكر بن مردويه من
حديث الحسن عن ابن عمر قال سئل رسول الله عن الجنة فقال من يدخل الجنة يحيا ولا
يموت وينعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه قيل يا رسول الله كيف بناؤها قال
لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها
الزعفران هكذا جاء في هذه الأحاديث أن ترابها الزعفران وكذلك روى عن يزيد بن زريع
حدثنا سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله الجنة لبنة
من ذهب ولبنة من فضة وترابها الزعفران وطينها المسك وفي الصحيحين من حديث الزهري
عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله قال أدخلت الجنة فإذا فيها جناذب
اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وهو قطعة من حديث المعراج وقد روى مسلم في صحيحه من حديث
حماد بن سلمة عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله سأل ابن
صياد عن تربة
فقال در مكة بيضاء مسك خالص فقال رسول الله صدق ثم رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن
أبي أسامة عن الحريري عن أبي نضرة أن أبن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال در
مكة بيضاء مسك خالص
وقال سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل إلى رسول
الله فقال يا محمد قد غلب أصحابك اليوم قال وبأي شيء غلبوا قال سألهم اليهود كم
عدد خزنة النار
فقالوا لا ندري حتى نسأل نبينا فقال رسول الله أيغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون فقالوا حتى نسأل نبينا ولكن هم أعداء الله سألوا نبيهم أن يريهم الله جبرة على بأعداء الله فأني سائلهم عن تربة الجنة وأنها در مكة فلما أن جاؤه قالوا يا أبا القاسم كم عدد خزنة النار فقال رسول الله بيديه كلتيهما هكذا وهكذا وقبض واحدة أي تسعة عشر فقال لهم رسول الله ما تربة الجنة فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا خبزة يا أبا القاسم فقال النبي الخبزة من الدر مكة فهذه ثلاث صفات في تربتها ولا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن أبي عبيد عن أبيه عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال قال معتب بن سمى الجنة ترابها المسك والزعفران ويحتمل معنيين آخرين أحدهما أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين ترابا ويدل على هذا قوله في اللفظ الآخر ملاطها المسك والملاط الطين ويدل عليه أن في حديث العلاء بن زياد ترابها الزعفران وطينها المسك فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيبا فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا المعنى الثاني أن يكون زعفرانا بإعتبار اللون مسكا بإعتبار الرائحة وهذا من أحسن شيء يكون البهجة والإشراق لون الزعفران والرائحة رائحة المسك وكذلك تشبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن مجاهد بهذا أرض الجنة من فضة وترابها المسك فاللون في البياض لون الفضة والرائحة رائحة المسك وقد ذكر أبن أبي الدنيا من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن عمر بن عطاء بن زرارة عن سالم أبن المغيث عن أبي هريرة عن النبي قال أرض الجنة بيضاء عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل فيها أنهار مطردة فيجتمع فيها أهل الجنة أدناهم وآخرهم فيتعارفون فيبعث الله ريح الرحمة فتهيج عليهم ريح المسك فيرجع الرجل إلى زوجته وقد أزداد حسنا وطيبا فتقول لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة وأنا بك الآن أشد أعجابا وقال أبن أبي شيبة حدثنا معاوية أبن هشام حدثنا علي بن صالح عن عمر بن ربيعة عن الحسن عن أبن عمر قال قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة قال لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها
مسك
أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران وقال أبو الشيخ حدثنا الوليد بن
أبان حدثنا أسيد أبن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن الفضل حدثنا سعيد الحريري عن
أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول إن الله بنى جنات عدن بيده بناؤها لبنة من ذهب
ولبنة من فضة وجعل ملاطها المسك الاذفر وترابها الزعفران وحصباءها اللؤلؤ ثم قال
لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك وقال أبو
الشيخ حدثنا عمرو بن الحسين حدثنا أبو علانة حدثنا أبن جريح عن عطاء عن عبيد بن
عمير عن أبي كعب قال قال رسول الله قلت ليلة أسري بي يا جبريل أنهم سيسألوني عن
الجنة فأخبرهم أنها من درة بيضاء وأن أرضها عقيان والعقيان الذهب فإن كان أبن
علانة حفظه فهي أرض الجنتين الذهبيتين فيكون جبريل أخبره بأعلى الجنتين وأفضلهما
والله أعلم
الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها قال أحمد بن منصور
الرمادي أنبأنا كثير بن هشام حدثنا هشام بن زياد وأبو المقدام عن حبيب بن الشهيد
عن عطاء بن ابي رباح عن ابن عباس أن رسول الله قال خلق الله الجنة بيضاء وأحب الزي
إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم ثم امر برعاء الشاة فجمعت فقال
من كان منكم ذا غنم سود فليخلط بها بيضاء فجاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني
اتخذت غنما سودا فلا أراها تنمو قال عفري وقوله عفري أي بيض وذكر أبو نعيم من حديث
عباد بن عباد حدثنا هشام بن زياد عن يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن أبن عباس يرفعه
أن الله خلق الجنة بيضاء وأن أحب اللون إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به
موتاكم وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار
عن أبن عباس قال قال رسول الله عليكم بالبياض فإن الله خلق الجنة بيضاء فليلبسه
أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم وروينا من طريق البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا
سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن خاله الزميل بن السماك أنه
سمع
أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعد ما كف بصره فقال يا ابن عباس ما
أرض الجنة قال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قلت فما نورها قال ما رأيت الساعة
التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير وذكر
الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي حديث لقيط بن عامر الطويل الذي رواه عبد الله
بن احمد في مسند أبيه عن النبي وذكر في الحديث وقال وتحتبس الشمس والقمر فلا يرون
منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فيم تبصر قال مثل بصرك في ساعتك هذه وذلك مع
طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال وفي سنن أبن ماجه من حديث الوليد
بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المغافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه
سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها وهي
ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء
جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة
عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله ونحن المشمرون لها قال قولوا إن شاء الله قال
القوم أن شاء الله
الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها قال الله
تعالى لكن الذين أتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية فأخبر أنها غرف فوق غرف
وأنها مبنية بناء حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل وأنه ليس هناك بناء بل
تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها ينظر إليها عيانا
ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها قال
تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا والغرفة جنس كالجنة وتأمل كيف جزاءهم على هذه
الأقوال المتضمنة للخضوع والذل والاستكانة لله الغرفة والتحتية والسلام في مقابلة
صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم وقال تعالى
وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك
لهم جزاء الضعف بما عملوا وهو في الغرفات آمنون وقال تعالى يغفر لكم ذنوبكم
ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن وقال تعالى
عن امرأة فرعون أنها قالت رب إبن لي عندك بيتا في الجنة وروى الترمذي في جامعة من حديث عبد الرحمن بن إسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله أن في الجنة لغرف يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال الطبراني حدثنا عبدان أبن أحمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام قال حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري أن رسول الله قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام وقال أبن وهب حدثنا حيي عن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال أن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قال ابو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام واطعم الطعام وبات قائما والناس نيام قال محمد بن عبد الواحد وهو عندي إسناد حسن وذكر أبي مالك فيه يدل على صحته لأن أبا مالك قد رواه وإسناده أيضا حسن وقد تقدم حديث أبي سعيد المتفق على صحته أن أهل الجنة ليتراأون أهل الغرف كما تراأون الكوكب الغابر من الأفق وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي قال أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ واحد مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا وقد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وقوله في حديث أبي موسى يقول الله عز و جل لمن حمد واسترجع عند موت ولده ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه ببيت الحمد وفي الصحيحين من حديث عبد الله أبن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة أن جبريل قال للنبي هذه خديجة اقرئها السلام من ربها وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف وقد روى أبن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة
عن النبي قال أن في الجنة لقصرا من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن أعده الله عز و جل لخليله إبراهيم وفي الصحيحين من حديث حميد عن أنس أن النبي قال أدخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا لعمر بن الخطاب وهو فيهما من حديث جابر ولفظه فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب وقد تقدم وقال أبن أبي الدنيا حدثنا شجاع بن الأشرس قال سمعت عبد العزيز بن ابي سلمة الماجشون عن حميد بن أنس بن مالك عن النبي قال دخلت الجنة فإذا فيها قصر أبيض قال قلت لجبريل لمن هذا القصر قال لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا فقلت لاي قريش قال لعمر بن الخطاب وهذا أن كان محفوظا فبياضه نوره وإشراقه وضياؤه والله أعلم وقال الحسن قصر من ذهب لا يدخله ألا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل يرفع بها صوته وقال الأعمش عن مالك بن الحرث عن مغيث بن سمي قال أن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من لؤلؤ وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد وقال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها وأبوابها وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطاء بن أبي رباح عن أبن عباس قال قال رسول الله إن في الجنة لغرفا فإذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها قيل لمن هي يا رسول الله قال لمن اطاب الكلام وواصل الصيام وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى والناس نيام قال وما طيب الكلام قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها تأتي يوم القيامة ولها مقدمات ومعقبات قيل وما وصال الصيام قال من صام شهر رمضان ثم أدرك شهر رمضان فصامه قيل وما إطعام الطعام قال من قات عياله وأطعمهم قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك وتحيته قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة قال حفص بن عمر هذا مجهول لم يروه عنه غير على بن حرب فيما أعلم قلت هذا يلقب بالكفر بفتح الكاف وسكون الفاء وقد روى عنه محمد بن غالب تمتام وعلى ابن حرب وهما ثقتان ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه وهذا له شواهد
والله
أعلم وفي فوائد ابن السماك حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد
الرحمن بن عبد المؤمن قال سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد الله
قال قال النبي ألا أحدثكم بغرف الجنة قال قلنا بلى يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا
قال أن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها فيها من
النعم واللذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت قال قلنا يا رسول الله لمن هذه الغرف
قال لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال قلنا
يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال أمتي تطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك من لقي أخاه فسلم
عليه فقد أفشى السلام ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام
ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ومن صلى صلاة العشاء الأخيرة
في جماعة فقد صلى الليل والناس نيام واليهود والنصارى والمجوس وهذا إسناد وإن كان
لا يحتج به وحده فإذا انضم إليه ما تقدم استفاد قوة مع أنه قد روى بإسنادين آخرين
الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا
الجنة وأن لم يروها قبل ذلك
قال تعالى والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم
الجنة عرفها لهم قال مجاهد يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون كأنهم
ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلوا عليها احدا وقال ابن عباس في رواية أبي صالح هم أعرف
بمنازلهم من أهل الجنة إذا انصرفوا إلى منازلهم وقال محمد بن كعب يعرفونها كما
تعرفون بيوتكم في الدنيا إذا انصرفتم من يوم الجمعة هذا قول جمهور المفسرين وتلخيص
أقوالهم ما قاله أبو عبيدة عرفها لهم أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال وقال
مقاتل ابن حيان بلغنا أن الملك الموكل بحفظ بني آدم يمشي في الجنة ويتبعه ابن آدم
حتى يأتيه أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة فإذا دخل إلى منزله
وأزواجه انصرف الملك عنه وقال سلمة بن كهيل طرقها لم ومعنى هذا أنه طرقها لهم حتى
يهتدوا إليها وقال الحسن وصف الله الجنة في الدينا لهم فإذا دخلوها عرفوها بصفتها
وعلى هذا القول فالتعريف وقع
في
الدنيا ويكون المعنى يدخلهم الجنة التي عرفها لهم وعلى القول الأول يكون التعريف
وأقعا في الآخرة هذا كله إذا قيل أنه من التعريف وفيها قول آخر أنه من العرف وهو
الرائحة الطيبة وهذا اختيار الزجاج أي طلبها ومنه طعام معرف أي مطيب وقيل هو من
العرف وهو التتابع أي تابع لهم طيباتها وملاذها والمقول هو الأول وأنه سبحانه
أعلمها وبينها بما يعلم به كل أحد منزله وداره فلا يتعداه إلى غيره وفي صحيح
البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله قال
إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت
بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة والذي نفسي بيده أن
أحدهم بمنزلة في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا وفي مسند آخر من حديث أبي
هريرة قال قال رسول الله والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأحوالكم
ومساكنكم من أهل الجنة وبازواجهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة
الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون عند دخولها
قد تقدم قوله تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا وقال تعالى ويوم نحشر
المتقين إلى الرحمن وفدا قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي
حدثنا يحيى بن سليم الطائفي حدثنا إسماعيل بن عبد الله المكي حدثنا أبو عبد الله
أنه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحرث عن علي أنه سأل رسول الله عن هذه الآية يوم
نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال قلت يا رسول الله ما الوفد إلا ركب قال النبي
والذي نفسي بيده إنهم خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال
الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مثل مد البصر وينتهون إلى باب الجنة
فإذا حلقه من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها
عينان فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم وإذا توضؤا من الأخرى لم
تشعث أشعارهم أبدا فيضربون الحلقة بالصفيحة قالوا سمعت طنين الحلقة فيبلغ كل حوراء
أن زوجها قد اقبل فتستخفها
العجلة فتبعث قيمتها فيفتح له الباب فلولا أن الله عز و جل عرفه نفسه لخر له ساجدا مما يرى من النور والبهاء فيقول أنا قيمك الذي وكلت بأمرك فيتبعه فيقفو أثره فيأتي زوجته فتستخفها العجلة فتخرج من الخيمة فتعلقه وتقول أنت حبي وأنا حبك وأنا الراضية فلا أسخط أبدا وأنا الناعمة فلا أبأس أبدا والخالدة فلا أظعن أبدا فيدخل بيتا من أساسه إلى سقفه مائة ذراع مبنى على جندل اللؤلؤ والياقوت طرائق حمر وطرائق خضر وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها فيأتي الأريكة عليها سرير على السرير سبعون فراشا عليها سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الجلد يقضي جماعهن في مقدار ليلة تجري من تحتهم أنهار مطردة أنهار من ماء غير آسن صاف ليس فيه كدر وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل وأنهار من خمر لذة للشاربين لم تعصره الرجال بإقدامها وأنهار من لبن لم يتغير طعمه لم يخرج من بطون الماشية فإذا اشتهوا الطعام جائتهم طيور بيض فترفع أجنحتها فياكلون من جنوبها من اي الالوان شاؤا ثم تطير فتذهب فيها ثمار متدالية إذا اشتهوها انشعب الغص إليهم فيأكلون من أي الثمار شاؤوا أن شاء قائما وأن شاء متكئا وذلك قوله عز و جل وجنى الجنتين دان وبين أيديهم خدم كاللؤلؤ هذا حديث غريب وفي إسناد ضعيف وفي رفعة نظر والمعروف أنه موقوف على قال ابن إبي الدنيا حدثنا محمد بن عمر بن سليمان حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد في هذه الآية يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال امل والله لا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن لا يأتون بنوق لم تر الخلائق مثلها وعليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركون عليها حتى يضربوا باب الجنة وقال علي بن الجعد في الجعديات أنبأنا زهير بن معاوية عن إبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى أنتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة تخرج من تحت ساقها عينان تجريان إلى إحداهما كأنما أمروا بها فشربوا منها فأذهب ما في بطونهم من أذى وقذى وبأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلن تغيرا أبشارهم أو تغير بعدها أبدا ولن تشعت أشعارهم كأنما دهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة الجنة فقالوا سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قال ثم تقلهاها الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان
أهل الدنيا بالحميم يقدم من غيبته فيقولون أبشر بما أعد الله لك من الكرامة كذا قال ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول قد جاء فلان بإسمه الذي يدعى به في الدنيا فتقول أنت رأيته فيقول أنا رأيته وهو ذا بأثرى فيستخف أحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بإبها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنائه فأذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح الخضر وأصفر وأحمر ومن كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فاذا مثل البرق فلولا أن الله قدره له لا لم أن يذهب بصره ثم طاطأ رأسه فنظر إلى أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة فنظروا إلى تلك النعمة ثم أتكؤا وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة صور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلى حليهم وأرى أزواجه وخدمه ويأخذه سوار فرح لو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه فيقال له أرأيت سوار فرحتك هذه فإنها قائمة لك أبدا قال ابن المبارك وأخبرنا راشد بن سعد أنبأنا زهرة بن معبد القرشي عن أبي عبد الرحمن الجبلي قال أن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ قال ابن المبارك وأنبأنا يحيى بن ايوب حدثني عبيد الله بن زخر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي الرحمن المعافري قال إنه ليصف للرجل من اهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه وقال أبو نعيم أنبأنا أبو سلمة عن الضحاك قال إذا ادخل المؤمن الجنة دخل أمامه ملك فأخذ به في سككها فيقول له أنظر ما ترى قال أرى أكثر قصورا رأيتها من ذهب وفضة واكثر أنيس فيقول له الملك فإن هذا أجمع لك حتى إذا رفع إليهم استقبلوه من كل باب ومن كل مكان يقولون نحن لك ثم يقول أمش فيقول ماذا ترى فيقول أرى أكثر عساكر رأيتها من خيام وأكثر أنيس قيل فإن هذا أجمع لك فإذا رفع إليهم استقبلوه فقالوا نحن لك وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال ليدخلن الجنة من
أمتي
سبعون الفا أو سبعمائة ألف متما سكون آخذ بعضهم ببعض لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم
ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر
الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة اهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم
وعرضهم ومقدار أسنانهم قال الأمام أحمد حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله خلق الله عز و جل آدم على صورته طوله
ستون ذراعا فلما خلقه قال له أذهب فسلم على أولئك النفر وهو نفر من الملائكة جلوس
فاستمع ما يحبونك فأنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا
السلام عليكم ورحمة الله فزاده ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم
طوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعده حتى الآن متفق على صحته وقال الأمام أحمد
حدثنا يزيد بن هرون وعفان بن مسلم قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان
عن سعد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا
بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة
أذرع قيل تفرد به حماد عن علي بن زيد وفي جامع الترمذي من حديث شهر بن حوشب عن عبد
الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أن النبي قال يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين
أبناء ثلاث وثلاثين قال هذا حديث حسن غريب وقال أبو بكر بن أبي داودو حدثنا محمود
بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هرون بن رباب عن أنس بن
مالك قال قال رسول يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا
مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى
شبابهم وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشد بن سعد
عن عمرو ابن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال
قال رسول الله من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة
لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار فإن كان هذا محفوظا لم يناقض ما قبله فإن
العرب إذا قدرت بعدد له نيف فإن لهم طريقين تارة يذكرون النيف للتحرير وتارة
يحذفونه وهذا معروف في كلامهم وخطاب
غيرهم
من الأمم وقال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هشام حدثنا صفوان ابن صالح حدثنا
رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا الأوزاعي عن هارون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال
رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف
وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون وقال ابن وهب
حدثنا معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله قال أن أهل الجنة يدخلون الجنة على قدر أدم ستون ذراعا على ذلك قطعت
سررهم وقد تقدم أن أول زمرة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر وأن الذين يلونهم
على ضوء أشد كوكب في السماء إضاءة وأما الأخلاق فقد قال تعالى ونزعنا ما في صدورهم
من غل أخوانا على سرر متقابلين فأخبر عن تلاقي قلوبهم وتلاقي وجوههم وفي الصحيحين
أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء
والرواية على خلق بفتح الخاء وسكون اللام والأخلاق كما تكون جمعا للخلق بالضم فهي
جمع للخلق بالفتح والمراد تساويهم في الطول والعرض والسن وإن تفاوتوا في الحسن
والجمل ولهذا فسره بقوله على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء
وأما أخلاقهم وقلوبهم ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أول زمرة تلج الجنة الحديث
وقد تقدم وفيه اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة
وعشية وكذلك وصف الله سبحانه وتعالى نساءهم بإنهن أتراب أي في سن واحد ليس فيهن
العجائز والشواب وفي هذا الطول والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى فأنه أبلغ وأكمل
في استيفاء اللذات لأنه أكمل سن القوة عظم الآت اللذة وباجتماع الأمرين يكون كمال
اللذة وقوتها بحيث يصل في اليوم الواحد إلى مئة عذراء كما سيأتي أن شاء الله تعالى
ولا يخفى التناسب الذي بين هذا الطول والعرض فإنه لو زاد أحدهما على الآخر فات
الاعتدال وتناسب الخلقة يصير طولا مع دقة أو غلظا مع قصر وكلاهما غير مناسب والله
أعلم
الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم أعلاهم منزلة سيد
ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من
كلم الله ورفع بعضهم
درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات قال مجاهد وغيره منهم من كلم الله وموسى ورفع بعضهم درجات هو محمد وفي حديث الإسراء المتفق على صحته أنه لما جاوز موسى قال رب لم أظن أن ترفع على أحد ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا إلى الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شيبة عن النبي أن موسى سأل ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة فقال رجل يجئ بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أتوصي أن يكون ذلك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر وقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد أنبأنا شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت بن عمر يقول قال رسول الله أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرد مسيرة ألف عام وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر غير مرفوع قال ورواه عبد الملك بن أبحر عن ثوير عن ابن عمر مرقوفا ورواه عبد الله الأشجعي بن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ونحوه ولم يرفعه قلت ورواه الطبراني في معجمه من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا أن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفى سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول قال إسرائيل لا اعلم ثويرا إلا رفعه إلى النبي وقال
الأمام
أحمد حدثنا حسن هو ابن موسى حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا أبو الأشعث الضرير عن
شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال قال رسول الله أن أدنى أهل الجنة منزلة سبع درج وهو
على السادسة وفرقه السابعة وإن له ثلثمائة خادم ويفدي عليه ويراح كل يوم بثلثمائة
صحفة ولا أعلمه قال إلا من ذهب في كل صحفة لون ليس في الآخر وإنه ليلذ أوله كما
يلذ آخره وعن الأشربة بثلثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الآخرة وإنه ليلذ أوله
كما يلذ آخره وأنه ليقول يا رب لو أذنت لي لاطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم مما ينقص
مما عندي شيء وإن له من الحور لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن
الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض قلت سكين بن عبد العزيز ضعفه النسائي
وشهرين حوشب ضعفه مشهور والحديث منكر يخالف الأحاديث الصحيحة فإن طول ستين ذراعا
لا يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من الأرض والذي في الصحيحين في أول زمرة تلج
الجنة لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين فكيف يكون لأدناهم اثنتان وسبعون من
الحور العين وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا فكيف فيكون يكون لأدنى أهل الجنة جماعة
منهن وأيضا فان الجهتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين
قال الدولابي شهر بن حوشب لا يشبه حديثه الناس وقال ابن عون بن حوشب شهرا تركوه
وقال النسائي وابن عدي ليس بالقوي وقال أبو حاتم لا يحتج به وتركه شعبة ويحيى بن
سعيد وهذان من أعلم الناس بالحديث ورواته وعلله وأن كان غير هؤلاء قد وثقه وحسن
حديثه فلا ريب أنه إذا انفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل والله أعلم
الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها روى مسلم في
صحيحه من حديث ثوبان قال كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال
السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني فقلت ألا تقول يا
رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه بأسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله أن
اسمي محمدا الذي سماني به أهلي فقال اليهودي جئت أسألك فقال له رسول الله
أينفعك بشيء أن حدثتك فقال اسمع بأدنى فنكث رسول الله بعود معه فقال سل فقال اليهودي أين تكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله في الظلمة دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة يوم القيامة قال فقراء المهاجرين قال اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم قال من عين فيها تسمى سلسبيلا قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض ألا نبي أو رجل أو رجلان قال أينفعك إن حدثتك قال أسمعك بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة اذكرا بإذن الله تعالى وإن علامني المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله تعالى قال اليهودي لقد صدقت وأنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء جنة حتى أتاني الله عز و جل به وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله المدينة وهو في أرض يخترف فأتى النبي فقال أني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي فما أول اشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه قال أخبرني آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية قل من كان عدو ا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله يا رسول الله أن اليهود قوم بهت وانهم أن يعلموا بإسلامي قبل أن يسألهم ببهتوني فجاءت اليهود فقال أي رجل عبد الله فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أفرأيتم إن أسلم عبد الله فقالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه فقال هذا الذي كنت أخاف يا رسول
الله
وفي الصحيحين من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي تكون الأرض
يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر لأهل
الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم إلا أخبرك بنزل أهل
الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض بزة واحدة كما قال النبي فنظر النبي
إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بأدامهم قال بلى قال أدامهم بالآدام
والنون قال وما هذا قال ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا وقال عبد الله
بن المبارك حدثنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره أن أبا
العوام أخبره أنه سمع كعبا يقول أن الله عز و جل يقول لإهل الجنة أدخلوها أن لكل
ضيف جزورا واني أجزركم اليوم فيأتي بثور وحوت فيجرز لأهل الجنة
الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق قال
الطبراني حدثنا موسى بن حازم الأصبهاني حدثنا محمد بن بكير الحضرمي حدثنا مروان بن
معاوية الفزاري عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن
عمرو عن النبي قال من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد
من مسيرة مائة عام ورواه البخاري في الصحيح عن قيس بن حفص عن عبد الواحد بن زياد
عن الحسن ابن عمرو الفقيمي عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر بينهما جنادة
وقال ليوجد من مسيرة أربعين عاما وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي ابن
سليمان هو البصري عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال
ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يراح رائحة
الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا قال وفي الباب عن أبي بكرة وحديث أبي
هريرة حديث حسن صحيح قال محمد بن عبد الواحد وإسناده عندي على شرط الصحيح قلت وقد
رواه الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن محمد بن
سيرين عن أبي هريرة يرفعه من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وقال الطبراني حدثنا إسحق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله يقول ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وهذه الألفاظ لا تعارض بينهما بوجه وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس قال لم يشهد عمي مع رسول الله بدرا قال فشق عليه قال أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه قال فإني أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها قال فشهد مع رسول الله يوم أحد قال فستقبل سعد بن معاذ فقال له اين فقال واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل قال فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنابه ونزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وريح الجنة نوعان ريح يوجد في الدنيا تشمه الآرواح أحيانا لا تدركه العباد وريح يدرك بحاسة الشم للابدان كما يشم روائح الأزهار وغيرها وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله وهذا الذي وجده أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم وأن يكون من الأول والله أعلم وقال أبو نعيم حدثنا محمد بن معمر حدثنا محمد بن أحمد المؤذن حدثنا عبد الواحد بن غياث أنبأنا الربيع بن بدر حدثنا هرون بن رياب عن مجاهد عن أبي هريرة عن رسول الله قال أن رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن احمد بن محمد بن طريف حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر قال قال رسول الله ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم وقال ابو داود الطيالسي في مسنده حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال من أدعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن
ريحها
ليوجد من مسيرة خمسمائة عام وقد اشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار آثارا من
آثار الجنة وأنموذجا منها من الرائحة الطيبة واللذات المشتهاة والمناظر البهية
والفاكهة الحسنة والنعيم والسرور وقرة العين وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش عن
أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله يقول الله عز و جل للجنة طيبى لأهلك فتزداد
طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها
وغمومها وأحزانها تذكرة بنار الآخرة قال تعالى في هذه النار نحن جعلناها تذكرة
وأخبر النبي أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده جنته وما
يذكرهم بها والله المستعان
الباب الثالث والأربعون في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها روى
مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي قال ينادي مناد أن لكم
أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا
تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوأ أبدا وذلك قوله عز و جل ونودوا أن تلكم الجنة
أورثتموها بما كنتم تعملون قال عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحي بن آدم حدثنا حمزة
الزيات عن أبي إسحق عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي ونودوا أن تلكم
الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون قال نودوا أن صحوا فلا تسقموا أبدا واخلدوا
فلا تموتوا أبدا وانعموا فلا تبأسوا أبدا وفي صحيح مسلم من حديث حماد بن سلمة عن
ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب أن النبي قال إذا دخل أهل الجنة وأهل
النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أن لكم عند الله موعدا فيقولون ما هو ألم يثقل
موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون إلى
الله فوالله ما أعطاهم الله شيئا هو أحب اليهم من النظر إليه وقال عبد الله بن
المبارك أنبأنا أبو بكر الالهاني أخبرني أبو تميم الهجيمي قال سمعت أبا موسى
الاشعري يخطب على منبر البصرة يقول أن الله عز و جل يبعث يوم القيامة ملكا إلى اهل
الجنة فيقول يا اهل الجنة هل
أنجزكم
الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون نعم
قد أنجزنا ما وعدنا قالوا ذلك ثلاث مرات فينظرون فلا يفتقدون شيئا مما وعدوا
فيقولون نعم فيقول قد بقى شيء إن الله يقول للذين أحسنوا الحسنى زيادة قال ألا إن
الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله أن الله عز و جل يقول لأهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك
فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول
أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا
اسخط عليكم بعده أبدا ومن تراجم بخاري عليه باب كلام الرب مع أهل الجنة وسيأتي في
هذا أحاديث ذكرها في باب معقود لذلك أن شاء الله وفي الصحيحين من حديث نافع عن ابن
عمر أن رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول
يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه وهذا الأذان وإن
كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار ولهم فيها نداء آخر يوم
زيارتهم ربهم تبارك وتعالى يرسل إليهم ملكا فيؤذن فيهم بذلك فيتسارعون إلى الزيارة
كما يؤذن مؤذن الجمعة إليها وذلك في مقدار يوم الجمعة كما سيأتي مبينا في باب
زيارتهم الرب عز و جل والله أعلم
الباب الرابع والأربعون في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها قال تعالى
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب
وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وقال تعلى ذواتا أفنان وهو جمع فنن وهو الغصن
وقال فيهما فاكهة ونخل ورمان والمخضود الذي قد خضد شوكة أي نزع وقطع فلا شوك فيه
وهذا قول بن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير وجماعة واحتج
هؤلاء بحجتين أحدهما أن الخضد في اللغة القطع وكل رطب قضيته فقد خضدته وخضدت الشجر
إذا قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود ومنه الخضد
على مثال الثمر وهو كل ما قطع من عود رطب خضد بمعنى مخضود كقبض وسلب والخضاد شجر رخو لا شوك فيه الحجة الثانية قال ابن أبي داود حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ثور ابن يزيد حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله إن الله جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله يقولون أن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها قال رسول الله وما هي قال السدر فأن له شوكا مؤذيا قال أليس الله يقول في سدر مخضود خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة وقالت طائفة المخضود هو الموقر حملا وأنكر عليهم هذا القول وقالوا لا يعرف في اللغة الخضد بمعنى الحمل ولم يصب هؤلاء الذين أنكروا هذا القول بل هو قول صحيح وأربابه ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى لما خضد شوكة واذهبه وجعل مكان كل شوكة ثمرة أو قرت بالحمل والحديثان المذكوران أن يجمعان القولين وكذلك قول من قال المخضود الذي لا يعقر اليد ولا يرد اليد عنه شوك ولا أذى فيه فسره بلازم المعنى وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة وفردا من أفراده تارة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مختلفة ولا اختلاف بينها فصل وأما الطلح فأكثر المفسرين قالوا إنه شجرة الموز قال مجاهد أعجبهم
طلح
وج وحسنه فقيل لهم وطلح منضود وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابي هريرة وأبي
سعيد الخدري وقالت طائفة أخرى بل هو شجر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثير الشوك
عند العرب قال حاديهم
بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا
ولهذا الشجر نور ورائحة وظل ظليل وقد نضد بالحمل والثمر مكان الشوك وقال ابن قتيبة
هو الذي نضدا بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره فليس له ساق بارز وقال
مسروق ورق الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها وانهارها تجري من غير أخدود وقال الليث
الطلح شجر أم غيلان ليس له شوك أحجن من اعظم العضاة شوكا وأصله عودا واجوده صمغا
قال أبو إسحاق يجوز أن يعني به شجر أم غيلان لأن له نورا طيب الرائحة حدا فوعدوا
بما يحبون مثله إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على سائر ما
في الدنيا فإنه ليس في الجنة إلا الاسامي والظاهر أن من فسر الطلح المنضود بالموز
أنما أراد التمثيل به الحسن لحسن نضده وإلا فالطلح في اللغة هو الشجر العظام من
شجر البوادي والله أعلم وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
قال قال رسول الله إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
فاقرؤا أن شئتم وظل ممدود وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد عن
رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها قال ابو حازم
فحدثنا به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي قال إن
في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها وقال
الأمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة
يقول قال رسول الله أن في الجنة شجرة يسير فيها الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة
هي شجرة جنة الخلد وقال وكيع حدثنا إسماعيل بن ابي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن
الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام
اقرؤا أن شئتم وظل ممدود فبلغ ذلك وكعبا فقال صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى
والفرقان على لسان محمد لو أن رجلا ركب
جذعة أو جذعا ثم دار باصل تلك الشجرة مائة عام ما بلغها حتى يسقط هرما أن الله غرسها بيده ونفخ فيها وإن أصلها من وراء سور الجنة ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم عن سعيد الجوهري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا ربيعة بن صالح عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج إليها أهل الجنة وأهل الفرف وغيرهم يتحدثون في ظلها قال قيشتي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة لكل لهو كان في الدنيا وفي جامع الترمذي من حديث أبي حامد عن ابي هريرة قال قال رسول الله ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال هذا حديث حسن وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا أن شئتم وظل ممدود وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها إقرؤا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز رواه بهذا اللفظ والسياق الترمذي والنسائي وابن ماجه وصدره في الصحيحين وفي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وإن شئتم فاقرؤا وظل ممدود وماء مسكوب وقال ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن ابي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول الله ما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها وقد رواه عنه حرملة بزيادة وقال أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري إن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فقال طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال رجل يا رسول الله وما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها قلت وأول هذا الحديث في المسند ولفظه طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات وقال ابن المبارك
حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب احمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم وقال الأمام أحمد بن حدثنا علي بحر حدثنا هشام ابن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن ابي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول جاء أعرابي إلى النبي فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي فيها فاكهة قال نعم وفيها شجرة تدعي طوبى فذكر شيئا لا أدري ما هو فقال أي شجر أرضنا تشبهه قال ليست تشبه شيئا من شجر أرضك فقال النبي أتيت الشام قال لا قال تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها قال ما عظم أصلها قالوا لو ارتحلت جذعة من أبل أهلك ما أحاطت باصلها حتى تنكسر تر قوتها هرما قال فيها عنب قال نعم فما عظم العنقود قال مسيرة شهر للغراب لا يقع ولا يفتر قال فما عظم الحبة قال هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما قال نعم قال فسلخ أهابه فأعطا دامك وقال لها أتخذي لنا منه دلوا قال نعم قال الأعرابي فإن تلك الحبة لتشبعني أنا وأهل بيتي قال نعم وعامة عشيرتك قال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن بكير عن محمد وابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله وذكر سدرة المفتهي فقال يسير في ظل الفتن منها الراكب مائة سنة و قال يستظل في الفنن منها مائة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال ورواه الترمذي وقال شك يحيى وهو حديث حسن غريب وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أرض الجنة من ورق وترابها مسك وأصول أشجارها ذهب وورق وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق والثمر تحت ذلك فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه وذللت قطوفها تذليلا قال أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله قال نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس أن تبلغه قال
فقلت
للغلام انطلق بهذا النطع فاظله قال فانطلق فأظله فلما استيقظ إذا هو سلمان فأتيته
أسلم عليه فقال يا جرير تواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله يوم القيامة يا جرير
هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت لا أدري قال ظلم الناس بينهم ثم أخذ عويدا لا
أكاد أراه بين أصبعيه فقال يا جرير إذا طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده قلت يا عبد
الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر
الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعداد أنواعها وصفاتها وريحانها
قال تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم
فيها أزواج مطهرة وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل أي شبيهه ونظيره لا عينه وهل
المراد هذا الذي رزقنا في الدنيا نظيره من الفواكه والثمار أو هذا نظير الذي
رزقناه قبل في الجنة قيل فيه قولان ففي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي قالوا هذا الذي رزقنا من قبل
أنهم أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في
الدنيا قال مجاهد ما اشبهه به وقال ابن زيد هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا
به متشابها يعرفونه وقال آخرون هذا الذي رزقنا من قبل من ثمار الجنة من قبل هذا
لشدة مشابهة بعضه بعضا في اللون والطعم واحتج أصحاب هذا القول بحجج إحداها أن المشابهة
التي بين الثمار الجنة بعضها لبعض أعظم من المشابهه التي بينها وبين ثمار الدنيا
ولشدة المشابهة قالوا هذا هو الحجة الثانية ما حكاه بن جرير عنهم قال ومن علة
قائلي هذا القول ان ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله كما كان
حدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان سمعت ابن مرة يحدث عن أبي عبيدة وذكر
ثمر الجنة وقال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى الحجة الثالثة قوله وأتوا به
متشابها وهذا كالتعليل والسبب الموجب لقولهم هذا الذي رزقنا من قبل الحجة الرابعة
أن من المعلوم أنه ليس كل ما في الجنة من الثمار قد رزقوه في الدنيا وكثير من
أهلها لا يعرفون ثمار الدنيا ولا رأوها ورجحت
طائفة منهم ابن جرير وغيره القول الآخر واحتجت بوجوه قال ابن جرير والذي يحقق صحة قول القائلين أن معنى ذلك هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا أن الله جل ثناؤه قال كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا يقولون هذا الذي رزقنا من قبل ولم يخصص أن ذلك من قيلهم في بعض دون بعض فإذا كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قبلهم كلما رزقوا ثمرة فلا شك أن ذلك من قبلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة فإذا كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله كما هو من قبلهم في وسطه وما يتلوه فمعلوم أنه محال يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة هذا الذي من رزقنا من قبل هذا من ثمار الجنة وكيف يجوز أن يقولا لأول رزق من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيرها هذا هو الذي رزقنا من قبل أن يلبسهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم الأول رزق يرزقونه من ثمارها فيدفع صحة ما أوجب الله صحته من غير نصب دلالة على أن ذلك في حال من أحوالهم دون حال فقد تبين أن معنى الآية كلما رزقوا من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قلت أصحاب القول الأول يخصون هذا العام بما عدا الرزق الأول لدلالة العقل والسياق عليه وليس هذا ببدع من طريقة القرآن وأنت مضطر إلى تخصيصة ولا بد بأنواع من التخصيصات أحدها أن كثيرا من ثمار الجنة وهي التي لا نظير لها في الدنيا لا يقال فيها ذلك الثاني أن كثيرا من أهلها لم يرزقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنة الثالث أنه من المعلوم أنهم لا يستمرون على هذا القول أبد الآباد كلما أكلوا ثمرة واحدة قالوا هذا الذي رزقنا في الدنيا ويستمرون على هذا الكلام دائما إلى غير نهاية والقرآن العظيم لم يقصد إلى هذا المعنى ولا هو مما يعتني بهم من نعيمهم ولدتهم وإنما هو كلام مبين خارج على المعتاد المفهوم من الطيب ومعناه أنه يشبه بعضه بعضا ليس أوله خيرا من آخره ولا هو مما يعرض له ما يعرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها من نقصان حملها وصغر ثمرها وغير ذلك بل أوله مثل أخره وآخره مثل أوله هو خيار كله يشبه بعضه بعضا فهذا وجه قولهم ولا يلزم مخالفة ما نصه الله سبحانه وتعالى ولا نسبة أهل الجنة إلى الكذب بوجه والذي يلزمهم من التخصيص يلزمك نظيره وأكثر منه والله
أعلم وأما قوله عز و جل وأتوا به متشابها قال الحسن خيار كله لا رذل ألم تروا إلى ثمر الدنيا كيف تسترذلون بعضه وأن ذلك ليس فيه ذل وقال قتادة خيار لأرذل فيه فأن ثمار الدنيا ينقي منها ويرذل منها وكذلك قال أبن جريح وجماعة وعلى هذا فالمراد بالتشابه التوافق والتماثل وقالت طائفة أخرى منهم أبن مسعود وأبن عباس وناس من أصحاب رسول الله متشابها في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم قال مجاهد متشابها لونه مختلفا طعمه وكذا قال الربيع بن أنس وقال يحيى بن ابي كثير عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة فيأكلونها ثم يأتونهم بمثلها فيقولون هذا الذي جئتمونا به آنفا فيقول لهم الخدم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف فهو قوله عز و جل كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها وقالت طائفة وناس معنى الآية أن يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أفضل وأطيب قال ابن وهب قال عبد الرحمن أبن زيد يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها يعرفونه وليس هو مثله في الطعم واختار أبن جرير هذا القول قال ودليلنا على فساد قول من قال أن معنى الآية هذا الذي رزقنا من قبل أي في الجنة وتلك الدلالة على فساد ذلك القول هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله وأتوا به متشابها أن الله سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى الذي من أجله قال القوم هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها قلت هذا لا يدل على فساد قولهم لما تقدم وقال جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب قال تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين هذا يدل على أمنهم من إنقطاعها ومضرتها وقال تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة وقال تعالى وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة أي لا تكون في وقت دون وقت ولا تمنع ممن أرادها وقال فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية والقطوف جمع قطف وهو ما يقطف والقطف بالفتح الفعل أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم وقال تعالى ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا قال أبن عباس إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت له حتى يتناول ما يريده وقال غيره قريب إليهم مذللة كيف شاؤا
فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فيكون كقوله قطوفها دانية ومعنى تذليل القطف تسهيل تناوله وأهل المدينة يقولون ذلل النخل أي سو عروقها وأخرجها من السعف حتى يسهل تناولها وفي نصب دانية وجهان أحدهما أنه على الحال عطف على قوله متكئين والثاني أنه صفة الجنة وقال تعالى فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الجنتين الأخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان وخص النخل والرمان من بين الفاكهة بالذكر لفضلهما وشرفهما كما نص على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ إذ هما من افضل أنواع الفاكهة وأطيبها وأحلاها وقد قال تعالى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم وقال الطبراني حدثنا معاذ بن المثني حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عبادة بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن إسماعيل عن ثوبان بن ثوبان قال قال رسول الله أن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى وقال عبد الله بن الأمام أحمد حدثني عقبة بن مكرم العمي حدثنا ربعي بن إبراهيم بن عليه حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن ابي موسى قال قال رسول الله أهبط الله آدم من الجنة عليه السلام وعلمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أنها تغير وتلك لا تغير وقد تقدم أن سدرة المنتهى نبقها مثل القلال وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي قال عرضت على الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته وفي لفظ فتناولت منها قطفا فقصرت عنه يدي وقال أبو خيثمة حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله حدثنا أبن عقيل عن جابر قال بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله فتقدمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب يا رسول الله صنعت اليوم في صلاتك شيئا ما كنت تصنعه قال أنه عرضت على الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه وقال أبن المبارك أنبأنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ثمر الجنة أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيه عجم وقال سعيد بن منصور حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن
عازب
قال أن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على أي حال شاؤا
وقال البزار في مسنده حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن
دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال
حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله ألا مشمر للجنة فإن الجنة لا
حظر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة
وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام ابدا في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة
في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال قولوا أن شاء
الله قال القوم أن شاء الله قال البزار وهذا الحديث لا نعلم من رواه عن النبي إلا
اسامة ولا نعلم له طريقا عن أسامة إلا هذا الطريق ولا نعلم رواه عن الضحاك
المعافري إلا هذا الرجل محمد بن مهاجر وفي حديث لقيط بن صبرة الذي رواه عبد الله
بن أحمد في مسند أبيه وغيره قلت يا رسول الله على ما يطلع أهل الجنة قال على أنهار
من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه
وماء غير آسن وبفاكهة لعمر الهك مما يعلمون وخير من مثله معه وأما الريحان فهو كل
نبت طيب الرائحة قال الحسن وابو العالية هو ريحاننا هذا يؤتي بنص من ريحان الجنة
فنشمه
الباب السادس والأربعون في زرع الجنة قال تعالى
و فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وعن أبي هريرة أن النبي كان يحدث يوما وعنده
رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز و جل في الزرع فقال له
أولست فيما اشتهيت فقال بلى ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته
وإستولؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله عز و جل دونك يا ابن آدم فإنه
لايشبعك شيء فقال الأعرابي يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم
أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله رواه البخاري في كتاب التوحيد
في باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة وخرجه في غيره أيضا وهذا يدل على أن في
الجنة
زرعا وذلك البذر منه وهذا أحسن أن تكون الأرض معمورة بالشجر والزرع فإن قيل فكيف
استأذن هذا الرجل ربه في الزرع فأخبره أنه في غنية عنه قيل لعله استأذنه في زرع
يباشره ويزرعه بيده وقد كان في غنية عنه وقد كفى مؤنته ولا أعلم ذكر الزرع في
الجنة إلا في هذا الحديث والله أعلم وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال
بينما رجل في الجنة فقال في نفسه لو أن الله يأذن لي لزرعت فلا يعلم إلا والملائكة
على أبوابه فيقولون سلام عليكم يقول لك ربك تمنيت في نفسك شيئا فقد علمته وقد بعث
الله معنا البذر فيقول ابذروا فيخرج أمثال الجبال فيقول له الرب من فوق عرشه كل
أبن آدم فإن ابن آدم لا يشبع والله أعلم
الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها
الذي تجري عليه
وقد تكرر في القرآن في عدة مواضع قوله تعالى جنات تجري من تحتها الأنهار وفي موضع
تجري تحتها الأنهار وفي موضع تجري من تحتهم الأنهار وهذا يدل على امور
أحدها وجود الآنهار فيها حقيقية
الثاني أنهار جارية لا واقفة
الثالث أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا وقد ظن
بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بإمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤا كأن الذي حملهم
على ذلك أنه لما سمعوا أن انهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض
حملوا قوله تجري من تحتها الأنهار على أنها تجري بأمرهم إذ لا يكون فوق المكان
تحته وهؤلاء أوتوا من صعف الفهم فإن انهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت
القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها وقد اخبر
سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من
قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار
تجري من تحتهم فهذا على ما هو المعهود والمتعارفا وكذلك ما حكاه من قول فرعون وهذه
الأنهار تجري من تحتي وقال تعالى فيهما عينان نضاختان قال أبن أبي شيبة حدثنا يحيى
بن يمان عن أشعب عن جعفر عن سعيد قال نضاختان بالماء والفواكه وحدثنا أبن يمان عن
أبي إسحاق عن أبان عن أنس قال نضاختان بالمسك والعنبر ينضخان على دور أهل الجنة
كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا وحدثنا
عبد الله بن إدريس عن أبيه عن إبي إسحاق عن البراء قال اللتان تجريان أفضل من النضاختين وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول والانزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا تغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم وتذهب الغيرة وتورث الخزى والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأ نقص نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبة أحسن الأسماء والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات وتسهل قتل النفس وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياما له ولم يلزمه مؤنته وتهتك الأستار وتظهر الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والمأثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم ومدمنها كعابد وثن وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وفسخت من مودة ونسجت من عداوة وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها بابا من الخير وفتحت له بابا من الشر وكم أوقعت في بلية وعجلت من منيته وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محبة وجرت عليه من سفلة فهي جماع الأثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجبالبة النقم ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه أنه قال من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة لكفى وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة فإن قيل فقد وصف
سبحانه
الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله غير آسن قيل
الماء الجاري وان كان لا يآسن فإنه إذا اخذ منه شيء وطال مكثه أسن وماء الجنة لا
يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل
أشربة الناس فهذا لشربهم وطهورهم وهذا لقوتهم وغذائهم وهذا للذتهم وسرورهم وهذا
لشفاعتهم ومنفعتهم والله أعلم فصل
وأنهار الجنة تتفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها كما روى البخاري في
صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز و
جل للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله
فاسالوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار
الجنة وروى الترمذي نحوه من حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ولفظ حديث عبادة
الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها درجة ومنها
الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى وفي المعجم للطبراني
أني من حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها
ومنها تنفجر أنهار الجنة وفي صحيح البخاري من حديث شعبة عن قتادة قال أخبرني أنس
بن مالك أن رسول الله قال رفعت الى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال
هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت يا
جبريل ما هذا قال أما النهران الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات
وفي صحيحه أيضا من حديث همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله قال بينا أنا أسير في
الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ والمجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر
الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينة مسك أذفر وفي صحيح مسلم من حديث
المختار بن فلفل عن أنس بن مالك عن النبي قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز و
جل وقال محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول
الله دخلت الجنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت
يدي إلى ما يجري فيه من الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت لمن هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز و جل قال الترمذي حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج قال هذا حديث حسن صحيح وقال أبو نعيم الفضل حدثنا أبو جعفر هو الرازي حدثنا أبن أبي نجيح عن مجاهدا أنا أعطيناك الكوثر قال الخير الكثير وقال أنس بن مالك نهر في الجنة وقالت عائشة هو نهر في الجنة ليس يدخل أحد إصبعيه في أذنيه الأسمع خرير ذلك النهر وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي سمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه وفي جامع الترمذي من حديث الحريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي قال إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد قال هذا حديث حسن صحيح وقال الحاكم حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن سمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من سره أن يسقيه الله عز و جل من الخمر في الآخرة فليتركه في الدنيا ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا وأنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو تحت جبال المسك ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت بحلية أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا وذكر الأعمش عن عمرو بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك وهذا موقوف صحيح وذكر أبن مردويه في مسنده حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد حدثنا ابو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبه ثم تصدع بعد أنهارا وقال أبن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن عبيدة حدثنا يزيد بن هرون حدثنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال أظنكم تظنون أن انهار الجنة أخدود في الأرض لا والله أنها لسائحة على وجه الأرض أحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها
المسك الأذفر قال قلت ما الأذفر قال الذي لا خلط له ورواه أبن مردويه في تفسيره عن عن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله فذكره هكذا رواه مرفوعا وقال أبو خيثمة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية إنا أعطيناك الكوثر فقال رسول الله أعطيت الكوثر فإذا هو يجري ولم يشق شقاه وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ وذكر سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى وماء مسكوب قال أنهار تجري في غير أخدود قال ونخل طلعها هضيم قال من أصلها إلى فروعها أو كلمة نحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة وقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سعيد بن سابق حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حبان عن عكرمة عن أبن عباس عن النبي قال أنزل الله من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناح جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الأرض وأنا على ذهاب به لقادرون فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل جبريل فيرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فرفع ذلك كله إلى السماء فذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد حرم أهلها خيري الدنيا والآخرة ورواه أحمد بن عدي في ترجمة مسلمة هذا مع أحاديث غيره وقال عامة أحاديثه غير محفوظة وبالجملة فهو من الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ومتروك وقال أبو حاتم لا تشتغل به وقال عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن أبي أيوب
عن
عقيل بن خالد عن الزهري أن أبن عباس قال إن في الجنة نهرا يقال له البيدج عليه
قباب من ياقوت تحته جوار يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدج فيتصفحون تلك
الجوارى فإذا أعجب رجلا منهم جارية مس معصمها فتتبعه فصل
وأما العيون فقد قال تعالى أن المتقين في جنات وعيون وقال تعالى أن الابرار يشربون
من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا قال بعض السلف
معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم وقد اختلف في قوله يشرب بها فقال الكوفيون
الباء بمعنى من أي يشرب منها وقال آخرون بل الفعل مضمن ومعنى يشرب بها اي يروى بها
فلما ضمنه معناه عداه تعديته وهذا أصح وألطف وأبلغ وقال طائفة الباء للظرفية
والعين أسم للمكان كما تقول كنا بمكان كذا وكذا ونظير هذا التضمين قوله تعالى ومن
يرد فيه بالحاد بظلم ضمن معنى يهم فعدى تعديته وقال تعالى ويسقون فيها كأسا كان
مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها
المقربون صرفا أن شراب الأبرار يمزج منها لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فاخلص
شرابهم وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم ونظير هذا وقوله تعالى أن الأبرار لفي نعيم على
الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك
فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون فأخبر سبحانه عن مزاج
شرابهم بشيئين بالكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن في الكافور من البرد
وطيب الرائحة وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين
ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده ويعدل
كيفية كل منهما بكيفية الآخر وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل
في آخرها فإن شرابهم مزج أولا بالكافور وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعد
له والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى وأنهما نوعان لذيذان من الشراب
أحدهما مزج بكافور
والثاني مزج بزنجبيل
وأيضا
فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرده في مقابلة ما وصفهم به من حرارة
الخوف والإيثار والصبر والوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعفها وهو ما
أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها وهو ما أوجبه الله عليهم ولهذا قال
وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا فإن في الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما
اقتضى أن يكون في جزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة
وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال ظواهرهم وهذا حال بواطنهم كما جملوا في
الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام وبواطنهم بحقائق الإيمان ونظيره قوله في آخر السورة
عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة فهذه زينة الظاهر ثم قال وسقاهم
ربهم شرابا طهورا فهذه زينة الباطن المطهر لهم من كل أذى ونقص ونظيره قوله تعالى
لأبيهم آدم عليه السلام أن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا
تضحى فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع ولا ذل الظاهر بالعري وأن لا يناله حر
الباطن بالظمأ ولا حر الظاهر بالضحى ونظير هذا ما عدده على عباده من نعمة أنه أنزل
عليهم لباسا يواري سوآتهم ويزين ظواهرهم ولباسا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم وهو لباس
التقوى وأخبر أنه خير اللباسين وقريب من هذا إخباره أنه زين السماء الدنيا بزينة
الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحراسة وقريب منه
أمره من أراد الحج بالزاد الظاهر ثم أخبر أن خير الزاد الزاد الباطن وهو التقوى
وقريب منه قول امرأة العزيز عن يوسف فذلكن الذي لمتنني فيه فأرتهن حسنه وجماله ثم قالت
ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فأخبرتهن بجمال باطنه وزينته بالعفة وهذا كثير في
القرآن لمتأمله
الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه قال
تعالى أن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم
تعملون وقال تعالى فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه أني ظننت
أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا
بما أسلفتم في الأيام الخالية وقال تعالى وتلك الجنة
الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها وقال تعالى وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم وقال تعالى يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ورواه أيضا من رواية طلحة بن نافع عن جابر وفيه قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد وفي المسند وسنن النسائي بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث الأعمش عن ثمامة أبن عقبة عن يزيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة قال فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه ورواه الحاكم في صحيحيه ولفظه أتي النبي رجل من اليهود فقال يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويقول لأصحابه إن أقر لي بهذا خصمته فقال رسول الله بلى والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع فقال له اليهودي فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال رسول الله حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر وقال الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله أبن مسعود قال قال لي رسول الله أنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام في أول طعام يأكله أهل الجنة وشرابهم على أثره وحديث أبي سعيد الخدري تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا إبراهيم بن منقذ حدثنا إدريس
أبن
يحيى حدثني الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي عن حذيفة
قال قال رسول الله إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي فقال ابو بكر أنها لناعمة يا
رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا ابا بكر قال الحاكم وأنبأنا
الأصم حدثنا يحيى بن ابي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا سعيد عن قتادة في
قوله تعالى ولحم طير مما يشتهون قال ذكر لنا أن أبا بكر قال يا رسول الله إني لا
أرى طير الجنة ناعمة كما أن أهلها ناعمون قال من يأكلها أنعم منها وأنها أمثال
البخاتي وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبا بكر وبهذا الإسناد عن قتادة عن
أيوب رجل من أهل البصرة عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى يطاف عليهم بصحاف من
ذهب وأكواب قال يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذهب كل صحفة منها فيها لون ليس في
الأخرى وقال الدراوردي حدثني أبن أخي أبن شهاب عن أبيه عن عبد الله بن مسلم أنه
سمع أنس بن مالك يقول في الكوثر قال رسول الله هو نهر أعطانيه ربي أشد بياضا من
اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر فقال عمر بن الخطاب أنها يا
رسول الله لناعمة فقال رسول الله آكلها أنعم منها
تابعه إبراهيم بن سعيد عن ابن أخي ابن شهاب وقال فقال أبو بكر بدل عمر وقال عثمان
بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الله أبن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن
أبن عباس في قوله تعالى وكأس من معين يقول الخمر لا فيها غول ويقول ليس فيها صداع
وفي قوله تعالى ولا هم عنها ينزفون يقول لا تذهب عقولهم وقوله تعالى وكأسا دهاقا
يقول ممتلئة وقوله رحيق مختوم يقول الخمر ختم بالمسك وقال علقمة عن أبن مسعود
ختامه مسك قال خلطه وليس بخاتم ثم يختم قلت يريد والله أعلم أن أخره مسك يخالطه
فهو من الخاتمة ليس من الخاتم وقال زيد بن معاوية سألت علقمة عن قوله تعالى ختامه
مسك فقرأتها خاتمه مسك فقال لي ليست خاتمه ولكن اقرأه ختامه مسك قال علقمة ختامه
خلطه ألم تر أن المرأة من نسائكم تقول للطبيب أن خلطه من مسك لكذا وكذا وذكر سعيد
بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق الرحيق الخمر
المختوم يجدون
عاقبتها
طعم المسك وبهذا الإسناد عن مسروق عن عبد الله في قوله تعالى ومزاجه من تسنيم قال
تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفا وكذلك قال أبن عباس يشرب منها المقربون
صرفا وتمزج لمن دونهم وقال مجاهد ختامه مسك يقول طينة وهذا التفسير يحتاج إلى
تفسير ولفظ الآية أوضح منه وكأنه والله أعلم يريد ما يبقى في أسفل الأناء من الدري
وذكر الحاكم من حديث آدم حدثنا شيبان عن جابر عن أبن سابط عن أبي الدرداء في قوله
ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم لو أن رجلا من أهل
الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها
قال آدم وحدثنا أبو شيبة عن عطاء قال التسنيم أسم العين التي يمزج بها الخمر
وقال الأمام أحمد حدثنا هشيم أنبأنا حصين عن عكرمة عن أبن عباس في قوله وكأسا
دهاقا قال هي المتتابعة الممتلئة قال ربما سمعت العباس يقول اسقنا وادهق لنا وقد
تقدم الكلام على قوله تعالى أن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب
بها عباد الله يفجرونها تفجيرا وعلى قوله ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا
عينا فيها تسمى سلسبيلا فقالت فرقة سلسبيلا جملة مركبة من فعل وفاعل وسلسبيلا
منصوب على المفعول أي سل سبيلا إليها وليس هذا بشيء وإنما السلسبيل كلمة مفردة وهي
أسم للعين نفسها بإعتبار صفتها ولقد شفى قتادة ومجاهد في إشتقاق اللفظة فقال قتادة
سلسة فهم يصرفونها حيث شاؤا وهذا من الإشتقاق الأكبر وقال مجاهد سلسة السيل حديدة
الجرية وقال أبو العالية والمقابلان تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم وهذا من
سلاستها وحدة جريتها وقال آخرون معناها طيبة الطعم والمذاق وقال إبو إسحاق سلسبيل
صفة لما كان في غاية السلاسة فسميت العين بذلك وقال أبن الأنباري الصواب في سلسبيل
أنه صفة للماء وليس بإسم للعين واحتج على ذلك بحجتين
إحداهما أن سلسبيلا مصروف ولو كان إسما للعين لم يصرف للتأنيث والعلمية الثانية أن
أبن عباس قال معناه أنها تنسل في حلوقهم انسلالا قلت ولا حجة له في واحدة منهما
أما الصرف فلا اقتضاء رؤس الآي له كنظائره وأما قول أبن عباس فإنما يدل على أن
العين سميت بذلك بأعتبار صفة السلاسة والسهولة فقد تضمنت هذه النصوص أن لهم فيها
الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من
الماء واللبن والخمر وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر فأن قيل فأين يشوي اللحم وليس في الجنة نار فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه يشوي ب كن وأجاب آخرون بأنه يشوى خارج الجنة ثم يؤتي به إليهم والصواب أنه يشوي في الجنة بأسباب قدرها العزيز الحكيم لإنضاجه وإصلاحه كما قدر هناك أسبابا لإنضاج الثمر والطعام على أنه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح لا تفسد شيئا وقد صح عنه أنه قال مجامرهم الألوة والمجامر جمع جمرة وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه والإلوة العود المطري فأخبر أنهم يتجمرون به أي يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالا والظلال لا بد أن تفيء مما يقابلها فقال هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون وقال أن المتقين في ظلال وعيون وقال وندخلهم ظلا ظليلا فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباب تتم بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابا تصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه وكذلك جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه رشحا وجشاء وكذلك ما هناك من الفواكه والثمار يخلق لها من الحرارة ما ينضجها ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالها فرب الدنيا والآخرة واحد وهو الخالق للأسباب والحكم ما يخلقه في الدنيا والآخرة والأسباب مظهر أفعاله وحكمته ولكنها تختلف ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة وربما حمله ذلك على الأنكار والكفر وذلك محض لجهل والظلم وإلا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصرة عن أسباب أخر ومسببات ينشئها منها كما لا تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس هذا باهون عليه من ذلك ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيت ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة والماء والخشب والهواء المناسب لها أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء
ودواء
وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن قيء ذباب أعجب من إجرائها أنهارا في الجنة بأسباب
أخر ولعل إخراج جوهري الذهب والفضة من عروق الحجارة من الجبال وغيرها أعجب من
إنشائها هناك من أسباب أخر ولعل إخراج الحرير من لعاب دودة القز وبنائها على
أنفسها القباب البيض والحمر والصفر أحكم بناء أعجب من إخراجه من أكمام تنشق عنه
شجر هناك قد أودع فيها وأنشيء منها ولعل جريان بحار الماء بين السماء والأرض على
ظهور السحاب اعجب من جريانها في الجنة في غير أخدود وبالجملة فتأمل آيات الله التي
دعا عباده إلى التفكر فيها وجعلها آيات دالة على كمال قدرته وعلمه ومشيئته وحكمته
وملكه وعلى توحده بالربوبية والإلهية ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر
الآخرة والجنة والنار تجد هذه أدل شيء على تلك شاهدة لها وتجدهما من مشكاة واحدة
ورب واحد وخالق واحد ومالك واحد فبعدا لقوم لا يؤمنون
الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون
وأجناسها وصفاتها
قال تعالى يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب فالصحاف جمع صحفة قال الكلبي بقصاع من
ذهب وقال الليث الصحفة قصعة مسلنطحة عريضة الجمع صحاف قال الأعشى
والمكاكيك والصحاف من الفضة ... والضامرات تحت الرجال
وأما الأكواب فجمع كوب قال الفراء الكوب المستدير الرأس الذي لا أذن له وأنشد
العدي
متكئا تصفق أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب
وقال أبو عبيد الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها قال أبو إسحاق وإحدها كوب وهو
إناء مستدير لا عروة له وقال ابن عباس هي الأباريق التي ليست لها آذان وقال مقاتل
هي أوان مستديرة الرأس ليس لها عرى وقال البخاري في صحيحه الأكواب والأباريق التي
لها خراطيم وقال تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين الأباريق
هي الأكواب التي لها خراطيم فإن لم يكن لها خراطيم ولا عرى فهي أكواب وإبريق إفعيل
من البريق وهو الصفاء فهو الذي يبرق لونه من صفائه ثم سمى كل ما كان على
شكله
إبريقا وإن لم يكن صافيا وأباريق الجنة من الفضة في صفاء القوارير يرى من ظاهرها
ما في باطنها والعرب تسمي السيف إبريقا لبريق لونه ومنه قول ابن أحمر
تعلفت إبريقا وعلقت جفنه ... ليهلك حيا ذا زهاء وخامل
وفي نوادر اللحياني امرأة إبريق إذا كانت براقة وقال تعالى يطاف عليهم بآنية من
فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا فالقوارير هي الزجاج فأخبر
سبحانه وتعالى عن مادة تلك الآنية أنها من الفضة وأنها بصفاء الزجاج وشفافيته وهذا
من أحسن الأشياء وأعجبها وقطع سبحانه توهم كون تلك القوارير من زجاج فقال قوارير
من فضة قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي والشعبي قوارير الجنة من الفضة فاجتمع لها
بياض الفضة وصفاء القوارير قال ابن قتيبة كل ما في الجنة من الأنهار وسررها وفرشها
وأكوابها مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما قال ابن عباس ليس في الدنيا شيء
مما في الجنة إلا الأسماء والأكواب في الدنيا قد تكون من فضة وتكون من قوارير
فأعلمنا الله أن هناك أكوابا لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال وهذا على التشبيه
أراد قوارير كأنها من فضة وهذا كقوله تعالى كأنهن الياقوت والمرجان أي لهن ألوان
المرجان في صفاء الياقوت وهذا مردود عليه فإن الآية صريحة أنها من فضة ومن ههنا
لبيان الجنس كما تقول خاتم من فضة ولا يراد بذلك أنه يشبه الفضة بل جنسه ومادته
الفضة ولعله أشكل عليه كونها من فضة وهي قوارير وهو الزجاج وليس في ذلك إشكال لما
ذكرناه وقوله قدروها تقديرا التقدير جعل الشيء بقدر مخصوص فقدرت الصناع هذه الآنية
على قدرريهم لا يزيد عليه ولا ينقص منه وهذا أبلغ من لذة الشارب فلو نقص عن ربه لنقص
التذاذه ولو زاد حتى يشمئز منه حصل له ملالة وسامه من الباقي هذا قول جماعة من
المفسرين قال الفراء قدروا الكأس على قدرري أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه وهو
ألذ الشراب وقال الزجاج جعلوا الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه وقال أبو
عبيد يكون التقدير الذين يسقون يقدرونها ثم يسقون يعني أن الضمير في قدروا
للملائكة والخدم قدروا الكأس على قدر الري فلا يزيد عليه فيثقل الكف ولا ينقص منه
فطلبت النفس الزيادة
كما تقدم وقالت طائفة الضمير يعود على الشاربين أي قدروا في أنهم شيئا فجاءهم الأمر بحسب ما قدروه وأرادوه وقول الجمهور أحسن وأبلغ وهو مستلزم لهذا القول والله أعلم وأما الكأس فقال أبو عبيدة هو الإناء بما فيه وقال أبو إسحاق الكأس الإناء إذا كان فيه خمر ويقع الكأس لكل إناء مع شرابه والمفسرون فسروا الكأس بالخمر وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل حتى قال الضحاك كل كأس في القرآن فإنما عني به الخمر وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود فإن المقصود ما في الكأس لا الإناء نفسه وأيضا فأن من الأسماء ما يكون اسما للحال والمحل مجتمعين ومنفردين كالنهر والكأس فإن النهر اسم للماء ولمحلة معا ولكل منهما على انفراده وكذلك الكأس والقرية ولهذا يجيء لفظ القرية مرادا به الساكن فقط والمسكن فقط والأمران معا وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وفيهما أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا ثوبان حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت قال قال أنس كان رسول الله يعجبه الرؤيا فربما رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه فإذا أثنى عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه فأتته امرأة فقالت يا رسول الله رايت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة فسمعت وجبة انفتحت لها الجنة فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمعت أثني عشر رجلا كان رسول الله قد بعث سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل أذهبوا بهم إلى نهر
البيدخ
أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر فأتوا بصحفة من ذهب فيها
بسر فأكلوا من ذلك البسر ما شاؤا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما
أرادوا واكلت معهم فجاء البشير من تلك السرية فقال أصيب فلان بن فلان حتى عد اثني
عشر رجلا فدعا رسول الله المرأة فقال قصي رؤياك فقصتها وجعلت تقول جئ بفلان وفلان
كما قال رواه الأمام أحمد في مسنده بنحوه واسناده على شرط مسلم
الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم
ونمارقهم وزرابيهم
قال تعالى إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين
وقال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك
لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا
خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك قال جماعة من المفسرين السندس مارق
من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وقالت طائفة ليس المراد به الغليظ ولكن المراد بن
الصفيق وقال الزجاج هما نوعان من الحرير وأحسن الألوان والأخضر والين اللباس
الحرير فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به وبين نعومته والتذاذ الجسم
به وقال تعالى ولباسهم فيها حرير وههنا مسألة وهذا موضع ذكرها وهي أن الله سبحانه
وتعالى أخبر أن لباس أهل الجنة حرير وصح عن النبي أنه قال من لبس الحرير في الدنيا
لم يلبسه في الآخرة متفق على صحته من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وقد أختلف
في المراد بهذا الحديث فقالت طائفة من السلف والخلف أنه لا يلبس الحرير في الجنة
ويلبس غيره من الملابس قالوا وأما قوله تعالى ولباسهم فيها حرير فمن العام المخصوص
وقال الجمهور وهذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن
الفعل مقتض لهذا الحكم وقد يتخلف عنه لمانع وقد دل النص والإجماع على أن التوبة
مانعة من لحوق الوعيد ويمنع من لحوقه أيضا الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ودعاء
المسلمين وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة فيه وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه
فهذا الحديث نظير الحديث الآخر من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة وقال
تعالى وجزاهم بما
صبروا
جنة وحريرا وقال عاليهم ثياب سندس من خضر وإستبرق وتأمل ما دلت عليه لفظة عاليهم
من كون ذلك اللباس ظاهرا بارزا يجمل ظواهرهم ليس بمنزلة الشعار الباطن بل الذي
يلبس فوق الثياب للزينة والجمال وقد اختلف القراء السبعة في نصب عاليهم ورفعه على
قراءتين واختلف النحاة في وجه نصبه هل هو على الظرف أو على الحال على قولين واختلف
المفسرون هل ذلك للولدان الذين يطوفون عليهم فيطوفون وعليهم ثياب السندس والإستبرق
أو للسادات الذين يطوفون عليهم الولدان فيطوفون على ساداتهم وعلى السادات هذه
الثياب وليس الحال ههنا بالبين ولا تحته ذلك المعنى البديع الرائع فالصواب أنه
منصوب على الظرف فإن عاليا لما كان بمعنى فوق أجرى مجراه قال أبو علي وهذا الوجه
أبين وهو أن عاليا صفة فجعل ظرفا كما كان قوله الركب أسفل منكم كذلك وكما قالوا هو
ناحية من الدار واما من رفع عاليهم فعلى الابتداء وثياب سندس خبره ولا يمنع من هذا
إفراد عال وجمع الثياب لأن فاعلا قد يراد به لكثرة كما قال
ألا إن جيراني العشية رائح ... دعتهم دواع من هوى ومناوح
وقال تعالى مستكبرين به سامرا تهجرون ومن رفع خضرا أجراه صفة للثياب وهو الأقيس من
وجوه أحدها المطابقة بينهما في الجمع الثاني موافقته لقوله تعالى ويلبسون ثيابا
خضرا الثالث تخلصه من وصف المفرد بالجمع ومن جر أجراه صفة للسندس على إرادة الجنس
كما يقال أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض وتترجح القراءة الأولى بوجه رابع
أيضا وهو أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيحرونه مجرى الواحد كقوله
تعالى الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وكقوله كأنهم أعجاز نخل منقعر فإذا كانوا
قد أفردوا صفات هذا النوع من الجمع فافراد صفة الواحد وإن كان في معنى الجمع أولى
وفي إستبرق قراءتان الرفع عطفا على ثياب والجر عطفا على سندس وتأمل كيف جمع لهم
بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي كما جمع لهم بين الظاهرة والباطنة كما
تقدم قريبا فحمل البواطن بالشراب الطهور والسواعد بالأساور والأبدان بثياب الحرير
وقال تعالى إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار
يحلون فيها من أساور من
ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير واختلفوا في جر لؤلؤ ونصبه فمن نصبه ففيه وجهان أحدهما أنه عطف على موضع قوله من اساور والثاني أنه منصوب بفعل محذوف دل عليه الأول أي ويحلون لؤلؤا ومن جره فهو عطف على الذهب ثم يحتمل أمرين أحدهما أن يكون لهم أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ويحتمل أن تكون الأساور مركبة من الأمرين معا الذهب المرصع باللؤلؤ والله أعلم بما أراد قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن رزق حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني عتبة بن سعد قاضي الري عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال أن لله عز و جل ملكا منذ يوم خلق يصوغ حلي أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة لو أن قلبا من حلي أهل الجنة أخرج لذهب بضوء شعاع الشمس فلا تسألوا بعد هذا عن حلي أهل الجنة حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال الحلي في الجنة على الرجال أحسن منا على النساء حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي قال لو أن رجلا من أهل الجنة أطلع فبدأ سواره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقال ابن وهب حدثني أبن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة قال إن أبا أمامة حدث أن رسول الله حدثهم وذكر حلى أهل الجنة فقال مسورون بالذهب والفضة مكللون بالدر عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة وعليهم تاج كتاج الملوك شباب مرد مكحلون وقد أخرجا في الصحيحين والسياق لمسلم عن أبي حازم قال كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بني نبي فروخ أنتم ههنا لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضد وإطالته والصحيح انه لا يستحب وهو قول أهل المدينة وعن أحمد روايتان والحديث لا تدل على الإطالة فإن الحلية إنما تكون في زينة في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف وأما قوله فمن إستطاع منكم أن يطيل غرته فليقل فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي
بين ذلك غير واحد من الحفاظ وفي مسند الأمام أحمد في هذا الحديث قال نعيم فلا أدري قوله من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من كلام النبي أو شيء قاله أبو هريرة من عنده وكان شيخنا يقول هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله فإن الغرة لا تكون في اليد لا تكون إلا في الوجه وإطالته غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا تبلي ثيابه ولا يفنى شبابه في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقوله لا تبلى ثيابه الظاهر أن المراد به الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل أن يراد به الجنس بل لا يزال عليه الثياب الجدد كما أنها لا ينقطع أكلها في جنسه بل كل مأكول يخلفه أخر والله أعلم قال الأمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا محمد بن أبي الوضاح حدثنا العلاء ابن عبد الله بن رافع حدثنا حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمر قال جاء أعرابي حرمي فقال يا رسول الله أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت أم لقوم خاصة أم إلى أرض معلومة إذا مت انقطعت فسأل ثلاث مرات ثم جلس فسكت رسول الله يسيرا ثم قال اين السائل فقال ها هو ذا يا رسول الله قال الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وأن مت بالحضر فقام آخر فقال يا رسول الله أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا أم تنسج نسجا قال فضحك بعض القوم فقال رسول الله تضحكون من جاهل يسأل عالما فأسكت النبي ساعة ثم قال أين السائل عن ثياب أهل الجنة فقال ها هو ذا يا رسول الله قال لا بل يشقق عنها ثمر الجنة ثلاث مرات وقال الطبراني في معجمه حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الفسوي قالا حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضيل أبن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي قال أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقها من وراء لحومها وحللها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وهذا الإسناد على شرط
الصحيح وقال الأمام أحمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرجي عن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب مولى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال قال رسول الله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها قال قلت يا رسول الله وما النصيف قال الخمار وقال أبن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت فتقول أنا المزيد وأنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وأن عليها التيجان وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وروى الترمذي ذكر التيجان وأن أدنى لؤلؤة عن سويد ابن نصر عن رشدين بن سعد عن عمرويه وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن ادريس الحنظلي حدثنا أبو عتبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلام الأسود قال سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله قال ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء ابيض وإن شاء أحمر وأن شاء اخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود ومثل شقائق النعمان وأرق وأحسن قال أبن أبي الدنيا وحدثنا سويد عن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي عن خالد الزميل أنه سمع أباه قال قلت لابن عباس ما حلل الجنة قال فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها فانفلقت عن سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم تنطبق ترجع كما كانت قال وحدثنا عبد الله بن أبي خيثمة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثني دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد عن رسول الله أن رجلا قال له يا رسول الله طوبى لمن آراك وآمن بك فقال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال له رجل وما طوبى قال شجرة في
جنة
مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها قال وحدثني يعقوب أبن عبيد حدثنا
يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم قال قال أبو هريرة هريرة دار
المؤمن في الجنة لؤلؤة فيها شجرة تنبت الحلل فيأخذ الرجل بإصبعيه وأشار بالسابة
والإبهام سبعين حلة ممنطقة باللؤلؤ والمرجان قال وحدثنا حمزة ابن العباس حدثنا عبد
الله بن عثمان أنبأنا أبن المبارك أنبأنا صفوان بن حمزة عن شريح بن عبيد قال قال
كعب لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة لبس اليوم في الدنيا لصق من ينظر إليه وما حملته
أبصارهم وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن
بشر بن كعب أو غيره قال ذكر لنا أن الزوجة من أزواج الجنة لها سبعون حلة هي أرق من
شقيقكم هذا ويرى مخ ساقها من وراء اللحم وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال أهدى
أكيد رد دومة إلى النبي جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها فقال لمناديل سعد في
الجنة أحسن من هذا وفي الصحيحين أيضا من حديث البراء قال أهدى لرسول الله ثوب حرير
فجعلوا يعجبون من لينه فقال رسول الله تعجبون من هذا لمناديل سعد اين معاذ في
الجنة أحسن من هذا ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ههنا فإنه كان في
الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين واهتز لموته العرش وكان لا يأخذه في الله لومة
لائم وختم الله له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته وخلفائه
ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سموات ونعاه جبريل إلى النبي يوم موته
فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك فصل
ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم
ذكر البيهقي من حديث يعقوب بن حميدا بن كاسب أنبأنا هشام بن سليمان عن عكرمة عن
إسماعيل بن رافع عن سعد المقبري وزيد بن أسلم عن أبي هريرة عن النبي قال من قرأ
القرآن فقام به آناء الليل والنهار ويحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه
وجعله رفيق السفرة الكرام البررة وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له
حجيجا
فقال يا رب كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا إلا فلانا كان يقوم في
آناء الليل وأطراف النهار فيحل حلالي ويحرم حرامي يقول يا رب فأعطه فيتوجه الملوك
ويكسوه من حلة الكرامة ثم يقول هل رضيت فيقول يا رب أرغب له في افضل من هذا فيعطيه
الله الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقول له هل رضيت فيقول نعم يا رب وذكر الأمام
أحمد في المسند من حديث أبي بريدة عن أبيه يرفعه تعلموا سورة البقرة فإن أخذاها
بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل
عمران فأنهما الزهراوان وإنهما يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو
غيايتان أو فرقان من طير صواف والقرآن أن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه
قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني فيقول له ما أعرفك فيقول له القرآن أنا
الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من
وراء كل تجارة فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسي
والداه حليتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن
ثم يقال له اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هددا كان أو
ترتيلا البطلة السحرة والغيابة ما أظل الإنسان فوقه وقال عبد الله بن وهب أخبرني
عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن ابي هريرة عن ابي سعيد الخدري أن النبي تلا قوله
عز و جل جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب فقال أن عليهم التيجان أن
ادنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فصل
وأما الفرش فقد قال تعالى متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وقال تعالى وفرش
مرفوعة فوصف الفرش بكونها مبطنة بالإستبرق وهذا يدل على أمرين أحدهما أن ظهائرها
أعلى وأحسن من بطائنها لأن بطائنها للارض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة قال
سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ابي هبيرة ابن مريم عن عبد الله في قوله بطائنها من
إستبرق قال هذه البطائن قد خبرتم بها فكيف بالظهائر الثاني يدل على أنها فرش عالية
لها سمك وحشو بين
البطانة
والظهارة وقد روى في سمكها وإرتفاعها آثار إن كانت محفوظة فالمرد ارتفاع محلها كما
رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي في قوله وفرش مرفوعة قال ارتفاعها
كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام قال الترمذي حديث غريب لا
نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد قيل ومعناه إن ارتفاع المذكور للدرجات والفرش
عليها قلت رشدين بن سعد عنده مناكير قال الدارقطني ليس بالقوي وقال أحمد لا يبالي
عمن روى وليس به باس في الرقاق وقال أرجو أنه صالح الحديث وقال يحيى بن معين ليس
بشيء وقال زرعة ضعيف وقال الجوزجاني عنده مناكير ولا ريب أنه كان سيء الحفظ فلا
يعتمد على ما ينفرد به وقد قال أبن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن
أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله في قوله وفرش مرفوعة قال ما بين
الفراشين كما بين السماء والأرض وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ فالله أعلم وقال
الطبراني حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن
زيد عن مطرف عن عبد الله بن الشخير عن كعب في قوله عز و جل وفرش مرفوعة قال مسيرة
أربعين سنة قال الطبراني حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا إسماعيل بن عمرو والبجلي
حدثنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله عن
الفرش المرفوعة قال لو طرح فراش من أعلاها إلى قرارها مائة خريف وفي رفع هذا
الحديث نظر فقد قال أبن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا معاذ ابن هشام
قال وجدت في كتاب أبي القاسم عن ابي أمامة في قوله عز و جل وفرش مرفوعة قال لو أن
أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا فصل
وأما البسط والزرابي فقد قال تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وقال تعالى
فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة وذكر هشام عن أبي بشر
عن سعد بن جبير قال الرفرف رياض الجنة والعبقري عتاق الزرابي وذكر إسماعيل بن علية
عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان قال هي
البسط
قال وأهل المدينة يقولون هي البسط وأما النمارق فقال الواحدي هي الوسائد في قول
الجميع وأحدها بضم النون وحكى الفراء نمرقة بكسرها وأنشد أبو عبيدة
إذا ما بساط الله ومد وقربت ... للذاته أنماطه ونمارقه
قال الكلبي وسائد مصفوفة بعضها إلي بعض وقال مقاتل هي الوسائد مصفوفة على الطنافس
وزرابي بمعنى البسط والطنافس وأحدها زريبة في قول جميع أهل اللغة والتعبير ومبثوثة
مبسوطة منشورة فصل
وأما الرفرف فقال الليث ضرب من الثياب خضر تبسط الواحد رفرفة وقال أبو عبيدة
الرفارف البسط وأنشد لابن مقبل
وأنا لنازلون تغشى نعالنا ... سواقط من أصناف ريط ورفرف
وقال أبو إسحاق قالوا الرفرف ههنا رياض الجنة وقالوا الرفرف الوسائد وقالوا الرفرف
المحابس وقالوا فضول المحابس للفرش وقال المبرد هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك
في الفرش وغيره وقال الواحدي وكان الأقرب هذا لأن الغرب تسمى كسر الخباء والخرقة
التي تخاط في أسفل الخباء رفرفا ومنه الحديث في وفاة النبي فرفع الرفرف فرأينا
وجهه كأنه ورقة قال إبن الأعرابي الرفرف ههنا طرف البساط فشبه ما فضل من المحابس
عما تحته بطرف الفسطاط فسمى رفرف قلت أصل هذه الكلمة من الطرف أو الجانب فمنه
الرفرف في الحائط ومنه الرفرف وهو كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها الواحدة
رفرفة ومنه رفرف الطير إذا حرك جناحه حول الشيء يريد أن يقع عليه والرفرف ثياب خضر
يتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة وكل ما فضل من شيء فثنى وعطف فهو رفرف وفي حديث
ابن مسعود في قوله عز و جل لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى رفرفا أخضر سد
الأفق وهو في الصحيحين فصل
وأما العبقري فقال أبو عبيدة كل شيء من البسط عبقري قال ويرون أنها أرض توشى فيها
وقال الليث عبقر موضع بالبادية كثير الجن يقال كأنهم جن عبقر قال أبو عبيدة في
حديث النبي ذكر عمر فلم أر
عبقريا
يفري فرية وأنما أصل هذا فيما يقال إنه نسب إلى عبقر وهي أرض يسكنها الجن فصار
مثلا منسوبا إلى شيء رفيع وأنشد لزهير
نخال عليها جبة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
وقال ابو الحسن الواحدي وهذا القول هو الصحيح في العبقري وذلك أن العرب إذا بالغت
في وصف شيء نسبته إلى الجن أو شبهته بهم ومنه قول لبيد جن الندا رواسيا أقدامها
وقال آخر يصف امرأة
جنية ولها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر
وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة وأنهم يأتون بكل أمر عجيب ولما كان عبقر
معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليها يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم هذا
هو الأصل ثم صار العبقري اسما ونعتا لكل ما بولغ في صفته ويشهد لما ذكرنا بيت زهير
فإنه نسب الجن إلى عبقر ثم راينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب
كقوله في صفة عمر عبقريا وروى سلمة عن الفراء قال العبقري السيد من الرجال وهو
الفاخر من الحيوان والجوهر فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشى لما نسب إليها غير الموشى
وإنما ينسب إليها البسط الموشية العجيبة الصنعة كما ذكرنا كما نسب إليها كل ما
بولغ في وصفة قال ابن عباس وعبقري يريد البسط الطنافس وقال الكلبي هي الطنافس
المجملة وقال قتادة هي عتاق الزرابي وقال مجاهد الديبا4ج الغليظ وعبقري جمع واحده
عبقرية ولهذا وصف بالجمع فتأمل كيف وصف الله سبحانه وتعالى الفرش بأنها مرفوعة
والزرابي بأنها مبثوثة والنمارق بأنها مصفوفة فرفع الفرش دال على سمكها ولينها وبث
الزرابي دال على كثرتها وأنها في كل موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره
وجوانبه وصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما ليست مخبأة تصف في
وقت دون وقت والله أعلم
الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم قال
تعالى حور مقصورات في الخيام وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي قال
أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف
عليهم المؤمن فلا يرى
بعضهم بعضا وفي لفظ لهما في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وفي لفظ آخر لهما أيضا الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون وللبخاري وحده في لفظ طولها ثلاثون ميلا وهذه الخيم غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شواطئ الأنهار وقال ابن أبي الدنيا حدثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحوري قال سمعت أبا سليمان قال ينشأ خلق الحور العين انشأ فأذا تكامل خلقهن ضربت عليهم الملائكة الخيام وقال بعضهم لما كن أبكارا وعادة البكر أن تكون مقصورة في خدرها حتى يأخذها بعلها أنشأ الله تعالى الحور وقصرهن في خدور الخيام حتى يجمع بينهن وبين اوليائه في الجنة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن جابر عن القاسم بن ابي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا مزجات ولا زفرات ولا بخرات ولا طماحات حور عين عين كأنهن بيض مكنون حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الله بن ميسرة قال سمعت أبا الاحوص يحدث عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى حور مقصورات في الخيام قال قال در مجوف وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن خليد القصري عن ابي الدرداء قال الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا كلها من درة قال ابن المبارك وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة الآف مصراع من ذهب وقال ابن أبي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد حور مقصورات في الخيام قال في خيام اللؤلؤ والخيمة لؤلؤة واحدة حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الصباح عن أبي صالح عن ابن عباس حور مقصورات في الخيام قال الخيمة درة من لؤلؤة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ ولها ألف باب من ذهب حولها س4رادق دوره خمسون فرسخا يدخل عليه من كل باب منها ملك بهديه من عند الله عز و جل وذلك قوله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب والله أعلم وأما السرر فقال تعالى متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين وقال تعالى ثلة من
الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين وقال تعالى فيها سرر مرفوعة فأخبر تعالى عن سررهم بإنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ليس بعضها خلف بعض ولا بعيدا من بعض وأخبر أنها موضونة والوضن في اللغة النضيد والنسج المضاعف يقال وضمن فلان الحجر أو الآجر بعضه فوق بعض فهو موضون وقال الليث الوضن نسج السرير وأشباهه ويقال درع موضونة مقاربة النسج وقال رجل من العرب لامرأته ضني متاع البيت أي قاربي بعضه من بعض قال أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة موضونة منسوجة مضاعفة متداخلة بعضها فوق بعض على بعض كما توضن حلق الدرع ومنه سمي الوضين وهو نطاق من سيور تنسج فيدخل بعضها في بعض وانشدوا للأعمش ... ومن نسج داود موضونه ... تساق مع الحي عيرا فغيرا قالوا موضونة منسوجة بقضبان الذهب مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد قال هشيم أنبأنا حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال مرمولة بالذهب وقال مجاهد موصولة بالذهب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موضونة مصفوفة فأخبر سبحانه أنها مرفوعة قال عطاء عن ابن عباس قال سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل ما بين مكة وأيلة وقال الكلبي طول السرير في السماء مائة ذراع فإذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه فإذا حلس عليه ارتفع إلى مكانه فصل واما الارائك فهي جمع أريطة قال مجاهد عن ابن عباس متكئين فيها على الارائك قال لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فأذا كان سريرا بغير حجلة لا يكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة ولا تكون أريكة إلا والسرير في الحجلة فإذا إجتمعا كانت أريكة وقال مجاهد هي الأسرة في الحجال قال الليث الأريكة سرير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وجمعها أرائك وقال2 أبو إسحاق الارائك الفرش في الحجال قلت ها هنا ثلاثة أشياء أحدها السرير و الثانية الحجلة وهي البشخانة التى تعلق فوقه و الثالث الفراش الذي على السرير ولا يسمى السرير أريكة حتى يجمع ذلك كله وفي الصحاح الأريكة سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة والجمع الأرائك وفي
الحديث
أن خاتم النبي صلى الله عليه و سلم كان مثل زر الحجلة وهو الزر الذي يجمع بين
طرفيها من جملة أزرارها والله أعلم
الباب الثاني والخمسون في ذكر خدمهم وغلمانهم قال تعالى
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين وقال تعالى ويطوف عليهم
ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا قال أبو عبيدة والفراء مخلدون لا
يهرمون ولا يتغيرون قال والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط إنه لمخلد وإذا لم
تذهب أسنانه من الكبر قيل هو مخلد وقال آخرون مخلدون مقرطون مسورون أي في آذانهم
القرطة وفي أيديهم الأساور وهذا اختيار ابن الأعرابي قال مخلدون مقرطون بالخلدة
وجمعها خلد وهي القرطة وروى عمرو عن أبيه خلد جاريته إذا حلاها بالخلد وهي القرطة
وخلد إذا أسن ولم يشب وكذلك قال سعيد بن جبير مقرطون واحتج هؤلاء بحجتين إحداهما
أن الخلود عام لكل من دخل الجنة فلا بد أن تكون الولدان موصوفين بتخليد مختص بهم
وذلك هو القرطة الحجة الثانية قول الشاعر
ومخلدات باللجين كأنما ... أعجازهن رواكد الكثبان
وقال الأولون الخلد هو البقاء قال ابن عباس غلمان لا يموتون وقول ترجمان القرآن في
هذا كاف وهو قول مجاهد والكلبي ومقاتل قالوا لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون
وجمعت طائفة بين القولين وقالوا هم ولدان لا يعرض لهم الكبر والهرم وفي آذانهم
القراطة فمن قال مقرطون أراد هذا المعنى أن كونهم ولدان أمر لازم لهم وشبههم
سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة وفي كونه منثورا فائدتان
أحداهما الدلالة على أنهم غير معطلين بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم و الثاني أن
اللؤلؤ إذا كان منثورا ولا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من
كونه مجموعا في مكان واحد وقد اختلف في هؤلاء الولدان هل هم من ولدان الدنيا أم
أنشأهم الله في الجنة إنشاء على قولين فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري هم
أولاد المسلمين الذين يموتون ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم يكونون خدم أهل الجنة
وولدانهم إذ الجنة لأولاد فيها قال الحاكم أنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا إبراهيم ابن الحسين ثنا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله ولدان مخلدون قال لم يكن لهم حسنات ولا سيئات فيعاقبون عليها فوضعوا بهذا الموضع ومن أصحاب هذا القول من قال هم أطفال المشركين فجعلهم الله خدما لأهل الجنة واحتج هؤلاء بما رواه يعقوب بن عبد الرحمن الفاري عن أبي حازم قال المديني عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي قال سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم فهم خدم أهل الجنة يعنى الأطفال قال الدار قطني ورواه عبد العزيز الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن النبي صلى الله عليه و سلم انتهى ورواه فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس وهذه الطرق ضعيفة فيزيد واه وفضيل بن سليمان متكلم فيه وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف قال ابن قتيبة واللاهون من لهيت عن الشيء إذا غفلت عنه وليس هو من لهوت وأصحاب القول الأول لا يقولون أن هؤلاء أولاد ولدوا لأهل الجنة فيها وإنما يقولون هم غلمان أنشأهم الله في الجنة كما أنشأ الحور العين قالوا وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين لما رواه ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار رواه الترمذي والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدما لهم وغلمانا كما قال تعالى ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وهؤلاء غير أولادهم فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمانا لهم وقد تقدم في حديث أنس عن النبي أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وفيه يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون والمكنون المستور المصون الذي لم تبتذله الأيادي وإذا تأملت لفظة الولدان ولفظة ويطوف عليهم واعتبرتها بقوله ويطوف عليهم غلمان لهم وضممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنفا علمت أن الولدان غلمان أنشأهم الله تعالى في الجنة خدما لأهلها والله أعلم
الباب
الثالث والخمسون في ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن
وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه
قال تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم
فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من
أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع
سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ونعيم
النفس بالأزواج المطهرة ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد
وعدم انقطاعه والأزواج جمع زوج والمرأة زوج للرجل وهو زوجها هذا هو الأفصح وهو لغة
قريش وبها نزل القرآن كقوله أسكن أنت وزوجك الجنة ومن العرب من يقول زوجة وهو نادر
لا يكادون يقولونه وأما المطهرة فإن جرت صفة على الواحد فيجرى صفة على جمع التكسير
إجراء له مجرى جماعة كقوله تعالى مساكن طيبة وقرى ظاهرة ونظائره والمطهرة من طهرت
من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء
الدنيا فظهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة وطهر لسانها من
الفحش والبذاء وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها وطهرت أثوابها من أن يعرض
لها دنس أو وسخ قال عبد الله بن المبارك ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نظرة عن أبي
سعيد عن النبي لهم فيها أزواج مطهرة قال من الحيض والغائط والنخامة والبصاق وقال
عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقال ابن
عباس أيضا مطهرة من القذر والأذى وقال مجاهد لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا
يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن وقال قتادة مطهرة من الإثم والأذى
طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم وقال عبد الرحمن بن زيد المطهرة
التي لا تحيض وأزواج الدنيا لسن بمطهرات ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام
قال وكذلك خلقت حواء حتى عصت فلما
عصت قال الله إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما دميت هذه الشجرة وقال تعالى إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم ربهم عذاب الجحيم فجمع لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار والأنهار وحسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين وقال زيد بن أسلم الحوراء التي يحار فيها الطرف وعين حسان الأعين وقال مجاهد الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون وقال الحسن الحوراء شديدة بياض العين شديدة سواد العين واختلف في اشتقاق هذه اللفظة فقال ابن عباس الحور في كلام العرب البيض وكذلك قال قتادة الحور البيض وقال مقاتل الحور البيض الوجوه وقال مجاهد الحور العين التي يحار فيهن الطرف باديا مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون وهذا من الإتفاق وليست اللفظة مشتقة من الحيرة وأصل الحور البياض والتحوير التبييض والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين وفي الصحاح الحور شدة بياض العين في شدة سوادها امرأة حوراء بينة الحور وقال أبو عمرو الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء حور العين لأنهن شبهن بالظباء والبقر وقال الأصمعي ما أدري ما الحور في العين قلت خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة ورد الحور إلى السواد والناس غيره إنما ردوه إلى البياض أو إلى بياض في سواد والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر عين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد والعين جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء ورجل أعين إذا كان ضخم العين وامرأة عيناء
والجمعت
والجمع عين والصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة قال مقاتل
العين حسان الاعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول و ضيق العين في المرأة من
العيون و إنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع فيها وخرق أذنها وانفها وما هنالك
ويستحب السعة منها في أربعة مواضع ووجهها وصدرها وكأهلها وهو ما بين كتفيها
وجبهتها ويستحسن البياض منها في أربعة مواضع لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها
ويستحب السواد منها في أربعة مواضع عينها وحاجبها وهدبها وشعرها ويستحب الطول منها
في أربعة قوامها وعنقها وشعرها وبنانها ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية
لسانها ويدها ورجلها وعينها فتكون قاصر الطرف قصيرة الرجل واللسان عن الخروج وكثرة
الكلام قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج وعن بذله وتستحب الرقة منها في أربعة
خصرها وفرقها وحاجبها وانفها فصل
وقوله تعالى وزوجناهم بحور عين قال أبو عبيدة جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل
بالنعل جعلناهم اثنين اثنين وقال يونس قرناهم بهن وليس من عقد التزويج قال والعرب
لا تقول تزوجت بها و إنما تقول تزوجتها قال بن نصر هذا والتنزيل يدل على ما قاله
يونس وذلك قوله تعالى فلما قضى زيدا منها وطرا زوجناكها ولو كان على تزوجت بها
لقال زوجناك بها وقال ابن سلام تميم تقول تزوجت امرأة وتزوجت بها وحكها الكسائي
أيضا وقال الأزهري تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس من كلامهم تزوجت بامرأة
وقوله تعالى وزوجناهم بحور عين أي قرناهم وقال الفراء هي لغة في ازدشنؤة قال
الواحدي وقال أبي عبيدة في هذا احسن لانه جعله من التزويج الذي هو بمعنى جعل الشيء
زوجا لا بمعنى عقد النكاح ومن هذا يجوز أن يقال كان فردا فزوجته بآخر كما يقال
شفعته بآخر و إنما تمتنع الباء عند من يمنعها إذا كان بمعنى عقد التزويج قلت ولا
يمتنع أن يراد الأمران معا فلفظ التزويج يدل على النكاح كما قال مجاهد أنكحناهم
الحور ولفظ الباء تدل على الاقتران والضم وهذا ابلغ من حذفها والله اعلم وقال
تعالى فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان
كأنهن الياقوت والمرجان وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع
أحدها هذا والثاني قوله تعالى في الصافات وعندهم قاصرات الطرف عين والثالث قوله تعالى في ص وعندهم قاصرات الطرف أتراب والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم وقيل قصرن طرف أزواجهن كلهن فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن وهذا صحيح من جهة المعنى واما من جهةاللفظ فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه واصله قاصر طرفهن أي لبس بطامح متعد قال آدم حدثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قاصرات الطرف قال يقول قاصرات الطرف على أزواجهن فلا يبغين غير أزواجهن قال آدم وحدثنا المبارك بن فضلة عن الحسن قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وقال منصور عن مجاهد قصرن أبصارهن وقلوبهن و أنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وفي تفسير سعيد عن قتادة قال وقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم و أما الأتراب فجمع ترب وهو لذة الإنسان قال أبو عبيدة و أبو إسحاق أقران أسنانهن واحدة قال ابن عباس وسائر المفسرين مستويات على سن واحد وميلاد واحد وبنات ثلاث وثلاثين سنة وقال مجاهد أتراب أمثال قال إسحاق هن في غاية الشباب والحسن وسمي سن الإنسان وقرنه تربه لانه مس تراب الأرض معه في وقت واحد والمعنى من الأخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ولا ولائد لا يقطن الوطء بخلاف الذكور فان فيهم الولدان وهم الخدم وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله فيهن فقالت طائفة مفسره الجنتان وما حوتاه من القصور والغرف والخيام وقالت طائفة مفسره الفرش المذكورة في قوله متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وفي بمعنى على وقوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهن ولا جان قال أبو عبيدة لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه وقال يونس تقول العرب هذا جمل ما طمثه حبل قط أي ما مسه وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية والطمث هو الدم وفيه لغتان طمث يطمث ويطمث قال الليث طمثت الجارية إذا افتر عتها والطامث في لغتهم هي الحائض قال أبو الهيثم يقال للمرأة طمثت تطمث إذا أدميت بالافتضاض وطمثت على فعلت تطمث إذا حاضت أول ما تحيض فهي طامث وقال في قول الفرزدق
خرجن
إلى لم يطمثن قبلي ... وهن اصح من بيض النعام
أي لم يمسسن قال المفسرون لم يطأهنولم يغشهن يجاملهم ولم يغشين ولم يجامعن هذه
ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء فبعضهم يقول هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها
وبعضهم يقول يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر ابكارا كما وصفن قال الشعبي نساء من
نساء الدنيا لم يمسسن منذ انشئن خلقا وقال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة وقال عطاء عن
ابن عباس هن الآدميات اللاتي متن أبكارا وقال الكلبي لم يجامعهن في هذا الخلق الذي
أنشئن فيه انس ولا جان قلت ظاهر القران أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا وانما
هن من الحور حور العين و أما نساء الدنيا فقد طمثهن الإنس ونساء الجن قد طمثهن
الجن والاية تدل على ذلك قال أبو إسحاق وفي الآية دليل على أن الجن يغشي كما أن الأنس
يغشى ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة انه سبحانه جعلهن مما أعده الله في
الجنة لأهلها من الفاكهة والثمار و الأنهار والملابس وغيرها ويدل عليه أيضا الآية
التي بعدها وهي قوله تعالى حور مقصورات في الخيام ثم قال لم يطمثن انس قبلهم ولا
جان قال الإمام احمد والحور العين لا يمتن عند النفخة للصور لأنهن خلقن للبقاء وفي
الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور أن مؤمن الجن في الجنة كما أن كافرهم في النار
وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال باب ثواب الجن وعقابهم ونص عليه غير واحد من
السلف قال ضمرة بن حبيب وقد سئل هل للجن ثواب فقال نعم وقرا هذه الآية ثم قال
الإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال مجاهد في هذه الآية إذا جامع الرجل ولم يسم
انطوى الجان على احليله فجامع معه والضمير في قوله قبلهم للمعنيين بقوله متكئين
وهم أزواج هؤلاء النسوة وقوله كأنهم الياقوت والمرجان قال الحسن وعامة المفسرين
أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان
ويدل عليه ما قاله عبد الله ان المرأة من النساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة
من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بان الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان إلا
وان الياقوت حجر لو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر فصل
وقال تعالى في وصفهن حور مقصورات في الخيام المقصورات المحبوسات
قال
أبو عبيدة خدرن في الخيام وكذلك قال مقاتل وفيه معنى آخر وهو ان يكون المراد أنهن
محبوسات على أزواجهن لا يرون غيرهم وهم في الخيام وهذا معنى قول من قال قصرن على
أزواجهن فلا يردن غيرهم ولا يطمحن إلى من سواهم وذكره الفراء قلت وهذا معنى قاصرات
الطرف ولكن أولئك قاصرات بأنفسهن وهؤلاء مقصورات وقوله في الخيام على هذا القول
صفة لحور أي هن في الخيام وليس معمولا لمقصورات وكأن ارباب هذا القول فسروا بان
يكن محبوسات في الخيام وليس لا تفارقنها إلى الغرف والبساتين و أصحاب القول الأول
يجيبون عن هذا بان الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات وذلك اجمل في
الوصف ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين كما أن النساء الملوك
ودونهم من النساء المخدرات المصونات لا يمنعن ان يخرجن في سفر و غيره إلى منتزه
وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن القصر في البيت ويعرض لهن مع الخدم الخروج إلى
البساتين ونحوها و أما مجاهد فقال مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ وقد
تقدم وصف النسوة الأول بكونهن قاصرات الطرف وهؤلاء بكونهن مقصورات والوصفان لكلا
النوعين فانهما صفتا كمال فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج وهذه
الصفة قصر الرجل على التبرج والبروز والظهور للرجال فصل
وقال تعالى فيهن خيرات حسان فالخيرات جمع خيرة وهي مخففة من خيره كسيدة ولينة
وحسان جمع حسنة فهن خيرات الصفات والاخلاق والشيم وحسان الوجوه قال وكيع حدثنا
سفيان عن جابر عن القاسم عن ابي بزة عن ابي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال لكل
مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة اربعة ابواب يدخل عليها في كل يوم من كل باب
تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا ترحات ولا ذفرات ولا بخرات ولا صماحات فصل
وقال تعالى انا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا وأترابا لاصحاب اليمين أعاد
الضمير إلى النساء ولم يجر لهن ذكر لان الفرش دلت عليهن اذ هي محلهن
155 - وقيل الفرش في قوله وفرش مرفوعة كناية عن النساء كما يكنى عنهن بالقوارير و الأزر وغيرها ولكن قوله مرفوعة يأبى هذا إلا أن يقال المراد رفعة القدر وقد تقدم تفسير النبي للفرش وارتفاعها فالصواب أنها الفرش نفسها ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا قال قتادة وسعيد بن جبير خلقناهن خلقا جديدا وقال ابن عباس يريد نساء الآدميات وقال الكلبي ومقاتل يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط يقول تعالى خلقناهن بعد الكبر والهرم وبعد الخلق الأول في الدنيا ويؤيد هذا التفسير حديث انس المرفوع هن عجائزكم العمش الرمض رواه الثوري عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عنه ويؤيده ما رواه يحيى الحماني حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد عن عائشة أن رسول دخل عليها وعندها عجوز فقال من هذه فقالت إحدى خالاتي قال إما انه لا يدخل الجنة العجوز فدخل على العجوز من ذلك ما شاء الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم انا أنشأناهن إنشاء خلقا آخر يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا واول من يكسى ابراهيم خليل الله ثم قرا النبي صلى الله عليه و سلم انا انشاناهن انشاء قال ادم بن ابي اياس حدثنا شيبان عن الزهري عن جابر الجعفي عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في قوله انا أنشأناهن إنشاء قال يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا قال ادم وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة العجز فبكت عجوز فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اخبروها انها يومئذ ليست بعجوز انها يومئذ شابة ان الله عز و جل يقول انا أنشأناهن إنشاء وقال ابن ابي شيبة حدثنا احمد بن طارق حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم أتته عجوز من الأنصار فقالت يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم إن الجنة لا يدخلها عجوز فذهب نبي الله صلى الله عليه و سلم فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت عائشة لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال صلى الله عليه و سلم أن ذلك كذلك إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا وذكر مقاتل قولا آخر وهو اختيار الزجاج إنهن الحور العين التي ذكرهن قيل انشأهن الله عز
156
- وجل لأوليائهم لهم يقع عليهن ولادة والظاهر أن المراد أنشأهن الله تعالى في
الجنة إنشاء ويدل عليه وجوه أحدها انه قد قال في حق السابقين يطوف عليهم ولدان
مخلدون بأكواب إلى قوله كأمثال اللؤلؤ المكنون فذكر سردهم و آنيتهم وشرابهم
وفاكهتهم وطعامهم و أزواجهم والحور العين ثم ذكر أصحاب الميمنة وطعامهم وشرابهم
وفراشهم ونساءهم والظاهر انهن مثل نساء من قبلهم خلقن في الجنة الثاني أنه سبحانه
قال أنشأناهن إنشاء وهذا ظاهر انه إنشاء أول لا ثان لانه سبحانه حيث يريد الإنشاء
الثاني يقيده بذلك كقوله وان عليه النشأة الأخرى وقوله ولقد علمتم النشأة الأولى
الثالث إن الخطاب بقوله وكنتم أزواجا إلى آخر للذكور و الإناث و النشأة الثانية
أيضا عامة للنوعين وقوله انا أنشأناهن إنشاء ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء و تأمل
تأكيده بالمصدر والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف بل يدل
على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة فلا يتوهم انفراد الحور العين
عنهن بما ذكر من الصفات بل هي احق به منهن فالانشاء واقع على الصنفين والله اعلم
وقوله عربا جمع عروب وهن المتحببات إلى ازواجهن قال ابن الاعرابي العروب من النساء
المطيعة لزوجها المتحببة اليه وقال ابو عبيدة العروب الحسنة التبعل قلت يريد حسن
مواقعها وملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها وانشد للبيد
وفي الحدوج عروب غير فاحشة ... ريا الروادف يعشي دونها البصر
وذكر لمفسرون في تفسير العرب انهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات
الغلمات المغنوجات كل ذلك من الفاظهم وقال البخاري في صحيحه عربا مثقلة واحدها
عروب مثل صبور وصبر وتسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق
الشكلة والعرب والمتحببات إلى ازواجهن هكذا ذكره في كتاب بدء الخلق وقال في كتاب
التفسير في سورة الواقعة عربا مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر تسميها أهل مكة
العربة و أهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة قلت فجمع سبحانه بين حسن صورتها
وحسن عشرتها وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بهن وفي قوله لم
يطمثهن انس قبلهم ولا جان إعلام بكمال اللذة بهن فان لذة الرجل بالمرأة التي لم
يطاها سواه
157
- لها فضل على لذته بغيرها وكذلك هي أيضا فصل
قال تعالى إن للمتقين مفازا حدائق و اعنابا وكواعب اترابا فالكواعب جمع كاعب وهي
الناهد قال قتادة ومجاهد والمفسرون قال الكلبي هن الفلكات اللواتي تكعب ثديهن و
تفلكت واصل اللفظة من الاستدارة والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى
اسفل ويسمين نواهد وكواعب فصل
روى البخاري في صحيحه عن انس بن مالك ان الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال
لغدوة في سبيل الله او روحة خير من الدنيا و ما فيها و لقاب قوس احدكم او موضع
قيده يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا و ما فيها و لو اطلعت امراة من نساء أهل
الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا و لأضاءت ما بينهما و لنصيفها على راسها خير
من الدنيا و ما فيها و في الصحيحين من حديث ابي هريرة عن النبي إن أول زمرة تدخل
الجنة على صورة القمر ليلة البدر و التي تليها على اضوا كوكب دري في السماء و لكل
امرء منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم و ما في الجنة أعزب و قال الإمام
احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن شيرين عن أبى هريرة رضي
الله عنه عن النبي للرجل من أهل الجنة زوجتان من الجور العين لكل واحدة سبعون حلة
يرى مخ ساقها من وراء الثياب و قال الطبراني حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو
بن هشام البيروني حدثنا سليمان بن ابي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن ابيه عن
ام سلمة قالت قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل حور عين قال حور بيض عين
ضخام العيون شقر الحوراء بمنزلة جناح النسر قلت اخبرني عن قوله عز و جل كأنهم لؤلؤ
مكنون قال صفاؤهن صفاء الدر الذي في الاصداف الذي لم تمسه الأيدي قلت يا رسول الله
اخبرني عن قوله عز و جل فيهن خيرات حسان قال خيرات الاخلاق حسان الوجوه قلت يا
رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل كانهن بيض مكنون قال رقتهن كرقة الجلد الذي
رايته في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله
عز و جل عربا اترابا قال هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمضا شمطا خلقهن
الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا متعشقات
متحببات أترابا على ميلاد واحد قلت يا رسول الله نساء الدنيا افضل ام الحور العين قال بل نساء الدنيا افضل من الحور كفضل الظهارة على البطانة قلت يا رسول الله وبم ذلك قال بصلاتهن و صيامهن و عبادتهن الله تعالى البس الله وجوههن النور و أجسادهن الحرير بيض الأولان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر و أمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت و نحن الناعمات فلا نيأس أبدا و نحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له و كان لنا قلت يا رسول الله و المرأة منا تتزوج زوجين أو ثلاث أو أربع ثم تموت فتدخل الجنة و يدخلون معها من يكون زوجها قال يا ام سلمة أنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب ان هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا و الآخرة تفرد به سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم و قال ابن عدي عمت أحاديثه مناكير و لم أر للمتقدمين فيه كلاما ثم ساق هذا الحديث من طريقه و قال لا يعرف الا بهذا السند و قال أبو يعلى الموصلي حدثنا عمر بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا ابو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله و هو في طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور و فيه فاقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله قد شفعتك و أذنت لهم في دخول الجنة وكان رسول الله يقول و الذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا باعرف بازواجكم و مساكنكم من أهل الجنة بازواجهم و مساكنهم فيدخل رجل منهم على اثنتين و سبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من انشا الله لعبادتهما الله عز و جل في الدنيا يدخل على الأولى منها في غرفة من ياقوت على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس و استبرق و انه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها و من وراء ثيابها وجلدها ولحمها لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة و كبدها له مرآة فبينما هو عندها لا يملها و لا تمله و لا يأتيها من مرة الا وجدها عذراء ما يفتر ذكره و لا يشتكي قلبها فبينما هو كذلك اذ نودي انا قد عرفنا أنك لا تمل و لا تمل الا انه لا منى و لا منية الا ان تكون له ازواج غيرها فتخرج
فتأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت و الله ما في الجنة شيء احسن منك و ما في الجنة شيء احب الي منك هذا قطعة من حديث الصور و الذي تفرد به اسماعيل بن رافع وقد روي له الترمذي وابن ماجة وضعفه احمد و يحيى و جماعة و قال الدار قطني و غيره متروك الحديث و قال ابن عدي عامة احاديثه فيها نظر و قال الترمذي ضعفه بعض أهل العلم و سمعت محمدا يعني البخاري يقول هو ثقة مقارب الحديث و قال لي شيخنا ابو الحجاج الحافظ هذا الحديث مجموع من عدة احاديث ساقه اسماعيل او غيره هذه السياقة و شرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد و ما تضمنه معروف في الاحاديث و الله اعلم و قال عبد الله بن وهب حدثنا عمرو ان دراجا حدثه عن ابي الهيثم عن ابي سعيد عن رسول الله قال ان ادنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون الف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و ينصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد وياقوت كما بين الجابية و صنعاء رواه الترمذي و لكن دراج ابو السمح بالطريق قال احمد احاديث مناكير وقال النسائي منكر الحديث ضعيف و قال أيضا ليس بالقوة وساق له ابن عدي احاديث وقال عامتها لا يتابع عليها و قال الدار قطني ضعيف و قال مرة متروك و اما يحيى بن معين فقد وثقه و اخرج عنه ابو حاتم بن حبان في صحيحه و قال عثمان بن سعيد الدارمي عن علي بن مدني هو ثقة و قال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن ابي السمح عن ابي الهيثم عن ابو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي في قوله تعالى كأنهن الياقوت و المرجان قال ينظر إلى وجهه في خدها اصفى من المرآة وإن ادنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق و المغرب و انه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك و قال الفريابي انبأنا ابو ايوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد بن ابي مالك عن ابيه عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة الا و يزوج اثنتين وسبعون زوجة ثنتان من الحور العين و سبعون من أهل ميراثه من أهل الدنيا ليس منهن امراة الا و لها قبل شهي و له ذكر لا ينثني قلت خالد هذا هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي و هاه ابن معين و قال احمد ليس بشيء و قال النسائي غير ثقة و قال الدار قطني ضعيف و ذكر ابن عدي له هذا الحديث مما انكره عليه وقال ابو نعيم حدثنا ابراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن حموية
حدثنا
احمد بن حفص حدثني ابي حدثني ابراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن انس قال قال
رسول الله للمؤمن في الجنة ثلاث و سبعون زوجة قلنا يا رسول الله او له قوة على ذلك
قال انه ليعطى قوة مائة رجل قال احمد بن حفص هذا هو السعدى و له مناكير و الحجاج
هو ابن ارطاة وقال الطبراني حدثنا احمد بن علي الابار حدثنا ابو همام الوليد بن
شجاع وانبانا محمد بن احمد بن هشام بن حسان السنجري ببغداد حدثنا عبد الله بن عمرو
بن ابان قالا حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال
ان الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء قال الطبراني لم يروه عن هشام إلا زائدة
تفرد به الجعفي قال محمد بن عبد الواحد المقدسي و رجال هذا الحديث عندي على شرط
الصحيح و قال ابو الشيخ حدثنا ابو يحيى بن مسلم الرازي حدثنا هناد بن السرى حدثنا
ابو اسامة عن هشام بن حسان عن يزيد بن ابي الحواري و هو زيد العمى عن ابن عباس قال
قيل يا رسول الله انفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي اليهن في الدنيا قال و الذي
نفس محمد بيده ان الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء و زيد هذا قال فيه
ابن معين صالح و قال مرة لا شيء و قال مرة ضعيف يكتب حديثه و كذلك قال ابو حاتنم و
قال الدارقطني صالح و ضعفه النسائي قال السعدي متماسك قلت وحسبه رواية شعبة عنه
فصل
و الاحاديث الصحيحة انما فيها ان لكل منهم زوجتين و ليس في الصحيح زيادة على ذلك
فإن كانت هذه الاحاديث محفوظة فإما ان يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على
الزوجتين و يكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم و الولدان و
اما ان يراد انه يعطي قوة من يجامع هذا العدد و يكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض
هؤلاء بالمعنى فقال له كذا وكذا زوجة وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن
انس عن النبي قال يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من الجماع قيل يا رسول الله
او يطيق ذلك قال يعطى قوة مائة هذا حديث صحيح فلعل من رواه يفضي إلى مائة عذراء
رواه بالمعنى او يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات و الله اعلم
و لا ريب ان للمؤمن في الجنة اكثر من اثنتين لما في
الصحيحين
من حديث ابي عمران الجوني عن ابي بكر عن عبد الله بن قيس عن ابيه قال قال رسول
الله ان للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلا للعبد المؤمن
فيها أهلون فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا
الباب الرابع و الخمسون
في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين و ما ذكر فيها من الاثار و ذكر صفاتهم و
معرفتهن اليوم بازواجهن
فاما المادة التي خلق منها الحور العين فقد روى البيهقي من حديث الحارث بن خليفة
حدثنا شعبة حدثنا اسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن انس بن مالك عن النبي
انه قال الحور العين خلقن من الزعفران قال البيهقي و هذا منكر بهذا الاسناد لا يصح
عن ابن علية قلت و لكنه حديث فيه شعبة و قال الطبراني حدثنا احمد بن رشدين حدثنا
عن ابن الحسن بن هارون الانصاري حدثني الليث بن ابنة الليث عن ابي سليم قال حدثتني
عائشة بنت يونس امراة الليث بن ابي سليم عن ليث بن ابي سليم عن مجاهد عن ابي امامة
عن النبي قال خلق الحور العين من الزعفران قال الطبراني لا يروى الا بهذا الاسناد
تفرد به علي بن الحسن بن هارون قلت و قد رواه اسحق بن راهويه عن عائشة بنت يونس
قالت سمعت زوجي ليث بن سليم يحدث عن مجاهد فذكره مرفوعا اليه و هو اشبه بالصواب
ورواه عقبة بن مكرم عن عبد الله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله و لا يصح
رفع الحديث و حسبه ان يصل إلى ابن عباس و قال ابو سلمى عن ابن عبد الرحمن ان لولي
الله في الجنة عروسا لم يلدها ادم و لا حواء و لكن خلقت من زعفران وهذا مروي عن
صاحبين و هما ابن عباس و انس و عن تابعيين و هما ابو سلمى ومجاهد وبكل حال فهي من
المنشات في الجنة ليست مولودات بين الاباء والامهات والله اعلم وقد رواه الطبراني
من حديث عبد الله بن زخر عن علي بن زيد عن الهيثم عن ابي امامة عن النبي و هذا
الاسناد لا يحتج به و رواه أبو نعيم حدثنا علي بن محمد الطوسي حدثنا علي بن سعيد
حدثنا محمد بن اسماعيل الحساني حدثنا منصور بن المهاجر حدثنا ابو منصور الابار عن
انس يرفعه لو ان حوراء بصقت في سبعة ابحر لعذبت البحار من عذوبة فمها و خلق الحور
العين من
الزعفران واذا كانت هذه الخلقة الادمية التي هي من احسن الصور وأجملها مادتها من تراب وجاءت الصور من احسن الصور فما الظن بصورة مخلوقة من مادة الزعفران الذي هناك فالله المستعان وقد روى ابو نعيم من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلس بن محمد الكلابي حدثنا سفيان الثوري حدثنا مغيرة حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله يسطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فاذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها روى نعمة بن الوليد حدثنا مجبر بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد من تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون ان انطركم فلا يتمنون شيئا الا انطروا قال يقول كثير لئن أشهدني الله ذلك لأقولن انطرينا جواري مزينات و قد روى في مادة خلقهن صفة اخرى قال ابن ابي الدنيا حدثنا خالد بن سعيد عن خداش حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن ايوب عن عقيل بن خالد عن الزهري ان ابن عباس قال ان في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الحواري فاذا اعجب رجل منهم جارية مس معصمها فتتبعه و قال الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن الوليد بن عبدة قال قال رسول الله لجبريل يا جبريل قف بي على الحور العين فاوقفه عليهن فقال من انتن فقلنا نحن حواري قوم كرام حلوا فلم يظعنوا شبوا فلم يهرموا ونقوا فلم يدرنوا وقال ابن المبارك انبأنا يحيى عن ايوب عن عبد الله بن زخر عن خالد بن عمران عن ابن عباس قال كنا جلوسا مع كعب يوما فقال لو ان يدا من الحور دليت من السماء لاضاءت لنا الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ثم قال انما قلت يدها فكيف بالوجه و بياضه و حسنه و جماله و في مسند الامام احمد من حديث كثير بن مرة عن معاذ بن جبل عن النبي قال لا تؤذي امراة زوجها في الدنيا الا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا وفيه مراسيل عكرمة عن النبي قال ان الحور العين لاكثر عددا من كن يدعون لازواجهن يقلن اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك و بلغه بعزتك يا ارحم الراحمين ذكره ابن ابي الدنيا عن حديث اسامة بن زيد عن عطاء عنه
وذكر الاوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن مسعود قال ان في الجنة حوراء يقال لها اللعبة كل حور الجنان يعجبن بها يضربن بايديهن على كتفها و يقلن طوبى لك يا لعبة لو يعلم الطالبون لك لجدوا بين عينيها مكتوب من كان يبتغي ان يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار يا ابا يحيى شوقنا قال عطاء ان في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها لولا ان الله تعالى كتب لها على أهل الجنة ان لا يموتوا لماتوا من حسنها فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك و قال احمد بن ابي الحواري حدثني جعفر بن محمد قال لقي حكيم حكيما فقال اتشتاق إلى الحور العين فقال لا فقال فاشتق اليهن فان نور وجههن من نور الله عز و جل فغشي عليه فحمل إلى منزله نعوده شهرا و قال ربيعة بن كلثوم نظر الينا الحسن و نحن حوله شباب فقال يا معشر الشباب اما تشتاقون إلى الحور العين و قال لي ابن ابي الحوارى حدثني الحضرمي قال نمت انا و ابو حمزة على سطح فجعلت انظر اليه يتقلب على فرشه إلى الصباح فقلت يا ابا حمزة ما رقدت الليلة فقال اني لما اضطجعت تمثلت لي حوراء حتى لكانني احسست بجلدها و قد مس جلدي فحدثت به ابا سليمان فقال هذا رجل كان مشتاقا و قال ابن ابي الحوارى سمعت ابا سليمان يقول ينشا خلق الحور العين انشاء فاذا تكامل خلقهن ضرب عليهن الملائكة الخيام و ذكر ابن ابي الدنيا عن صالح المري عن زيد الرقاشي قال بلغني ان نورا سطع في الجنة موضع من الجنة الا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا قال حوراء ضحكت في وجه زوجها قال صالح فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات و قال ابن ابي الدنيا حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن رزبي عن عبد الملك الجوني عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس يقول لو ان حوراء اخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها و لو اخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيله في الشمس لا ضوء لها ولو اخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء و الأرض و قال ابن ابي الدنيا حدثني الحسين ابن يحيى و كثير العنبري و حدثنا خزيمة ابو محمد عن سفيان الثوري قال سطع نور في الجنة لم يبق موضع من الجنة الا دخل فيه من ذلك النور فنظروا فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها و رواه الخطيب في تاريخه من حديث عبد الله بن محمد الكرخي قال حدثني عيسى بن يوسف الطباع
حدثني
حلس بن محمد عن سفيان الثوري عن مغيرة عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي
قال سطع نور في الجنة فرفعوا ابصارهم فاذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها و قال
الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير اذا سبحت المراة من الحور العين لم يبق شجرة في
الجنة الا وردت وقال ابن المبارك حدثنا الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير ان الحور
العين يتلقين ازواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طال ما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا
نسخط و المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن اصوات سمعت و تقول انت حبي و
انا حبك ليس دونك تقصير و لا وراءك معدل الباب الخامس الخمسون
في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك اكمل لذة و نزاهة ذلك عن المذي و
المني و الضعف و انه لا يوجب غسلا
قد تقدم حديث ابي هريرة قيل يا رسول الله انفضى إلى نسائنا في الجنة فقال ان الرجل
ليصل في اليوم إلى مائة عذراء و ان اسناده صحيح و تقدم حديث ابي موسى المتفق عليه
صحته ان للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا له فيها أهلون
يطوف عليهم وحديث انس يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من النساء و صححه
الترمذي وروى الطبراني وعبد الله بن احمد و غيرهما من حديث لقيط بن عامر انه قال
يا رسول الله على ما يطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما
بها صداع ولا ندامة وانهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و فاكهة لعمر الهك
مما تعلمون و خير من مثله و ازواج مطهرة قلت يا رسول الله او لنا فيها ازواج
مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذذوا بهن لذاتكم في الدنيا و تلذذكم غير ان لا
توالد و قال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي حجيرة عن ابي هريرة عن
رسول الله انه قال يا رسول الله انطا في الجنة قال نعم و الذي نفسي بيده دحما دحما
فاذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا و قال الطبراني حدثنا ابراهيم بن جابر الفقيه حدثنا
محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدثنا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك
عن عاصم الاحول عن ابي المتوكل عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان أهل الجنة
اذا جامعوا نساءهم عدن ابكارا قال الطبراني لم
يروه عن عاصم الا شريك تفرد به عن يعلى قال الطبراني وحدثنا عبدان بن احمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عمرو بن ابي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم بن ابي يحيى انه سمع ابا امامة يحدث انه سمع رسول الله و سئل هل يتناكح اهل الجنة قال بذكر لا يمل و شهوة لا تنقطع دخما دخما قال الطبراني و حدثنا احمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن ابي مالك عن ابيه عن خالد بن معدان عن ابي امامة ان رسول الله سئل ايجامع أهل الجنة قال دحا دحا و لكن لا مني و لا منية و هاشم و خالد و ان تكلم فيهما فليس الاعتماد عليهما و قوله لا منى و لا منية أي لا انزال و لا موت و قال ابو نعيم حدثنا ابو على محمد بن احمد حدثنا بشر بن موسى حدثنا ابو عبد الرحمن المقريء حدثنا عبد الحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله انه سئل هل يمس أهل الجنة ازواجهم قال نعم و الذي بعثني بالحق بذكر لا يمل و فرج لا يحفى و شهوة لا تنقطع و قال الحسن بن سفيان في مسنده حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن ابي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله هل ينكح أهل الجنة قال أي و الذي بعثني بالحق دحما دحما و اشار بيده و لكن لا مني و لا منية و قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال في افتضاض الابكار و قال عبد الله بن احمد حدثنا ابو الربيع الزهراني و محمد بن حميد قالا حدثنا يعقوب ابن عبد الله حدثنا حفص بن حميد عن بشر بن عطية عن شفيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود في قوله ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض العذاري وقال الحاكم أنبانا الأصم أنبانا العباس بن الوليد أخبرني شعيب عن الأوزاعي في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض الابكار قال مقاتل شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم و قال ابو الاحوص شغلوا بافتضاض الابكار عن السرر في الحجال و قال سليمان التيمي عن ابي مجلز قلت لابن عباس عن قول الله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ما شغلهم قال افتضاض الابكار و قال ابن ابي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الواحد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن ابي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في شغل فاكهون قال في افتضاض العذارى حدثنا اسحاق
ابن
ابراهيم حدثنا يحيى بن يمان عن اشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير ان شهوته لتجري في
جسده سبعين عاما يجد اللذة و لا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهير و لا ضعف
و لا انحلال قوة بل وطئهم وطء التذاذ و نعيم لا افة فيه بوجه من الوجوه و اكمل
الناس فيه اصونهم لنفسه في هذه 8الدار عن الحرام فكما ان من شرب الخمر في الدنيا
لم يشربها في الاخرة و من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة و من اكل في
صحاف الذهب و الفضة في الدنيا لم ياكل فيها في الاخرة كما قال النبي انها لهم في
الدنيا و لكم في الاخرة فمن استوفى طيباته و لذاته و اذهبها في هذه الدار حرمها
هناك كما نعى سبحانه و تعالى على من اذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها و لهذا كان
الصحابة و من تبعهم يخافون من ذلك اشد الخوف و ذكر الامام احمد عن جابر بن عبد
الله انه رآه عمر و معه لحم قد اشتراه لأهله بدرهم فقال ما هذا قال لحم اشتريته
لأهلي بدرهم فقال او كلما اشتهى احدكم شيئا اشتراه اما سمعت الله تعالى يقول
اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها و قال الامام احمد حدثنا عفان
حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الحسن قال قدم وفد أهل البصرة مع ابي موسى على عمر
فكنا ندخل عليه كل يوم و له خبز ثلاثة و ربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما
وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالزيت وربما وافقناها مأدومة
باللبن وربما وافقناها القلائد اليابسة قد دقت ثم اغلى بها و ربما وافقناها اللحم
العريض و هو قليل فقال ذات يوم اني و الله قد ارى تقذيركم و كراهيتكم لطعامي اني و
الله لو شئت لكنت من اطيبكم طعاما و ارقكم عيشا و لكني سمعت رسول الله يقول عير
قوما بأمر فعلوه فقال اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فمن ترك
اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة اكمل ما تكون و من استوفاها هنا حرمها
هناك او نقص كمالها فلا يجعل الله لذة من اوضع في معاصيه و محارمه كلذة من ترك
شهوته لله ابدا و الله اعلم
الباب السادس و الخمسون
في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل و ولادة ام لا
قال الترمذي في جامعه حدثنا بندار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني ابي عن عامر
الاحول عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله
المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سنه في ساعة كما يشتهي قال هذا حديث حسن غريب و قد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم في الجنة جماع و لا يكون ولد هكذا روى عن طاووس و مجاهد و إبراهيم النخعي و قال محمد يعني البخاري قال اسحاق بن إبراهيم في حديث النبي إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي و لكن لا يشتهي قال محمد و قد روى عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي قال أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد و أبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو و يقال بكر بن قيس انتهى كلام الترمذي قلت إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله محتج بهم فيه و لكنه غريب جدا و تأويل إسحاق فيه نظر فانه قال إذا اشتهى المؤمن الولد و إذا للمتحقق الوقوع و لو أريد ما ذكره من المعنى لقال لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة فان ما لا يكون أحق بأداة لو كما أن المتحقق الوقوع أحق بأداة إذا و قد قال أبو نعيم حدثنا عبدان بن احمد حدثنا أحمد بن اسحاق حدثنا أبو احمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور فقال نعم و الذي نفسي بيده و ما هو الا كقدر ما يتمنى احدكم فيكون حمله و رضاعه و شبابه حدثنا ابو الحسن علي بن ابراهيم بن احمد الرازي بمكة حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الاسدي قال سمعت ابا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة و حديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الاحول و قال عمرو بن علي عاصم الاحول و قال الحاكم انبانا الاصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه ان الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة قال البيهقي و هذا اسناد ضعيف بمرة و اما حديث ابي رزين الذي اشار اليه البخاري فهو حديثه الطويل و نحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة و المهابة و نور النبوة ما ينادى على صحته قال عبد الله
168 - ابن الامام احمد في مسند ابيه كتب إلى ابراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت اليك بهذا الحديث و قد عرضته و سمعته على ما كتبت به اليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الانصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن ابيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم و حدثنيه ابو الاسود عن عاصم بن لقيط ان لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله و معه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط فخرجت انا و صاحبي حتى قدمنا على رسول الله حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال الا ايها الناس اني قد خبات لكم صوتي منذ اربعة ايام الا لاسمعنكم الا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له اعلم لنا ما يقول رسول الله الا ثم لعله ان يلهيه حديث نفسه او حديث صاحبه او يلهيه الضلال الا اني مسئول الا هل بلغت الا اسمعوا تعيشوا الا اجلسوا الا اجلسوا قال فجلس الناس و قمت انا و صاحبي حتى اذا فرغ لنا فؤاده و بصره قلت يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله و هز رأسه و علم اني ابتغي سقطه فقال ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله و اشار بيده قلت و ما هي قال علم المنية قد علم متى منية احدكم و لا تعلمونه و علم ما في غد ما انت طاعم غدا و لا تعلمونه و علم يوم الغيث يوم يشرف عليكم اذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم ان غيركم إلى القريب قال لقيط قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا و علم يوم الساعة قلت يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فانا من قبيل لا يصدقون تصديقنا احد من مذحج التي تربوا علينا و خثعم التي توالينا و عشيرتنا التي نحن منها قال تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر الهك لا تدع على ظهرها شيئا الا مات و الملائكة الذين مع ربك عز و جل فاصبح ربك يطوف في الأرضين و خلت عليه البلاد فارسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل و لا مدفن ميت الا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم و لعهده بالحياة عشية تحسبه
حديثنا بأهله فقلت يا رسول الله كيف كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح و البلى و السباع فقال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الأرض اشرفت عليها و هي مدرة بالية فقلت لا تحيا ابدا ثم ارسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك الا اياما حتى اشرفت عليها و هي شرية واحدة و لعمر الهك لهو اقدر على ان يجمعهم من الماء على ان يجمع نبات الأرض فيخرجون من الاضواء و من مصارعهم فتنظرون اليه و ينظر اليكم قال قلت يا رسول الله فكيف و نحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر الينا و ننظر اليه قال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الشمس و القمر اية منه صغيرة ترونها و يريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما و لعمر الهك لهو اقدر على ان يراكم و ترونه منها قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا اذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فياخذ ربك عز و جل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر الهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فاما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء و أما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الاسود الا ثم ينصرف نبيكم رسول الله و ينصرف على اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطا احدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أو إنه فيطلعون على حوض الرسول على اظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده الا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف و البول و الاذى و تحبس الشمس و القمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فبم نبصر قال بمثل بصرك ساعتك هذه و ذلك من طلوع الشمس في يوم اشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال الحسنة بعشر امثالها و السيئة بمثلها الا ان يعفو قال قلت يا رسول الله ما الجنة ما النار قال لعمر الهك ان للنار سبعة ابواب ما منهن بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما و ان للجنة ثمانية ابواب ما منهن
بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله فعلا ما نطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى و انهار من كاس ما بها من صداع و لا ندامة و انهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و بفاكهة لعمر الهك مما تعدون و خير من مثله معه وازواج مطهرة قلت يا رسول الله و لنا فيها ازواج او منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا و يلذذن بكم غير ان لا توالد قال لقيط فقلت اقصي ما نحن بالغون و منتهون اليه فلم يجبه النبي فقلت يا رسول الله علاما ابايعك فبسط النبي يده و قال على اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و ان لا تشرك بالله الها غيره قال قلت و ان لنا ما بين المشرق و المغرب فقبض النبي يده و بسط اصابعه و ظن اني مشترط شيئا لا يعطينه قال قلت نحن منهما حيث شئنا و لا يجبني على امرئ الا نفسه فبسط يده و قال ذلك لك تحل حيث شئت و لا يجني عليك الا نفسك قال فانصرفنا و قال هذان ذين ها ان ذين لعمر الهك ان حدثت الا انهما من اتقى الناس في الاولى و الاخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا و اقبلت عليه فقلت يا رسول الله هل لاحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال رجل من عرض قريش و الله ان اباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي و وجهي و لحمي مما قال لابي على رؤوس الناس فهممت ان اقول و ابوك يا رسول الله ثم اذا الاخرى اجمل فقلت يا رسول الله و أهلك قال و أهلي لعمر الله ما اتيت عليه من قبر عامري او قرشي من مشرك فقل ارسلني اليك محمد فابشرك بما يسوءك تجر على وجهكم و بطنك في النار قال قلت يا رسول الله ما فعل الله بهم ذلك و قد كانوا على عمل لا يحسنون الا اياه و كانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بان الله عز و جل بعث في اخر كل سمع امم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين و من اطاع نبيه كان من المهتدين هذا حديث كبير مشهور و لا يعرف الا من حديث ابي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه و هما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الامام محمد بن اسماعيل البخاري و روى عنهما في مواضع من كتابه رواه ائمة الحديث في كتبهم منهم ابو عبد الرحمن بن عبد الله بن
الامام احمد و ابو بكر احمد بن عمرو بن ابي العاصم و ابو القاسم الطبراني و ابو الشيخ الحافظ و ابو عبد الله بن منده و الحافظ و ابو بكر احمد بن موسى بن مردويه و الحافظ ابو نعيم الاصفهاني و غيرهم على سبيل القبول و التسليم قال الحافظ ابو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن اسحاق الصنعاني و عبد الله بن احمد بن حنبل و غيرهما و قراؤه بالعراق بمجمع العلماء و أهل الدين فلم ينكره احد منهم و لم يتكلم في اسناده و كذلك ابو زرعة و ابو حاتم على سبيل القبول و قال ابو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور و سألت شيخنا ابا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة و قال نفاة الايلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة و قوله اذا اشتهى معلق بالشرط و لا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به واذا و ان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الاعم من المحقق و غيره قالوا و في هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه احدها حديث ابن رزين الثاني قوله تعالى و لهم فيها ازواج مطهرة و هن اللاتي طهرن من الحيض و النفاس و الاذى قال سفيان انبأنا ابن ابي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض و الغائط و البول و النخام و البصاق و المني و الولد و قال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء ازواج مطهرة قال من الولد و الحيض و الغائط و البول الثالث قوله غير انه لا مني و لا منية و قد تقدم و الولد انما يخلق من ماء الرجل فاذا لم يكن هناك مني و لا مذي و لا نفخ في الفرج لم يكن هناك ايلاد الرابع انه قد ثبت في الصحيح عن النبي انه قال يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم اياها و لو كان في جنة ايلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم الخامس ان الله سبحانه جعل الحمل و الولادة مع الحيض و المنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض و الانزال السادس تن الله سبحانه و تعالى قدر التناسل في الدنيا لانه قدر الموت و اخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن و جعل لهم امدا ينتهون اليه فلولا التناسل لبطل النوع الانساني و لهذا الملائكة لا تتناسل فانهم لا يموتون كما تموت الانس و الجنم فاذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه و تعالى الناس كلهم من الأرض و انشاهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الانساني اذ هو منشأ للبقاء و الدوام فلا أهل الجنة يتناسلون و لا أهل النار
السابع انه سبحانه و تعالى قال و الذين امنوا واتبعناهم ذرياتهم بايمان الحقنا بهم ذرياتهم فاخبر سبحانه انه يكرمهم بالحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا و لو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية اخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة اعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من اهل الدنيا الثامن انه اما ان يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية او إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل الى القول به لاستلزام الاول اجتماع اشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال و لا يمكن ان يقال بتناسل بموت معه نسل و يخلفه نسل اذ لا موت هناك التاسع ان الجنة لا ينموا فيها الانسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون و يكبرون و لا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون و هؤلاء ابناء ثلاث و ثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا و معلوم ان من مات من الاطفال يردون ابناء ثلاث و ثلاثين من غير نمو يوضحه الوجه العاشر ان الله سبحانه و تعالى ينشئ أهل الجنة نشاة الملائكة او اكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون و لا يتغوطون و لا ينامون و يلهمون التسبيح و لا يهرمون على تطاول الاحقاب و لا تنموا ابداهنهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم ابدا و الله اعلم فهذا ما في المسالة فاما قول بعضهم ان القدرة صالحة و الكل ممكن و قول اخرين ان الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل و امثال هذه المباحث فرخيصة و هي في كتب الناس و بالله التوفيق قال الحاكم قال الاستاذ ابو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة و قد روى فيه غير اسناد و سئل النبي عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه و تعالى يقول و فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و ليس بالمستحيل ان يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين و ثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بازواج مطهرة فان قيل ففي الحديث انهن لا يحضن و لا ينفسن فاين يكون الولد قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة و الوضع عليه كما ان جميع بلاد الدنيا من المشارب و المطاعم و الملابس على ما عرف من التعب و النصب و ما يعقبه كل منهما مما يحذر منه و يخاف من عواقبه
و
هذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد اعدها الله تعالى لأهل الجنة
منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز ان يكون على مثله الولد انتهى كلامه قلت
النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم و لكن لحديث ابي رزين غير ان لا
توالد و قد حكينا من قول عطاء و غيره انهن مطهارات من الحيض و الولد و قد حكى
الترمذي عن أهل العلم من السلف و الخلف في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم
من السلف و الخلف في ذلك قولين و حكى قول ابي اسحق بانكاره و قال ابو امامة في
حديثه غير ان لا مني و لا منية و الجنة ليست دار تناسبل بل دار بقاء و خلد لا يموت
من فيها فيقوم نسله مقامه و حديث ابي سعيد الخدري هذا اجود اسانيده اسناد الترمذي
و قد حكم بغرابته و انه لا يعرف الا من حديث ابي الصديق الناجي و قد اضطرب لفظه
فتارة يروى عنه اذا اشتهى الولد و تارة انه ليشتهي الولد و تارة ان الرجل من أهل
الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه و
هذه الالفاظ لا تنافي بينها و لا تناقض و حديث ابي رزين غير ان لا توالد اذ ذاك
نفى للتوالد المعهود في الدنيا و لا ينفي ولادة حمل الولد فيها و وضعه و سنه و
شبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى اليه علمنا القاصر في هذه المسالة و قد اتينا
فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب و الله اعلم
الباب السابع و الخمسون
في ذكر سماع الجنة و غناء الحور العين و ما فيه من الطرب و اللذة
قال تعالى و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فاما اللذين امنوا و عملوا الصالحات
فهم في روضة يحبرون قال محمد بن جرير حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عامر بن
نساف قال سالت يحيى بن ابي كثير عن قوله عز و جل فهم في روضة يحبرون قال الحبرة
اللذة و السماع حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن الاوزاعي
عن يحيى بن ابي كثير في قوله يحبرون قال السماع في الجنة و لا يخالف هذا قول ابن
عباس يكرمون و قال مجاهد و قتادة ينعمون فلذة الاذن بالسماع من الحبرة و النعيم و
قال الترمذي حدثنا هناد و احمد بن منيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان
بن سعد عن علي قال قال رسول الله ان في الجنة
لمجتمعا للحور العين يرفعن باصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا و كنا له و في الباب عن ابي هريرة و ابي سعيد وانس و حديث على حديث غريب قلت و في الباب عن ابن ابي اوفى و ابي امامة و عبد الله بن عمر ايضا فاما حديث ابي هريرة فقال جعفر الفريابي حدثنا سعد بن حفص حدثنا محمد بن مسلمة عن ابي عبد الرحمن عن زيد بن ابي انيسة عن المنهال بن عمرو عن ابي صالح عن ابي هريرة قال ان في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها فقلنا يا ابا هريرة و ما ذاك الغناء قال ان شاء الله التسبيح و التحميد و التقديس و ثناء على الرب عز و جل هكذا رواه موقوفا و روى لابو نعيم في صفة الجنة من حديث مسلمة ابن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن ابي هريرة قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة جذوعها من ذهب و فروعها من زبرجد و لؤلؤ فتهب لها ريح فيصطفقن فما سمع السامعون بصوت شيء قط الذ منه و اما حديث انس فقال ابو نعيم انبانا عبد الله بن جعفر حدثنا اسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن ابراهيم حدثنا ابن ابي فديك عن ابن ابي ذئب عن عون بن الحطاب عن عبد الله بن رافع عن ابي الاسن عن انس قال قال رسول الله ان الحور العين يغنين في الجنة يقلن نحن الحور الحسان خلقن لازواج كرام و رواه ابن ابي الدنيا حدثنا ابو خيثمة حدثنا اسماعيل بن عمر حدثنا ابن ابي ذئب عن ابي عبد الله بن رافع عن بعض ولد انس فذكره و اما حديث ابن ابي اوفى فقال ابو نعيم حدثنا محمد بن جعفر من اصله حدثنا موسى بن هارون حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا الوليد بن ابي ثور و حدثني سعد الطائي عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن ابي اوفى قال قال رسول الله يزوج كل واحد من أهل الجنة اربعة الاف بكر و ثمانية الاف ايم و مائة حوراء فيجتمعن في كل سبعة ايام فيقلن باصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط و نحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا و كنا له و اما حديث ابي امامة فقال جعفر
الفريابي
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد عن ابي مالك عن ابيهخ عن خالد بن
معدان عن ابي امامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة الا و يجلس عند راسه و
عند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه باحسن صوت سمعه الانس و الجن و ليس
بمزامير الشيطان و اما حديث ابن عمر فقال الطبراني حدثنا ابو رفاعة عمارة بن وثيمة
بن موسى بن الفرات المصري حدثنا سعيد بن ابي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن ابي كثير
عن زيد ابن اسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله ان ازواج أهل الجنة ليغنين لازواجهن
باحسن اصوات ما سمعها احد قط ان مما يغنين به نحن الخيرات الحسان ازواج قوم كرام
ينظرون بقرة اعين و ان مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه
نحن المقيمات فلا نظعنه قال الطبراني لم يروه عن زيد بن اسلم الا محمد تفرد به بن
ابي مريم و قال ابن وهب حدثني سعيد ابن ابي ايوب قال و قال رجل من قريش لابن شهاب
هل في الجنة سماع فانه حبب الي السماع فقال أي و الذي نفس ابن شهاب بيده ان في
الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ و الزبرجد تحته جوار ناهدات يتغنين بالوان يقلن نحن
الناعمات فلا نبأس و نحن الخالدات فلا نموت يتغنين بالوان فاذا سمع ذلك الشجر صفق
بعضه بعضا فاجبن الحواري فلا ندري اصوات الحواري احسن ام اصوات الشجر قال ابن وهب
و حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد ان الحور العين يغنين ازواجهن فيقلن نحن
الخيرات الحسان ازواج شباب كرام و نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس
ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نطعن في صدر احداهن مكتوب انت حبي و انا
حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيناني مثلك و قال ابن المبارك حدثنا الاوزاعي حدثنا
يحيى بن ابي كثير ان الحور العين يتلقين اوزواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طالما
انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط و المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن
اصوات و تقول انت حبي و انا حبك ليس دونك مقصر و لا وراءك معد فصل و لهم سماع اعلى
من هذا
قال ابن ابي الدنيا حدثني دهثم بن الفضل القرشي حدثنا
الاوزاعي قال بلغني انه ليس من خلق الله احسن صوتا من اسرافيل فيامره الله تبارك و تعالى فياخذ في السماع فما يبقى ملك في السماوات الا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله ان يمكث فيقول الله عز و جل و عزتي و جلالي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري و حدثني داود بن عمر الضيبي حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مالك بن انس عن محمد بن المنكدر قال اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا ينزهون اسماعهم و انفسهم عن مجالس اللهو و مزامير الشيطان اسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي و تحميدي و قال ابن ابي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثني عبد الله بن ابي بكر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن مآب قال اذا كان يوم القيامة امر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان فذلك قوله تعالى و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب و ذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني و حجاج الاسود عن شهر بن حوشب قال ان الله جل ثناؤه يقول للملائكة ان عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فاسمعوا عبادي فياخذوا باصوات من تهليل و تسبيح و تكبير لم يسمعوا بمثله قط و قال عبد الله بن الامام احمد في كتاب الزهد لابيه حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثني سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب قال يقيم الله سبحانه داود عند ساق العرش فيقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم فيقول الهي كيف امجدك و قد سلبتنيه في دار الدنيا قال فيقول الله عز و جل فاني ارده عليك قال فيرده عليه فيزداد صوته قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة و قال ابن ابي الدنيا حدثنا مسلم بن ابراهيم الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الاوزاعي عن عبيدة بن ابي لبابة قال ان في الجنة شجرة ثمرها زبرجد و ياقوت و لؤلؤ فيبعث الله ريحا فتصفق فتسمع لها اصوات لم يسمع الذ منها حدثنا أبو بكر بن يزيد وابراهيم بن سعيد قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا رفعة بن صالح عن سلمة بن زهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك
الشجرة
بكل لهو كان في الدنيا حدثنا ابراهيم بن سعيد حدثنا ابراهيم بن سعيد حدثنا علي بن
عاصم حدثني سعيد بن سعيد الحارثي قال حدثت ان في الجنة اجاما من قصب من ذهب حملها
اللؤلؤ فاذا اشتهى أهل الجنة يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الاجام ريحا
فتاتيهم بكل صوت يشتهونه فصل
و لهم سماع اعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع و ذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله و
خطابه و سلامه عليهم و محاضرته لم و يقرا عليهم كلامه فاذا سمعوه منه فكانهم لم
يسمعوه قبل ذلك و سيمر بك ايها السني من الاحاديث الصحاح و الحسان في ذلك ما هو من
احب سماع لك في الدنيا و الذ لاذنك و اقر لعينك اذ ليس في الجنة لذة اعظم من النظر
الى وجه الرب تعالى و سماع كلامه منه و لا يعطى أهل الجنة شيئا احب اليهم من ذلك و
قد ذكر ابو الشيخ عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة قال ان أهل الجنة يدخلون
كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرا عليهم القران و قد جلس كل امرئ منهم مجلسه
الذي هو مجلسه على منابر الدر و الياقوت و الزبرجد و الذهب و الزمرد فلم تقر
اعينهم بشيء و لم يسمعوا شيئا قط اعظم و لا احسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين
قريرة اعينهم الى مثلها من الغد
الباب الثامن و الخمسون
في ذكر مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم
قال الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابيه ان رجلا سال النبي فقال يا رسول الله هل
في الجنة من خيل قال ان ادخلك الله الجنة فلا تشاء ان تحمل فيها على فرس من ياقوتة
حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت قال و سأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من
ابل قال فلم يقل ما قال لصاحبه قال ان ادخلك الله الحنه يكن لك فيها ما اشتهت نفسك
و لذت عينك حدثنا سويد بن نصر انبانا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن
مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي نحوه
بمعناه و هذا اصح من حديث المسعودي حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الاحمسي حدثنا ابو معاوية عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب قال اتى النبي اعرابي فقال يا رسول الله اني احب الخيل افي في الجنة خيل قال رسول الله اذا دخلت الجنة اتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت قال الترمذي هذا حديث اسناده ليسي بالقوي و لا نعرفه من حديث ابي ايوب الا من هذا الوجه و ابو سورة هو ابن اخي ابي ايوب يضعف في الحديث ضعفه ابن معين جدا و سمعت محمد بن اسماعيل يقول ابو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن ابي ايوب لا يتابع عليه قلت اما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة فمرة يقول عن سليمان بن بريدة عن ابيه و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن عهمير بن ساعدة قال كنت احب الخيل فقلت هل في الجنة خيل يا رسول الله و مرة يقول قال رجل من الانصار يقال له عمير بن ساعدة يا رسول الله و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي و الترمذي جعل هذا اصح من حديث المسعودي لان سفيان احفظ منه و اثبت و قد رواه ابو نعيم من حديث علقمة هذا فقال عن ابي صالح عن ابي هريرة ان اعرابيا قال يا رسول الله افي الجنة ابل قال يا اعرابي ان يدخلك الله الجنة رايت فيها ما تشتهي نفسك و تلذ عينك و رواه أيضا من حديث علقمة عن يحيى ابن اسحق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة قال قال رسول الله و ذكر الجنة فقال و الفردوس اعلاها سموا و اوسعها منه محلا و منها تفجر انهار الجنة و عليها يوضع العرش يوم القيامة فقام إليه رجل فقال يا رسول الله اني رجل حبب الي الخيل فهل في الجنة خيل قال أي و الذي نفسي بيده ان في الجنة لخيلا و ابلا هفافة تزف بين خلال ورق الجنة يتزاورون عليها حيث شاؤوا فقام اليه رجل فقال يا رسول الله اني حبب الي الابل و ذكر الحديث و اما حديث ابي سورة فلا يعرف الا من حديث واصل بن السائب عنه لم يروه عنه غيره و غير يحيى بن جابر الطائي و قد اخرج له ابو داود حديث ستفتح عليكم الامصار و تجندون اجنادا و اخرج له ابن ماجة عن ابي ايوب رايت النبي توضا فخلل لحيته و حديثا اخر في تفسير قوله تعالى حتى تستانسوا و اخرج له الترمذي حديث خيل الجنة فقط و رواه ابو نعيم من حديث جابر بن نوح عن واصل به و قال ان أهل الجنة ليتزاورون
على
نجائب بيض كانها الياقوت و ليس في الجنة من البهائم الا الخيل و الابل و قال ابو
الشيخ حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان ابن معاوية عن ابي
الحكم عن ابي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله عن النبي قال اذا دخل أهل
الجنة الجنة جائتهم خيول من ياقوت احمر لها اجنحة لا تبول و لا تروث فقعدوا عليها
ثم طارت بهم في الجنة فيتجلى لهم الجبار فاذا راوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار
تعالى ارفعوا رؤوسكم فان هذا ليس يوم عمل انما هو يوم نعيم و كرامة فيرفعون رؤوسهم
فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا
فتهيجها عليهم حتى انهم ليرجعوا الى أهليهم و انهم لشعث غبر و قال عبد الله بن
المبارك حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن عمرو و قال في الجنة عتاق الخيل و
كرائم النجائب
الباب التاسع و الخمسون
في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا و تذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا
قال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ائنك
لمن المصدقين ائذا متنا و كنا ترابا وعظاما ائنا لمدينون قال هل انتم مطلعون فاطلع
فراه في سواء الجحيم قال تالله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين
فاخبر الله سبحانه و تعالى ان أهل الجنة اقبل بعضهم على بعض يتحدثون و يسأل بعضهم
بعضا عن احوال كانت في الدنيا فافضت بهم المحادثة و المذاكرة الى ان قال قائل منهم
اني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث و الدار الاخرة و يقول ما حكاه الله عنه
يقول ائنك لمن المصدقين بانا نبعث و نجازى باعمالنا و نحاسب بها بعد ان مزقنا
البلى و كنا ترابا و عظاما ثم يقول المؤمن لاخوانه في الجنة هل انتم مطلعون في
النار لننظر منزلة قريني هذا و ما صار اليه هذا اظهر الاقوال و فيها قولان اخران
احدهما ان الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضا هل انتم مطلعون
رواه عطاء عن ابن عباس و الثاني انه من قوله الله عز و جل لأهل الجنة يقول لهم هل
انتم مطلعون والصحيح القول الاول و ان هذا قول المؤمن لاصحابه و محادثيه و السياق
كله و الاخبار عنه و عن حال قرينه قال كعب بين الجنة و النار كوى فاذا اراد المؤمن
ان ينظر الى عدو كان له في الدنيا
اطلع من بعض تلك الكوى و قوله فاطلع أي اشرف قال مقاتل لما قال لأهل الجنة هل انتم مطلعون قالوا له انت اعرف به منا فاطلع انت فاشرف فراى قرينه في سواء الجحيم و لولا ان الله عرفه اياه لما عرفه لقد تغير وجهه و لونه و غيره العذاب اشد تغيير فعندها قال الله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أي ان كدت لتهلكني ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك في العذاب و قال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا انا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم و قال الطبراني حدثنا الحسن ابن اسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله ايتزاور أهل الجنة قال يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى الا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاؤوا على النوق محتقبين الحشايا و قال الدورقي حدثنا ابو سلمة التبوذكي حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بلغنا ان أهل الجنة يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى و قد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن اسحاق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة رضي الله عنه و قال الطبراني حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب يرفعه ان أهل الجنة يتزاورون على النجائب و قد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها و يستزير بعضهم بعضا و بذلك تتم لذتهم و سرورهم و لهذا قال حارثة للنبي و قد ساله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال ان لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمات نهاري و كاني انظر الى عرش ربي بارزا و الى أهل الجنة يتزاورون فيها والى أهل النار يعذبون فيها فقال عبد نور الله قلبه و قال ابن ابي الدنيا حدثنا عبد الله حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن انس قال قال رسول الله اذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الاخوان بعضهم الى بعض قال فيسير سرير هذا الى سرير هذا وسرير هذا الى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيقول احدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا و كذا فدعونا الله
فغفر لنا قال و حدثني حمزة بن العباس انبانا عبد الله بن عثمان انبانا ابن المبارك انبانا اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا و النجب و انهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز و جل فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رات و لا اذن سمعت فيقولون امطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق امانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن ايمانهم و عن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم و في مفارقهم و في رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك اللجام و في الخيل و فيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا الى ما شاء الله تعالى فاذا المراة تنادي بعض اولئك يا عبد الله اما لك فينا حاجة فيقول ما انت و من انت فتقول انا زوجتك و حبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة او ما علمت ان الله قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا لا يلتفت و لا يعود ما يشغله عنها الا ما هو فيه من النعيم و الكرامة حدثني حمزة انباني عبد الله بن عثمان انبانا بن المبارك انبانا رشدين ابن سعد قال حدثني ابن انعم ان ابا هريرة قال ان أهل الجنة ليتزاورون على العيس الجون عليها رحال الميس تثير مناسمها غبار المسك خطام او زمام احدها خير من الدنيا و ما فيها و ذكر ابن ابي الدنيا من حديث ابي اليمان حدثنا اسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن ابيه عن ابي هريرة عن النبي انه سال جبريل عن هذه الاية و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الارض الا من شاء الله قال هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين اسيافهم حول عرشه فاتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت ازمتها الدر الابيض برحال الذهب اعناقها السندس و الاستبرق و نمارقها الين من الحرير مد خطاها مد ابصار الرجال يسيرون في الجنة على خيول يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه يضحك الله اليهم و اذا ضحك الله الى عبد في موطن فلا حساب عليه قال ابن ابي الدنيا و حدثنا الفضل بن جعفر
ابن
حسن حدثنا ابي عن الحسن بن علي عن علي قال سمعت رسول الله يقول أن في الجنة لشجرة
يخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در و ياقوت لا تروث و
لا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين
اسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في
الليل و كنتم تنامون و كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و
كانوا يقاتلون و كنتم تجبنون فصل
و لهم زيارة أخرى أعلى من هذه و اجل و ذلك حين يزورون ربهم تبارك و تعالى فيريهم
وجهه و يسمعهم كلامه و يحل عليهم رضوانه و سيمر بك ذكر هذه الزيارة عن قرب ان شاء
الله تعالى
الباب الستون في ذكر سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها قال
مسلم في صحيحه حدثنا سعيد بن عبد الجبار الصيرفي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت
البناني عن انس بن مالك ان رسول الله قال ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب
ريح الشمال فتحثو في وجوههم و ثيابهم فيزدادون حسنا و جمالا فيرجعون الى أهليهم و
قد ازدادوا حسنا و جمالا فيقول لهم أهلوهم و الله لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا
فيقولون و الله و انتم لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا رواه الامام احمد في مسنده
عن عفان عن حماد بن سلمة و قال فيها كثبان المسك فاذا خرجوا اليها هبت الريح و قال
ابن ابي عاصم في كتاب السنة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن ابي
العسر عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب انه لقي ابا هريرة فقال ابو
هريرة اسال الله ان يجمع بيني و بينك في سوق الجنة فقال سعيد او فيها سوق قال نعم
اخبرني رسول الله ان أهل الجنة اذا دخلوها نزلوها بفضل اعمالهم فيؤذن لهم في مقدار
يوم الجمعة عن ايام الدنيا فيزورون الله تبارك و تعالى فيبرز لهم عرشه و يتبدى لهم
في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و
منابر من ياقوت
و منابر من ذهب و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيها دنى على كثبان المسك و الكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى افلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك و تعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الأذان و لم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه و لا يشترى و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس و الهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه احسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا و أهلا بحبنا لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب افضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل و بحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا و رواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار و ليس في هذا الإسناد من ينظر فيه إلا عبد الحميد بن حبيب و هو كاتب الاوزاعي فلا ننكر عليه تفرده عن الاوزاعي بما لم يروه غيره و قد قال الإمام احمد و أبو حاتم الرازي هو ثقة و أما دحيم و النسائي فضعفاه و لا نعرف أنه حدث عن غير الاوزاعي و الترمذي قال في هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت و قد رواه ابن أبي الدنيا عن الحكم بن موسى حدثنا هقل بن زياد عن الاوزاعي قال نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكره و قال الترمذي حدثنا أحمد بن صنيع حدثنا أبو معاوية أنبانا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي بن ابي طالب قال قال رسول الله إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء و لا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها قال هذا حديث غريب و قال عبد الله بن المبارك أنبانا سليمان التيمي
عن
انس بن مالك قال يقول أهل الجنة انطلقوا إلى السوق فينطلقون إلى كثبان المسك فإذا
رجعوا إلى أزواجهم قالوا أنا لنجد لكن ريحا ما كانت لكن قال فيقلن لقد رجعتم بريح
ما كانت لكم إذ خرجتم من عندنا قال ابن المبارك و أنبانا حميد الطويل عن انس بن
مالك قال إن في الجنة سوقا كثبان مسك يخرجون إليها و يجتمعون إليها فيبعث الله
ريحا فتدحلها بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم قد ازددتم حسنا بعدنا
فيقولون لأهليهم قد ازددتم أيضا بعدنا حسنا و قال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي
المعروف بمطين حدثنا احمد بن محمد بن طريف البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير
حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال خرج
علينا رسول الله و نحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع
فيها و لا يشترى إلا الصور من احب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها و الله أعلم
الباب الحادي و الستون
في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك و تعالى
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى
بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن
عمير أنه سمع انس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكانت إلى النبي فقال
النبي ما هذه قال الجمعة فضلت بها أنت و أمتك فأناس لكم فيها تبع اليهود و النصارى
و لكم فيها خير و فيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له و هو
عندنا يوم المزيد قال النبي يا جبريل و ما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس
واديا افيح فيه كثب المسك فإذا كان يوم القيامة انزل الله تبارك و تعالى ما شاء من
ملائكته و حوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين و حف تلك المنابر بمنابر من ذهب
مكللة بالياقوت و الزبرجد عليها الشهداء و الصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك
الكثب فيقول الله تبارك و تعالى أنا ربكم قد صدقتم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا
نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم و لكم علي ما تمنيتم و لدي مزيد فهم يحبون يوم
الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير و هو اليوم الذي
استوى فيه ربكم على العرش و فيه خلق آدم عليه الصلاة و السلام و فيه تقوم الساعة و لهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إن شاء الله تعالى و روى أبو نعيم من حديث شيبان بن خيبر بن فرقد عن الحسن عن أبي برزة الاسلمي عن النبي قال إن أهل الجنة ليغدون في حلة و يروجون في أخرى كغدو أحدكم و رواحه إلى ملك من ملوك الدنيا كذلك يغدون و يروحون إلى زيارة ربهم عز و جل و ذلك لهم بمقادير و معالم يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم عز و جل قال و روى جعفر بن حسن بن فرقد عن أبيه مثله و ذكر أبو نعيم أيضا من حديث أبي اسحاق عن الحارث عن علي قال إذا سكن أهل الجنة الجنة اتاهم ملك فيقول لهم ان الله تبارك و تعالى يامركم ان تزوروه فيجتمعون فيامر الله تبارك و تعالى داود عيله السلام فيرفع صوته بالتسبيح و التهليل ثم يوضع مائدة الخلد قالوا يا رسول الله و ما مائدة الخلد قال زاوية من زواياه اوسع مما بين المشرق و المغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز و جل فيتجلى لهم فيخرون سجدا فيقال لهم لستم في دار عمل انما انتم في دار جزاء و قال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو موسى اسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي قال حدثني أبو الياس قال حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال قال رسول الله حدثني أبو نعيم حدثنا محمد ابن علي بن حنيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا احمد بن يونس حدثنا المعافى بن عمران و كان من خيار الناس قال حدثني إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن محمد بن علي قال إدريس ثم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الجواد الراكب ان يسير في ظلها لسار فيها مائة عام ورقها برود خضر و زهرها رياض صفر و اقنابها سندس و استبرق و ثمرها حلل و صمغها زنجبيل و عسل و بطحاؤها ياقوت احمر و زمرد أخضر و ترابها مسك و حشيشها زعفران منيع و إلا لنجوج يؤججان من غير وقود و يتفجر من اصلها انهار و السلسبيل و المعين و الرحيق و ظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه و متحدث يجمعهم فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبن جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة و حسنا وبرها خز أحمر و مرزعي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها
عليها رجائل الواحها من الدر و الياقوت مفصصة باللؤلؤ والمرجان و صفافها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري و الأرجوان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم إن ربكم تبارك و تعالى يقرئكم السلام و يستزيركم لتنظروا اليه وينظر اليكم و تحيونه و يحييكم و يكلمكم وتكلمونه و يزيدكم من سعته و فضله أنه ذو رحمة واسعة و فضل عظيم فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوق منه شيء شيئا ولا يقرب اذن الناقة اذن صاحبتها و لا تركب ناقة بركت صاحبتها و لا يمرون بشجر من اشجار الجنة إلا اتحفتهم بثمرها و رحلت لهم بمن طريقهم كراهية ان ينثلم صفهم أو يفرق بين الرجل و رفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تبارك و تعالى اسفر لهم عن وجهه الكريم و تجلى لهم في عظمته العظيمة فقالوا ربنا أنت السلام و منك السلام و لك حق الجلال و الاكرام فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني السلام و مني السلام و لي حق الجلال و الإكرام مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي و راعوا عهدي و خافوني بالغيب و كانوا مني على كل حال مشفقين قالوا و عزتك و جلالك و علو مكانك ما قدرناك حق قدرك و ما ادينا اليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني قد وضعت عنكم مؤنة العباد و ارحت لكم ابدانكم فلطالما ما اتعبتم لي الابدان و اعنيتم لي الوجوه فالان افضيتم إلى روحي و رحمتي و كرامتي فاسئلوني ما شئتم و تمنوا على علي اعطكم أمإنيكم فإني لن اجزيكم اليوم بقدر اعمالكم و لكن بقدر رحمتي و كرامتي و طولي و جلالي و علو مكاني و عظمة شأني فلا يزالون في الأمإني و العطايا و المواهب حتى ان المقتصر من امنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز و جل إلى يوم افناها فقال لهم ربهم عز و جل لقد قصرتم في أمإنيكم و رضيتم بدون ما يحق لكم فقد اوجبت لكم ما سألتم و تمنيتم و الحقت بكم ذريتكم و زدتكم ما قصرت عنه أمانيكم و لا يصح رفعه إلى النبي و حسبه ان يكون من كلام محمد بن علي فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء فجعله من كلام النبي عليه الصلاةو السلام و إدريس بن سنان هذا هو سبط وهب بن منبه ضعفه ابنم عدي و قال الدار قطني متروك و أما أبو الياس المتابع له فلا يدري من هو و أما القاسم بن يزيد الموصلي الراوي عنه فمحمول أيضا و مثل هذا لا يصح رفعه و الله أعلم و قال الضحاك في قوله عز و جل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال على النجائب عليها الرحال
الباب
الثاني و الستون
في ذكر السحاب و المطر الذي يصيبهم في الجنة
قد تقدم في حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم
طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط و قال بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن
معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد ان تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا
تريدون ان أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا و قال ابن أبي الدنيا حدثني ازهر بن
مروان حدثنا عبد الله بن عبد الله الشيبإني عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن صفي
اليماني قال سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل الجنة انهم يفدون إلى الله
سبحانه و تعالى كل يوم خميس فتوضع لهم اسرة كل إنسان منهم اعرف بسريره منك بسريرك
هذا الذي أنت عليه فإذا قعدوا عليه و اخذ القوم مجالسهم قال تعالى اطعموا عبادي و
خلقي و جيراني و وفدي فيطعموا ثم يقول اسقوهم قال فيأتون إنية من الوان شتى مختمة
فيشربون منها ثم يقول عبادي و خلقي و جيراني و وفدي قد طعموا و شربوا فكهوهم فتجيء
ثمرات شجر تدلى فيأكلون منها ما شاؤا ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدى قد طعموا
وشربوا وفكهوا اكسوهم فتجيء ثمرات شجر اصفر و أخضر و أحمر و كل لون لم تنبت إلا
الحلل فتنشر عليهم حللا و قمصا ثم يقول عبادي و خلقي و جيرإني و وفدي قد طعموا و
شربوا و فكهوا و كسوا طيبوهم فيتناثرون عليهم المسك مثل رذاذا المطر ثم يقول عبادي
وجيراني وخلقي ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا لاتجلين لهم حتى ينظروا
الي فإذا تجلى لهم فنظروا إليه نضرت وجوههم ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فتقول
لهم أزواجهم خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك ان الله جل
ثناؤه تجلى لنا فنظرنا إليه فنضرت وجوهنا و قال عبد الله بن المبارك أنبانا
اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع
ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا والنجب وانهم
يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول يركبونها حتى ينتهوا حيث شاء
الله فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت فيقولون أمطري علينا
فما
يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف
كثبانا من مسك عن ايمانهم وعن شمائلهم فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي
مفارقها وفي رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك
الجمام و في الخيل و فيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله
من فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا من حاجة فيقول ما أنت ومن
أنت فتقول أنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة أو ما تعلم ان
الله و تعالى قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا ما يشغله عنها إلا
ما هو فيه من النعيم فصل
و قد جعل الله سبحانمه و تعالى السحاب و ما يمطره سببا للرحمة و الحياة في هذه
الدار و يجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم حيث يمطر على الأرض اربعين صباحا مطرا
متداركا من تحت العرش فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع و يبعثون يوم القيامة و
السماء تطش عليهم و كأنه و الله أعلم اثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا و
يثير لهم سحابا في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب و غيره و كذلك أهل النار ينشئ لهم
سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم كما أنشأ لقوم هود وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم
عذابا أهلكهم فهو سبحانه ينشئه للرحمة و العذاب
الباب الثالث و الستون
في ذكر ملك الجنة و ان أهلها كلهم ملوك فيها
قال تعالى و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ملكا
كبيرا قال عظيما و قال استئذان الملائكة عليهم لا تدخل الملائكة عليهم إلا باذن و
قال كعب في قوله تعالى و إذا رأيت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا يرسل اليهم ربهم
الملائكة فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم الملائكة و قال بعضهم الخدم و لا يدخل
عليهم الملائكة إلا باذن و قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكب
أهل الجنة ثم تلا و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا و قال ابن أبي الحواري
سمعت أبا سليمان يقول في قوله عز و جل و إذا رأيت
ثم رأيت نعيما و ملكا كبيرا قال الملك الكبير ان رسول الله يأتيه بالتحفة و اللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن له عليه فيقول للحاجب استاذن على ولى الله فإني لست اصل إليه فيعلم ذلك الحاجب حاجبا اخر و حاجبا بعد حاجب و من داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا اذن فالملك الكبير ان رسول الله رسول رب العزة لا يدخل عليه إلا باذن و هو يدخل على ربه بلا اذن و قال ابن أبي الدنيا حدثنا صالح بن مالك حدثنا صالح المري حدثنا يزيد الرقاشي عن انس بن مالك يرفعه ان اسفل اهل الجنة اجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة الاف خادم حدثنا محمد بن عباد بن موسى انبأنا زيد بن الحباب عن أبي هلال الراسبي انبأنا الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ليس فيهم دنيء من يغدو عليه كل يوم و يروح خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادم إلا و معه طرفة ليست مع صاحبه و حدثني محمد بن عباد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي هلال حدثنا حميد بن هلال قال ما من رجل من أهل الجنة إلا و له ألف خازن ليس منهم خازن الاعلى عمل ليس عليه صاحبه و حدثني هارون بن سفيان انبأنا محمد بن عمر انبأنا الفضل بن فضالة عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلى قال ان العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ حدثني هارون بن سفيان حدثنا محمد بن عمر انبأنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ما فيهم دنيء لمن يغدو عليه عشرة الاف خادم مع كل خادم طرفة ليسيت مع صاحبه و قال عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن ايوب حدثني عبد الله بن رجز عن محمد بن أبي ايوب المخزومي عن أبي عبد الرحمن المغافري قال أنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه و قال أبو خيثمة حدثنا الحسن ابن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله ان ادنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و تنصب له قبة من لؤلؤ و ياقوت و زبرجد كما بين الجابية و صنعاء و قال عبد الله بن المبارك أنبأنا بقية بن الوليد حدثني ارطاة بن المنذر قال سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج قال جلست
إلى أبي امامة فقال ان المؤمن يكون متكئا على اريكة إذا دخل الجنة و عنده سماطان من الخدم و عند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله عز و جل ليستأذن فيقوم ادنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول للذي يليه ملك يستأذنه حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول اقربني إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له كذلك حتى يبلغ اقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف و قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثنا قبيصة حدثنا سليمان العنبري عن الضحاك بن مزاحم قال بينا ولي الله في منزله اذ اتاه رسول من الله عز و جل فقال للاذن استأذن لرسول الله على ولي الله فيدخل الاذن فيقول له يا ولي الله هذا رسول من الله يستأذن عليك قال ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي الله فيضع ما بين يديه تحفة فيقول يا ولي الله ان ربك يقرا عليك السلام و يأمرك ان تأكل من هذه قال فيشبهه بطعام أكله أيضا فيقول انما أكلت هذا الآن فيقول ان ربك يأمرك أن تأكل منها فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة قال فذلك قوله تعالى و اتوا به متشابها و في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي قال سأل موسى عليه السلام ربه ما ادنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما ادخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا اخذاتهم فيقال له اترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامس رضيت ربي فيقول هذا لك و عشرة امثاله و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك فيقول رضيت ربي و ذكر الحديث وقد تقدم ذكره بتمامه وقال الباز في مسنده حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال خلق الله الجنة لبنة من فضة و لبنة من ذهب و غرسها بيده و قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزلة الملوك هكذا رواه وهيب عن الحريري موقوفا و رواه عدي بن الفضل عن الحريري فرفعه و قال البزار و لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي ابن الفضل بهذا الاسناد و عدي بن الفضل ليس بالحافظ و هو شيخ بصري
قلت
عدي ابن الفضل هذا انفرد به ابن ماجة و قد ضعفه يحيى بن معين و أبو حاتم و الحديث
صحيح موقوف و الله أعلم وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم و انما يلبسها الملوك
الباب الرابع و الستون
في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال و ان موضع سوط منها خير من
الدنيا و ما فيها
قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا وما رزقناهم ينفقون
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و تامل كيف قابل ما
اخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي اخفاه لهم مما لا تعلمه نفس و كيف قابل قلقهم و
خوفهم و اضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا الى صلاة الليل بقرة الاعين في الجنة و في
الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله قال الله عز و جل
اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر مصداق
ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و
في لفظ اخر فيهما يقول الله عز و جل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن
سمعت و لا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما اطلعتكم عليه ثم قرا فلا تعلم نفس وفي صحيح
مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال شهدت مع النبي مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى
ثم قال اخر حديثه فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قرأ
هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون
فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و في الصحيحين من
حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه
الشمس أو تغرب و قد تقدم حديث أبي امامة عن النبي إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا
خطر لها هي و رب الكعبة نور يتلألأ و ريحانة تهتز و قصر مشيد و نهر مطرد و ثمرة
نضيجة و زوجة حسناء جميلة و حلل كثيرة و مقام في ابد في دار سليمة و فاكهة و خضرة
و حبرة و نعمة و محلة عالية بهية و لو لم يكن من خطر الجنة و شرفها إلا أنه لا
يسأل بوجه الله غيره
شرفا و فضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يسأل بوجه الله إلا الجنة و في معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون و في صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها و قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء و الأرض و هذا الاسناد على شرط الصحيحين و قال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك انبانا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي قال لو ان اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات و الأرض و لو ان رجلا من اهل الجنة اطلع فبدا اساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الاسناد إلا من حديث ابن لهيعة و قد روى يحيى بن ايوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب و قال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي قلت و قد رواه ابن وهب انبانا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه ان عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو ان ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء و الأرض و في الباب عن انس بن مالك و أبي سعيد الخدري و عبد الله ابن عمرو بن العاص و كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده و جعلها مقرا لاحبابه و ملاها من رحمته و كراماته و رضوانه و وصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة و نقص فإن سألت عن أرضها و تربتها فهي المسك و الزعفران و ان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن و ان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر
و ان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ و الجوهر و ان سألت عن بنائها فلبنة من فضة و لبنة من ذهب و ان سألت عن اشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب و فضة لا من الحطب و الخشب و ان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد واحلى من العسل و ان سألت عن ورقها فاحسن ما يكون من رقائق الحلل و ان سألت عن انهارها فانهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين و انهار من عسل مصفى و ان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون و ان سألت عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور و ان سألت عن إنيتهم فانية الذهب و الفضة في صفاء القوارير و ان سألت عن سعة ابوابها فبين المصراعين مسيرة اربعين من الاعوام و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام و ان سألت عن تصفيق الرياح لاشجارها فانها تستفز بالطرب لمن يسمعها و ان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها و ان سألت عن سعتها فادنى أهلها يسير في ملكه و سرره و قصوره و بساتينه مسيرة الفي عام و ان سألت عن خيامها و قبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام و ان سألت عن علاليها و جواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الانهار و ان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار و ان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير و الذهب و ان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في اعلى الرتب و ان سألت عن ارائكها فهي الاسرة عليها البشخانات و هي الحجال مزررة بازرار الذهب فما لها من فروج و لا خلال و ان سألت عن وجوه أهلها و حسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن اسنانهم فابناء ثلاث و ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء ازواجهم من الحور العين و اعلى منه سماع اصوات الملائكة و النبيين و اعلى منهما خطاب رب العالمين و ان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب ان شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان و ان سألت عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان و ان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كانهم لؤلؤ مكنون و ان سألت عن عرائسهم و ازواجهم فهن الكواعب الاتراب
اللاتي جرى في اعضائهن ماء الشباب فللورد و التفاح ما لبسته الخدود و للرمان ما تضمنته النهود و اللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور و للرقة و اللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت و يضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين و إذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين و ان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها و يرى مخ ساقها من وراء اللحم و لا يستره جلدها و لا عظمها و لا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا و لاستنطقت افواه الخلائق تهليلا و تكبيرا و تسبيحا و لتزخرف لها ما بين الخافقين و لا غمضت عن غيرها كل عين و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم و لامن من على ظهرها بالله الحي القيوم و نصيفها على رأسها خير من الدينا و ما فيها و وصالها اشهى إليه من جميع امانيها لا تزداد على طول الاحقاب إلا حسنا و جمالا و لا يزداد لها طول المدى إلا محبة و وصالا مبرأة من الحبل و الولادة و الحيض و النفاس مطهرة من المخاط و البصاق و البول و الغائط و سائر الادناس لا يفنى شبابها و لا تبلى ثيابها و لا يخلق ثوب جمالها و لا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لاحد سواه و قصر طرفه عليها فهي غاية امنيته و هواه ان نظر اليها سرته و ان امرها بطاعته اطاعته و ان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني و الأمان هذا و لم يطمثها قبله انس و لا جان كلما نظر اليها ملات قلبه سرورا و كلما حدثته ملأت اذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا و إذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا و ان سألت عن السن فاتراب في اعدل سن الشباب و ان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس و القمر و ان سألت عن الحدق فأحسن سواد في اصفى بياض في احسن حور و ان سألت عن القدود فهل رايت احسن الاغصان و ان سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان و ان سألت عن اللون فكانه الياقوت و المرجان و ان سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن و الاحسان فاعطين جمال الباطن والظاهر فهن افراح النفوس قرة النواظر و ان سألت عن حسن العشرة و لذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الازواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك
بامراة
إذا ضحكت في وجه زوجها اضاءت الجنة من ضحكها و إذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه
الشمس متنقلة في بروج فلكها و إذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة و ان خاصرته
فيا لذة تلك المعانقة و المخاصرة
و حديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
ان طال لم يملل و ان هي حدثت ... ود المحدث انها لم توجز
و ان غنت فيالذة الأبصار و الاسماع و ان انست و امتعت فيا حبذا تلك المؤانسة و
الامتاع و ان قبلت فلا شيء اشهى إليه من ذلك التقبيل و ان نولت فلا الذ و لا اطيب
من ذلك التنويل هذا و ان سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد و رؤية وجهه المنزه
عن التمثيل و التشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة و القمر ليلة البدر كما تواتر عن
الصادق المصدوق النقل فيه و ذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد من رواية جرير
و صهيب و انس و أبي هريرة وأبي موسى و أبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل
الجنة ان ربكم تبارك و تعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا و طاعة و
ينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد اعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين
حتى إذا انتهوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هناك فلم يغادر
الداعي منهم أحدا امر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من
نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ذهب و منابر من فضة و جلس ادناهم
و حاشاهم ان يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون ان اصحاب الكراسي فوقهم في
العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم و اطمأنت بهم اماكنهم نادى المنادي يا أهل
الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا و
يثقل موازيننا و يدخلنا الجنة و يزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك اذ سطع لهم نور
اشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم
من فوقهم و قال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية باحسن من قولهم اللهم
أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك و
تعالى يضحك اليهم و يقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى اين عيادي
الذين اطاعوني بالغيب و لم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد
رضينا
فأرض
عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد
فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة ارنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله
الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا
لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا
فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر
لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة و يا قرة
عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة و يا ذلة الراجعين بالصفقة
الخاسرة وجوه يوم ناضرة إلى ربها ناظرة و وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة
فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى و فيها المخيم
و لكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا و نسلم
الباب الخامس و الستون
في رؤيتهم ربهم تبارك و تعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر و تجليه لهم
ضاحكا إليهم
هذا الباب اشرف أبواب الكتاب و اجلها قدرا و أعلاها خطرا و اقرها عينا أهل السنة و
الجماعة و اشدها على أهل البدعة و الضلالة و هي الغاية التي شمر إليها المشمرون و
تنافس فيها المتنافسون و تسابق إليها المتسابقون و لمثلها فليعمل العاملون إذا
ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه و الحجاب عنه لأهل الجحيم اشد
عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء و المرسلون و جميع الصحابة و التابعون و
أئمة الإسلام على تتابع القرون و أنكرها أهل البدع المارقون و الجهمية المتهوكون و
الفرعونية المعطلون و الباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون و الرافضة الذين
هم بحبائل الشيطان متمسكون و من حبل الله منقطعون و على مسبة أصحاب رسول الله
عاكفون و للسنة و أهلها محاربون و لكل عدو لله و رسوله و دينه مسالمون و كل هؤلاء
عن ربهم محجوبون و عن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال و شيعة اللعين و أعداء
الرسول و حزبه و قد اخبر الله سبحانه و تعالى عن أعلم الخلق به في زمانه و هو
كليمه ونجيه و صفيه من
أهل الأرض أنه سال ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك و تعالى لن ترني و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و بيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن و رسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من ابطل الباطل و اعظم المحال و هو عند فروخ اليونان و الصابئة و الفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل و يشرب و ينام و نحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار اتباع الصابئة و المجوس و المشركين عباد الأصنام و فروخ الجهمية و الفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران و بما يستحيل عليه و يجب له و اشد تنزيها له منه الوجه الثاني ان الله سبحانه و تعالى لم ينكر عليه سؤاله و لو كان محالا لأنكره عليه و لهذا لما سال إبراهيم الخليل ربه تبارك و تعالى ان يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه و لما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله و لما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله و قال إني اعظك ان تكون من الجاهلين قال رب إني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي و ترحمني اكن من الخاسرين الوجه الثالث أنه اجابه بقوله لن ترني و لم يقل لا تراني و لا إني لست بمرئي و لا تجوز رؤيتي و الفرق بين الجوابين ظاهر لمن تامله و هذا يدل على أنه سبحانه و تعالى يرى و لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع و هو قوله و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأعلمه ان الجبل مع قوته و صلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف الوجه الخامس إن الله سبحانه و وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه و ليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن و قد علق به الرؤية و لو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته و لو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل و اشرب و أنام فالأمران عندكم سواء الوجه السادس قوله سبحانه و تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و هذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك و تعالى فإنه إذا جاز ان يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له و لا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه و رسله و أوليائه في دار كرامتهم و يريهم نفسه فأعلم سبحانه
و
تعالى موسى إن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر اضعف الوجه السابع أن
ربه سبحانه و تعالى قد كلمه منه إليه و خاطبه و ناجاه و ناداه ومن جاز عليه التكلم
و التكليم و ان يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز و لهذا لا
يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم و قد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين
فأنكروا ان يكلم أحدا أو يراه أحد و لهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه و
اسمعه كلامه وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به و تكليمه لم يخبره باستحالة
ذلك عليه و لكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه و
أما قوله تعالى لن تراني فإنما يدل على النفي في المستقبل و لا يدل على دوام النفي
و لو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى و لن يتمنوه أبدا مع قوله تعالى و
نادوا أن يا مالك ليقض علينا ربك فصل
الدليل الثاني قوله تعالى و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه و قوله تعالى تحيتهم
يوم يلقونه سلام و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه وقوله تعالى قالوا الذين
يظنون انهم ملاقوا الله و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه و اجمع أهل اللسان على
أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى و المانع اقتضى المعاينة و الرؤية و
لا ينتقض هذا بقوله تعالى فاعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه فقد دلت
الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل و
الكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة و سيمر بك عن قريب إن شاء
الله تعالى و في هذه المسألة ثلاثة اقوال لأهل السنة احدها ان لا يراه إلا
المؤمنون و الثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا
يرونه بعد ذلك و الثالث يراه المنافقون دون الكفار و الأقوال الثلاثة في مذهب احمد
و هي لاصحابه و كذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم و شيخنا في ذلك
منصف مفرد و حكى فيه أقوال الثلاثة وحجج اصحابها و كذا قوله سبحانه و تعالى يا
أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته في
الكتاب مسطورا مثبتا و إن عاد على الرب سبحانه و تعالى فهو لقاؤه الذي وعد به
الدليل الثالث قوله تعالى و الله يدعو إلى دار السلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم للذين احسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون فالحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي انزل عليه القران فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرا رسول الله للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا و يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا و يبيض وجوهنا و يدخلنا الجنة و يزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا احب إليهم من النظر إليه و هي الزيادة و قال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن انس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال للذين احسنوا العمل في الدنيا الحسنى و هي الجنة و الزيادة و هي النظر إلى وجه الله تعالى و قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني و ليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير و حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله عز و جل قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن ابان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى ي أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله يقول يبعث الله عز و جل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم و اخرهم أن الله وعدكم الحسنى و الحسنى الجنة
و
الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال ابن وهب اخبرني شبيب عن إبان عن ابن
تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الاشعري يحدث عن رسول الله أن الله عز و جل يأمر
يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم و أخرهم أن الله وعدكم
الحسنى و زيادة الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الرحمن
و أما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه للذين احسنوا
الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم و بهذا الإسناد عن أبي إسحاق عن
مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى
و حدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي
يحدث عن أبي موسى الاشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة
مناديا ينادي هل انجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة فيقولون
نعم فيقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الرحمن عز و جل و قال عبد
الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي انبأنا أبو تميمة قال سمعت أبا موسى الاشعري
يخطب الناس في جامع البصرة و يقول ان الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة
فيقول يا أهل الجنة هل انجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي و الحلل و
الأنهار و الأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل
انجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد
بقي لكم شيء إن الله عز و جل يقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة إلا ان الحسنى
الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى و في تفسير اسباط بن نصر عن إسماعيل
السدي عن أبي مالك و أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين
احسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة قال أما الحسنى فالجنة و أما
الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى و أما القتر فالسواد و قال عبد الرحمن بن أبي
ليلى و عامر بن سعد و إسماعيل بن عبد الرحمن السدي و الضحاك بن مزاحم و عبد الرحمن
بن سابط و أبو إسحاق السبيعي و قتادة و سعيد بن المسيب و الحسن البصري و عكرمة
مولى ابن عباس و مجاهد بن جبر الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى و
قال غير واحد من السلف في الآية و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة بعد النظر إليه و
الأحاديث
عنهم
بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر
من وراء الجنة و قدر زائد عليها و من فسر الزيادة بالمغفرة و الرضوان فهو من لوازم
رؤية الرب تبارك و تعالى فصل
الدليل الرابع قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و وجه الاستدلال بها
أنه سبحانه و تعالى جعل من اعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته و استماع
كلامه فلو لم يره المؤمنون و لم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه و قد احتج
بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت
الشافعي يقول في قوله عز و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيها دليل على أن
أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة و قال الحاكم حدثنا الأصم انبانا الربيع بن
سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي و قد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في
قول الله عز و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء
في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضي قال الربيع فقلت يا أبا
عبد الله و به تقول قال نعم و به أدين الله و لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى
الله لما عبد الله عز و جل ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضا و قال
أبو زرعة الرازي سمعت احمد بن محمد بن الحسين يقول سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم
هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون و الكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس
يراه إلا المؤمنون قال ممد و سئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى كلا انهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز و جل
فصل الدليل الخامس قوله عز و جل
لهم ما يشاؤن فيها و لدينا مزيد قال الطبراني قال علي بن أبي طالب و انس بن مالك
هو النظر إلى وجه الله عز و جل و قاله من التابعين زيد بن وهب و غيره فصل
الدليل السادس قوله عز و جل لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار
و الاستدلال بهذا اعجب فانه من أدلة النفاة و قد قرر شيخنا وجه الاستدلال به احسن تقرير و الطفه و قال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا و في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية و هي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان اله سبحانه انما ذكرها في سياق التمدح و معلوم أن المدح إنما يكون بالاوصاف الثبوتية و أما العدم المحض فليس بكمال و لا يمدح به و إنما يمدح الرب تبارك و تعالى بالعدم إذا تضمن امرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة و النوم المتضمن كمال القيومية و نفي الموت المتضمن كمال الحياة و نفي اللغوب و الاعياء المتضمن كمال القدرة و نفي الشريك و الصاحبة و الولد و الظهير المتضمن كمال ربوبيته و الهيئة و قهره و نفي الأكل و الشرب المتضمن كمال الصمدية و غناه و نفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده و غناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان و عزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه و إحاطته و نفي المثل المتضمن لكمال ذاته و صفاته و لهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن امرا ثبوتيا فان المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم و لا يوصف الكامل بامر يشترك هو و المعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح و لا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى و لا تدركه الأبصار و الرب جل جلاله يتعالى ان يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فاذا المعنى أنه يرى و لا يدرك و لا يحاط به كما كان المعنى في قوله و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء و في قوله و ما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة و في قوله و لا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل و في قوله لا تأخذه سنة و لا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته و أنه اكبر من كل شيء و أنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء و هو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى أنا لمدركون قال كلا فلم ينف ين موسى الرؤية و لم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله و سلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا و اخبر الله سبحانه و تعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله و لقد أوحينا إلى موسى إن اسر بعبادتي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى فالرؤية و الإدراك كل منهما يوجد مع الآخر و بدونه فالرب تعالى يرى و لا يدرك كما يعلم و لا يحاط به و هذا هو الذي فهمه الصحابة و الأئمة من
الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو اعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به اذ كان غير جائز أن يوصف الله عز و جل بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهذا من اعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله و إنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها و إلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة اضرابه فقوله ليس كمثله شيء من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة و أرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا و تأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلا ربها ناظرة و أنت إذا
أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها و الكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا ان الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة و إن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد و الجنة و النار و الميزان و الحساب اسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران و السنة كذلك و لا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص و يحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص و هذا الذي افسد الدين و الدنيا وأضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بأداة الى الصريحة في نظر العين و إخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه و تعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فان النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته و تعديه بنفسه فان عدى بنفسه فمعناه التوقف و الانتظار كقوله انظرونا نقتبس من نوركم و أن عدى بفي فمعناه التفكر و الاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض و أن عدى بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله انظروا إلى ثمره إذا أثمر فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبانا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك و تعالى فنظرت بنوره فاسمع الان أيها السني تفسير النبي و أصحابه والتابعين و أئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن احمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة قال من البهاء و الحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز و جل و قال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز و جل و قال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله و هذا قول كل مفسر من أهل السنة و الحديث
فصل
و أما الأحاديث عن النبي وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها عنه أبو بكر
الصديق و أبو هريرة و أبو سعيد الخدري و جرير ابن عبد الله البجلي و صهيب بن سنان
الرومي و عبد الله بن مسعود الهذلي و علي ابن أبي طالب و أبو موسى الاشعري و عدي
بن حاتم الطائي و انس بن مالك الأنصاري و بريدة بن الحصيب الاسلمي و أبو رزين
العقيلي و جابر بن عبد الله الأنصاري و أبو امامة الباهلي و زيد بن ثابت و عمار بن
ياسر و عائشة أم المؤمنين و عبد الله بن عمر و عمارة بن رويبة و سلمان الفارسي و
حذيفة بن اليمان و عبد الله ابن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص و حديثه موقوف و
أبي بن كعب وكعب بن عجرة و فضالة بن عبيد و حديثه موقوف و رجل من أصحاب النبي غير
مسمى فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح و المسانيد و السنن و تلقاها بالقبول و التسليم
و انشراح الصدر لا بالتحريف و التبديل و ضيق العطن و لا تكذب بها فمن كذب بها لم
يكن إلى وجه ربه من الناظرين و كان عنه يوم القيامة من المحجوبين فصل فأما حديث
أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال الإمام احمد حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني
قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو عنيدة البراء
بن نوفل عن دالان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق قال اصبح رسول الله ذات يوم
فصلى الغداة فجلس حتى إذا كان من الضحى ضحك الرسول ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى و
العصر و المغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الأخيرة ثم قام إلى أهله فقال
الناس لأبي بكر إلا تسال رسول الله ما شانه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط قال فسأله
فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا و الآخرة فجمع الأولون و الآخرون في
صعيد واحد فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم و العرق ويكتد يلجمهم فقالوا يا
آدم أنت أبو البشر و أنت اصطفاك الله عز و جل اشفع لنا إلى ربك قال قد لقيت مثل
الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح ان الله
اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين قال فينطلقون إلى نوح عليه الصلاة و السلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعاءك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا موسى فإن الله عز و جل كلمه تكليما فيقول موسى ليس ذلك عندي انطلقوا الى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى فيقول عيسى ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى سيد ولد آدم انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلق فيأتي جبريل ربه تبارك و تعالى فيقول له الله عز و جل ائذن له و بشره بالجنة فينطلق به جبريل صلى الله عليه و سلم فيخر ساجدا قدر جمعة و يقول الله عز و جل ارفع رأسك و قل تسمع و اشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى وجه ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول الله عز و جل ارفع رأسك و قل تسمع و اشفع تشفع قال فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط فيقول أي رب خلقتني سيد ولد آدم و لا فخر و أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة و لا فخر حتى أنه ليرد على الحوض اكثر مما بين صنعاء و ايلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و الستة و النبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني كنت اسامح الناس في البيع فيقول الله عز و جل اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني امرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا فقال الله عز و جل له لم فعلت ذلك قال من مخافتك قال فيقول الله عز و جل انظر إلى ملك
اعظم
ملك فان لك مثله و عشرة أمثاله قال فيقول أتسخربي و أنت الملك قال و ذلك الذي ضحكت
منه من الضحى فصل
و أما حديث أبي هريرة و أبي سعيد الخدري ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن ناسا
قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون في رؤية
القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها
سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان
يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس و يتبع من كان يعبد القمر والقمر
ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت و تبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله
تعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا
مكاننا حتى ياتينا ربنا فاذا جاء ربنا عرفناه فياتيهم الله عز و جل في صورته التي
يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصيراط بين ظهرإني جهنم
فاكون أنا و امتي أول من يجيز و لا يتكلم يومئذ إلا الرسل و دعوى الرسل يومئذ
اللهم سلم سلم و في جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا
رسول الله قال فانها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز و جل
تخطف الناس باعمالهم فمنهم الموبق بعمله و منهم المجازى حتى ينجو فاذا فرغ الله من
القضاء بين العباد و أراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار امر الملائكة أن
يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله ان يرحمه ممن يقول لا
اله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجود و تأكل النار من ابن آدم إلا اثر السجود وحرم
الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء
الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد و
يبقى رجل مقبل بوجهه على النار و هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف
وجهي عن النار فانه قد شبني ريحها و احرقني ذكاؤها فيدعو الله
ما شاء الله ان يدعوه ثم يقول الله تبارك و تعالى هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا اسألك غيره فيعطي ربه من عهود و مواثيق ما شاء الله فيصرف الله عن وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة و رآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي ربي قدمني الى باب الجنة فيقول الله أليس قد اعطيت عهودك و مواثيقك لا تسألني غير الذي اعطيتك ويلك يا ابن آدم ما اغدرك فيقول أي ربي فيدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا و عزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود و مواثيق فيقدمه الله تعالى إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة أنفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير و السرور فسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب ادخلني الجنة فيقول الله تبارك و تعالى له أليس قد أعطيت عهودك و مواثيقك ان لا تسالني غير ما أعطيت و يلك يا ابن آدم ما اغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمن فيسأل ربه و يتمنى حتى ان الله ليذكره فيقول تمن كذا و كذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله عز و جل ذلك لك و مثله معه قال أبو سعيد الخدري وعشرة أمثاله معه قال عطاء بن يزيد و أبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة قال إن الله عز و جل قال لذلك الرجل و مثله معه قال أبو سعيد و عشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك و مثله معه قال أبو سعيد اشهد إني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال ابو هريرة و ذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة و في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤيته تبارك و تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام و الأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر و غبرات أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبه و لا ولد فماذا
تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم إلا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة و لا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر اتاهم الله رب العالمين سبحانه و تعالى في أدنى صورة من التي راوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم و لم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى ان بعضهم ليكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم و بينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا اذن الله له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد اتقاء و رياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب لهم الجسر على جهنم و تحل الشفاعة قيل يا رسول الله و ما الجسر قال دحض مزلة في خطاطيف و كلاليب و حسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و كأجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استيفاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا و يصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتهم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه و إلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم بقى تدر فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثميقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجون فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا قط و كان أبو سعيد الخدري يقول إن
لم
تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا ان شئتم ان الله لا يظلم مثقال ذرة و ان تك حسنة
يضاعفها و يؤت من لدنه اجرا عظيما فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون
و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوم لم
يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في افواه الجنة يقال له نهر الحياة
فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلا ترونها تكون الى الحجر أو إلى الشجر ما
يكون منها إلى الشمس اصيفر و اخيضر و ما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا
رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم
أهل الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين ادخلهم الله الجنة بغير عمل
عملوه و لا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا
أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي افضل من هذا فيقولون يا ربنا و
أي شيء افضل من هذا فيقول تعالى رضائي فلا اسخط عليكم بعده أبدا
فصل و أما حديث جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن
أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي فنظر إلى القمر ليلة اربع
عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن
لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل الغروب فافعلوا ثم قرا قوله فسبح بحمد
ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن إدريس الازدي
و يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن محمد المحاربي و جرير بن عبد الحميد و عبيد
بن حميد و هشيم بن بشير و علي بن عاصم و سفيان بن عيينة و مروان بن معاوية و أبو
أسامة و عبد الله بن نمير و محمد بن عبيد و أخوه يعلى بن عبيد و وكيع بن الجراح و
محمد بن الفضيل و الطفاوي و يزيد بن هارون و إسماعيل ابن أبي خالد و عنبسة بن سعيد
و الحسن بن صالح بن حي و ورقاء بن عمرو و عمار بن زريق و أبو الأعز سعيد ابن عبد
الله و نصر بن طريف و عمار بن محمد و الحسن بن عياش أخو أبو بكر و يزيد بن عطاء و
عيسى بن يونس و شعبة بن الحجاج و عبد الله بن المبارك و أبو حمزة السكري و حسين بن
واقد و معمر بن سليمان و جعفر بن زياد و خداش بن المهاجر و هريم ابن سفيان و مندل
بن علي و أخوه سنان بن علي و عمر بن يزيد و عبد الغفار بن القاسم
و محمد بن بشير الحريري و مالك بن مغول و عصام بن النعمان و علي بن القاسم الكندي و عبيد بن الاسود الهمدإني و عبد الجبار ابن العباس و المعلى بن هلال و يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة و الصباح بن محارب و محمد بن عيسى و سعيد بن حازم و ابان بن ارقم و عمرو بن النعمان و مسعود بن سعد الجعفي و عثمان بن علي و حسن بن حبيب و سنان بن هارون البرجمي و محمد بن يزيد الواسطي و عمرو بن هشام و محمد بن مروان و يعلى بن الحارث المحاربي و شعيب بن راشد و الحسن بن دينار و سلام ابن أبي مطيع و داود بن الزبرقان و حماد بن أبي حنيفة و يعقوب بن حبيب و حكام ابن سلم و أبو مقاتل بن حفص و مسيب بن شريك و أبو حنيفة النعمان بن ثابت و عمرو بن سمر الجعفي و عمرو بن عبد الغفار التيمي و سيف بن هارون البرجمي أخو سنان و عابد بن حبيب و مالك بن سعير بن الخمس و يزيد بن عطاء مولى أبي عوانة و خالد بن يزيد العصري و عبد الله بن موسى و خالد بن عبد الله الطحان و أبو كدينة يحيى بن المهلب و رقبة بن مصقلة و معمر بن سليمان الرقي و مرحى ابن رجاء و عمرو بن جرير و يحيى بن هاشم السمسار و إبراهيم ابن طهمان و خارجة ابن مصعب و عبد الله بن عثمان شريك شعبة و عبد الله بن فروح و زيد ابن أبي إنيسة و جوده فقال فستعاينون ربكم عز و جل كما تعاينون هذا القمر و أبو شهاب الخياط و قال سترون ربكم عيانا و حارثة بن هرم و عاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي والحسن بن أبي جعفر والوليد بن عمرو وأخوه عثمان بن عمرو وعبد السلام بن عبد الله بن قرة العنبري و يزيد بن عبد العزيز و علي بن صالح بن حي و زفر بن الهذيل و القاسم بن معن تابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم بيان بن بشر و مجالد بن سعيد و طارق بن عبد الرحمن و جرير بن يزيد بن جرير البجلي و عيسى بن المسيب كلهم عن قيس ابن أبي حازم عن جرير و كل هؤلاء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد و شهد إسماعيل بن أبي خالد على قيس ابن أبي حازم و شهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الله و شهد جرير بن عبد الله على رسول الله فكأنك تسمع رسول الله و هو يقول و يبلغه لامته و لا شيء اقر لاعينهم منه و شهدت الجهمية و الفرعونية و الرافضة و القرامطة و الباطنية و فروخ الصابئة و المجوس و اليونان بكفر من اعتقد ذلك و أنه من أهل التشبيه و التجسيم و تابعهم على ذلك كل عدو للسنة و أهلها
و
الله تعالى ناصر كتابه و سنة رسوله و لو كره الكافرون
فصل و أما حديث صهيب فرواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة
عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة
الجنة يقول الله عز و جل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا
الجنة و تنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا احب إليهم من النظر إلى
ربهم ثم تلا هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة و هذا حديث رواه الأئمة عن
حماد و تلقوه عن نبيهم بالقبول و التصديق فصل
و أما حديث عبد الله بن مسعود فقال الطبرإني حدثنا محمد بن نصر الازدي و عبد الله
بن احمد بن حنبل و الحضرمي قالوا حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني
حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي إنيسة عن المنهال بن
عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود عن
رسول الله قال يجمع الله الأولين و الاخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة
شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال و ينزل الله عز و جل في ظلل من
الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي
خلقكم و رزقكم و أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما
كانوا يتولون و يعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فينطلق كل
قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال فينطلقون و يمثل لهم أشباه ما
كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس و منهم من ينطلق إلى القمر و إلى الأوثان
من الحجارة و أشباه ما كانوا يعبدون قال و يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى و
يمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير و يبقى محمد و أمته فيأتيهم الرب عز و جل
فيقول ما بالكم لا تنطلقون كما انطلق الناس قال فيقولون ان لنا إلها ما رأيناه بعد
فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون أن بيننا و بينه علامة إذا رأيناها عرفناه
قال فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساقه
فعند ذلك يكشف عن ساق فيخرون له سجدا و يبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره على قدر الجبل العظيم يسعى بين أيديهم و منهم من يعطى نورا اصغر من ذلك و منهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه و منهم من يعطى نورا اصغر من ذلك حتى يكون اخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة و يطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه و مشى و إذا أطفئ قام والرب تبارك و تعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف قال و يقول مروا فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق و منهم من يمر كالسحاب و منهم من يمر كانقضاض الكوكب و منهم من يمر كالريح و منهم من يمر كشد الفرس و منهم كشد الرحل حتى يمر الذي اعطى نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه و يديه و رجليه تجر يد و تعلق يد و تجر رجل و تعلق رجل و تصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا اذ نجاني منها بعد ان رايتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة و الوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب ادخلني الجنة فيقول الله تبارك و تعالى له أتسال الجنة و قد نجيتك من النار فيقول يا رب اجعل بيني و بينها حجابا لا اسمع حسيسها قال فيدخل الجنة قال و يرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما الذي هو فيه حلم ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول لعلك إن اعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غيره و أي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله قال و يرى أو يرفع له إمام ذلك منزل اخر ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله عز و جل فلعلك إن اعطيتكه تسأل غيره فيقول لا و عزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله قال و يرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما الذي هو فيه إليه حلم فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن اعطيتكه تسال غيره قال لا و عزتك لا أسال غيره و أي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله ثم يسكت فيقول الله عز و جل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك و أقسمت لك حتى استحييتك فيقول الله عز و جل
ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها و عشرة أضعافه فيقول أتستهزئ بي و أنت رب العزة فيضحك الرب عز و جل من قوله قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال إني سمعت رسول الله يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه قال فيقول رب العزة عز و جل لا و لكني على ذلك قادر سل فيقول الحقني بالناس فيقول الحق الحق بالناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى فيها رجلا فيهيأ للسجود فيقال له مه مالك فيقول رأيت انك ملك من الملائكة فيقول له إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه قال فينطلق امامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها و ابوابها و إغلاقها و مفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرور و أزواج و وصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته و كبده مراتها إذا اعرض عنها اعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها و الله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فتقول له و الله و الله و أنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له اشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره قال فقال عمر إلا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم قال كعب يا أمير المؤمنين فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت أن الله عز و جل جعل دارا فيها ما شاء من الأزواج و الثمرات و الأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل و لا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قال و خلق دون ذلك جنتين و زينهما بما شاء و أراهما من شاء من خلقه ثم قال من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من اهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من
ضوء
وجه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا الرجل من أهل عليين قد خرج يسير
في ملكه فقال ويحك يا كعب هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها فقال كعب و الذي نفسي
بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا يخر
تربيته حتى أن إبراهيم خليل الله يقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا
إلى عملك لظننت انك لا تنجو هذا حديث كبير حسن رواه المصنفون في السنة كعبد الله
بن أحمد و الطبراني و الدار قطني في كتاب الرؤية رواه عن ابن صاعد حدثنا محمد بن
أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا أبي حدثنا ورقاء بن عمر حدثنا أبو طيبة عن كرز بن
وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة عن عبد الله و رواه من طريق عبد السلام ابن
حرب حدثنا الدالاني حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به و رواه من طريق زيد بن
أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به و رواه من طريق احمد بن أبي طيبة عن
كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة
فصل و أما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يعقوب بن
سفيان حدثنا محمد بن المصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد
بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله يزور أهل الجنة الرب
تبارك و تعالى في كل جمعة و ذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تبارك و تعالى اكشفوا
حجابا فيكشف حجاب ثم حجاب ثم يتجلى لهم تبارك و تعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة
قبل ذلك و هو قوله تبارك و تعالى و لدينا مزيد فصل
و أما حديث أبي موسى ففي الصحيحين عنه عن النبي قال جنتان من فضة آنيتهما و ما
فيهما و جنتان من ذهب إنيتهما و ما فيهما و ما بين القوم و بين أن ينظروا إلى ربهم
تبارك و تعالى الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن و قال الإمام احمد حدثنا حسن
بن موسى و عثمان قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن أبي بردة عن
أبي موسى قال قال رسول الله يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة
فإذا
بدا لله أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحمونهم
النار ثم يأتينا ربنا عز و جل و نحن على مكان رفيع فيقول من أنتم فنقول نحن
المسلمون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا عز و جل فيقول و هل تعرفونه إن
رأيتموه فنقول نعم انه لا عدل له فيتجلى لنا ضاحكا فيقول أبشروا يا معشر المسلمين
فانه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه و قال حماد بن سلمة
عن علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي قال يتجلى لنا
ربنا تبارك و تعالى ضاحكا يوم القيامة و ذكر الدار قطني من حديث إبان بن أبي عياش
عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى عن النبي قال يبعث الله يوم القيامة مناديا بصوت
يسمعه أولهم و آخرهم إن الله عز و جل وعدكم الحسنى و زيادة فالحسنى الجنة و
الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل فصل
و أما حديث عدي بن حاتم الطائي ففي صحيح البخاري قال بينا أنا عند النبي إذ أتى
إليه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل
رأيت الحيرة قلت لم أرها و قد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة
ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني و بين نفسي
فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد و لئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى
بن هرمز قال كسرى بن هرمز و لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو
فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه و ليلقين الله أحدكم يوم يلقاه و
ليس بينه و بينه حجاب و لا ترجمان يترجم له فيقولن ألم ابعث إليك رسولا فيبلغك
فيقول بلى يا رب فيقول ألم أعطك مالا و افضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا
يرى إلا جهنم و ينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي بن حاتم سمعت النبي يقول
اتقوا النار و لو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة
ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله و كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن
هرمز و لئن
طالت
بكم حياة لترون ما قال النبي فصل
و أما حديث انس بن مالك ففي الصحيحين من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس
بن مالك قال قال رسول الله يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك و في لفظ
فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم
فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أمر الملائكة
فسجدوا لك اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هنا كم فيذكر
خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها و لكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله عز و جل
قال فيأتون نوحا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها و لكن
ائتوا إبراهيم الذي الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر
خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها و لكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليما و
أعطاه التوراة فيأتون موسى فيقول لست هناكم و يذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه
منها و لكن ائتوا عيسى روح الله و كلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست
هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال قال رسول
الله فيأتون فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رايته فاقع ساجدا فيدعني ما شاء
الله أن يدعني فيقال يا محمد ارفع رأسك و قل تسمع و سل تعط و اشفع تشفع فارفع رأسي
فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي فأشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار و أدخلهم الجنة
ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله ان يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد قل
تسمع وسل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسي فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم اشفع فيجد لي
حدا فأخرجهم من النار وأخلهم الجنة قال فلا ادري في الثالثة أو في الرابعة قال
فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القران أي وجب عليه الخلود و ذكر ابن
خزيمة عن ابن عبد الحكم عن أبيه و شعيب بن الليث عن الليث حدثنا معمر بن سليمان عن
حميد عن انس قال يلقى الناس يوم القيامة ما شاء الله أن يلقوه من الحبس فيقولون
انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا فذكر الحديث
إلى أن قال فينطلقون إلى محمد فأقول أنا لها فانطلق حتى استفتح باب الجنة فيفتح لي فادخل وربي على عرشه فأخر ساجدا و ذكر الحديث وقال أبو عوانة و ابن أبي عروبة و همام و غيرهم عن انس في هذا الحديث فاستأذن على ربي فإذا رايته وقعت ساجدا و قال عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن انس فآتي ربي و هو على سريره أو كرسيه فأخر له ساجدا له و ساقه ابن خزيمة بسياق طويل و قال فيه فاستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجدا له ورؤية النبي لربه في هذا المقام ثابتة عنه ثبوتا يقطع به أهل العلم بالحديث و السنة و في حديث أبي هريرة أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة و لا فخر و أنا سيد ولد آدم و لا فخر و أنا صاحب لواء الحمد و لا فخر و أنا أول من يدخل الجنة و لا فخر اخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار جل جلاله فاخر له ساجدا و قال الدار قطني حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي العدل بمصر حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد حدثنا الخليل عن عمر الاشج عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس عن النبي في قول الله عز و جل للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله تعالى عز و جل حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الاصبهاني و محمد بن جعفر بن احمد الطبري و محمد بن علي بن إسماعيل الايلي قالوا حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا سلام بن سليمان حدثنا ورقاء و إسرائيل و شعبة و جرير بن عبد الحميد كلهم قالوا حدثنا ليث بن عثمان بن أبي حميد عن انس بن مالك قال قال سمعت رسول الله يقول أتاني جبريل و في كفه كالمرآة البيضاء يحملها فيها كالنكتة السوداء فقلت ما هذه التي في يدك يا جبريل فقال هذه الجمعة فقلت و ما الجمعة قال لكم فيها خير كثير قلت و ما يكون لنا فيها قال يكون عيدا لك و لقومك من بعدك و يكون اليهود و النصارى تبعا لك قلت و ما لنا فيها قال لكم فيها ساعة لا يسأل الله عبد فيها شيئا إلا و هو له قسم إلا أعطاه إياه أو ليس له بقسم إلا ذخر له في آخرته ما هو اعظم منه قلت و ما هذه النكتة التي فيها قال هي الساعة و نحن ندعوه يوم المزيد قلت و ما ذاك يا جبريل قال إن ربك اتخذ في الجنة واديا فيه كثبان من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه فيحف الكرسي بكراسي من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي و يحف
الكراسي بمنابر من نور و من ذهب مكللة بالجوهر ثم يجيء الصديقون و الشهداء حتى يجلسوا على تلك المنابر ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على تلك الكثبان ثم يتجلى لهم الله عز و جل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي و هذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم في ذلك ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و ذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة ثم يرتفع على كرسيه عز و جل و يرتفع معه النبيون و الصديقون و يرجع أهل الغرف إلى غرفهم و هي لؤلؤة بيضاء و زبرجدة خضراء و ياقوتة حمراء غرفها و أبوابها وأنهارها مطردة فيها و أزواجها و خدامها و ثمارها متدليات فيها فليسوا إلي شيء بأحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم و يزدادوا منه كرامة هذا حديث كبير عظيم الشان رواه أئمة السنة و تلقوه بالقبول و جمل به الشافعي مسنده فرواه عن إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر عن عبد الله بن عبد بن عمير انه سمع انس بن مالك فذكر بنحوه و قد تقدم لفظه ثم قال الشافعي أنبانا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن انس شبيها به و زاد فيه أشياء و رواه محمد بن إسحاق قال حدثني ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن انس به و قال فيه ثم يتجلى لهم ربهم عز و جل حتى ينظروا إلى وجهه الكريم و ذكر باقي الحديث و رواه عمرو ابن أبي قيس عن أبي ظبية عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن انس وجوده و فيه فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا عليها و يجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب قال ثم يتجلى لهم ربهم تبارك و تعالى فينظرون إليه فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي و هذا محل كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال رضاي آمن لكم داري و أنا لكم كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال فيشهدهم بالرضاء ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم و ذكر الحديث و رواه على ابن حرب حدثنا إسحاق ابن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير ورواه الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن عثمان و قال فيه ثم يرتفع على كرسيه و يرتفع معه النبيون و الصديقون و الشهداء و يرجع أهل الغرف إلى غرفهم و رواه الدار قطني من طريق آخر من حديث قتادة عن
انس قال سمعته يقول بينا نحن حول رسول الله إذ قال أتاني جبريل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء قلت يا جبريل ما هذا قال هذا يوم الجمعة يعرضه عليك ربك ليكون لك عيدا و لامتك من بعدك قال قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هي الساعة و هي تقوم يوم الجمعة و هو سيد أيام الدنيا و نحن ندعوه في الجنة يوم المزيد قال قلت يا جبريل ولم تدعونه يوم المزيد قال إن الله اتخذ في الجنة واديا افيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا عز و جل على كرسيه إلى ذلك الوادي و قد حف الكرسي بمنابر من ذهب مكاله بالجوهر وقد حفت تلك المنابر بكراسي من نور ثم يؤذن لأهل الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الركب عليهم اسورة الذهب و الفضة و ثياب السندس و الحرير حتى ينتهوا إلى ذلك الوادي فإذا اطمأنوا فيه جلوسا بعث الله عليهم ريحا يقال لها المثيرة أثارت ينابيع المسك الأبيض في وجوههم و ثيابهم و هم يومئذ جرد مرد مكحلون أبناء ثلاث و ثلاثين سنة على صورة آدم يوم خلقه الله عز و جل فينادي رب العزة تبارك و تعالى رضوان و هو خازن الجنة فيقول يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي ورواري فإذا رفع الحجب بينه و بينهم فرأوا بهاءه و نوره هموا له بالسجود فيناديهم تبارك و تعالى بصوته ارفعوا رؤسكم فإنما كانت العبادة في الدنيا و أنتم اليوم في دار الجزاء سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم فيقولون ربنا و أي خير لم تفعله بنا الست أعنتنا على سكرات الموت و آنست منا الوحشة في ظلمات القبور وآمنت روعتنا عند النفخة في الصور ألست أقلت عثراتنا و سترت علينا القبيح من فعلنا و ثبت على جسر جهنم أقدامنا لست الذي أدنيتنا من جوارك و أسمعتنا لذاذة منطقك و تجليت لنا بنورك ذي خير لم تفعله بنا فنعوذ بالله عز و جل فيناديهم بصوته فيقول أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي فسلوني فيقولون نسألك رضاك فيقول برضائي عنكم أقلتكم عثراتكم و سترت عليكم القبيح من أموركم و أدنيت مني جواركم و أسمعتكم لذاذة منطقي و تجليت لكم بنوري فهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز و جل سلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز و جل
سلوني
فيقولون رضينا و ربنا و سلمنا فيزيدهم من مزيد فضله و كرامته مالا عين رأت و لا
أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و يكون ذلك مقدار تفرقهم من الجمعة قال انس فقلت
بأبي أنت و أمي يا رسول الله و ما مقدار تفرقهم قال كقدر الجمعة إلى الجمعة قال ثم
يحمل عرش ربنا تبارك و تعالى معهم الملائكة و النبيون ثم يؤذن لأهل الغرف فيعودون
إلى غرفهم و هما غرفتان من زمردتين خضراوين و ليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى الجمعة
لينظروا إلى ربهم عز و جل و ليزيدهم من مزيد فضله و كرامته قال انس سمعته من رسول
الله و ليس بيني و بينه أحد و رواه الدار قطني أيضا عن أبي بكر النيسابوري قال
اخبرني أبو العباس بن الوليد بن يزيد قال اخبرني محمد بن شعيب قال اخبرني عمر مولى
عفرة عن انس و رواه محمد بن خالد بن جني حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا
صفوان قال قال انس قال رسول الله و رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن
محمد عن ليث عن أبي عثمان عن انس و رواه إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة عن
زهير بن حرب حدثنا جرير عن ليث عن عثمان بن أبي حميد عن انس و رواه الأسود بن عامر
قال ذكر لي عن شريك عن أبي اليقظان عن انس و رواه ابن بطة في الإبانة من حديث
الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة و سيأتي سياقه و قد جمع ابن أبي داود طرقه فصل
و أما حديث بريدة بن الحصيب فقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أبو
خلاد عبد العزيز بن إبان القرشي حدنا بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن
أبيه قال قال رسول الله ما منكم من أحد إلا سيحلو الله به يوم القيامة ليس بينه و
بينه حجاب و لا ترجمان فصل
و أما حديث أبي بن رزين العقيلي فرواه الإمام احمد من حديث شعبة و حماد بن سلمة عن
يعلى بن عطاء عن وكيع بن خدش عن أبي رزين قال قلنا يا رسول الله أكلنا يرى ربه عز
و جل يوم القيامة قال نعم قلت و ما آية ذلك في خلقه قال أليس كلكم ينظر إلى القمر
ليلة البدر قلنا نعم قال الله اكبر و اعظم قال عبد الله قال أبي الصواب حدس و قال
أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا موسى بن
إسماعيل
حدثنا حماد بن سلمة به فقد اتفق شعبة و حماد بن سلمة و حسبك بهما على روايته عن
يعلى بن عطاء و رواه الناس عنهما و عن أبي رزين فيه إسناد آخر قد تقدم ذكره في
حديثه الطويل و أبو رزين العقيلي له صحبة و عداده من أهل الطائف و هو لقيط بن عامر
و يقال لقيط بن صبرة هكذا قال البخاري و ابن أبي حاتم و غيرهما و قيل هما اثنان و
لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة و الصحيح الأول و قال ابن عبد البر من قال لقيط بن
صبرة نسبه إلى جده و هو لقيط بن عامر ابن صبرة فصل
و أما حديث جابر بن عبد الله فقال الإمام احمد حدثنا روح بن جرير اخبرني أبو
الزبير انه سمع جابرا يسأل عن الورود فقال نحن يوم القيامة على كذا و كذا أي فوق
الناس فتدعى الأمم بأوثانها و ما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك
فيقول و من تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك
فيتجلى لهم تبارك و تعالى يضحك قال فينطلق بهم و يتبعونه و يعطى كل إنسان منهم
منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه على جسر جهنم و عليه كلاليب و حسك تأخذ من شاء الله
ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر و
سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء النجوم في السماء ثم كذلك ثم تحل
الشفاعة حتى يخرج من النار من قال لا اله إلا الله و كان في قلبه من الخير ما يزن
شعيرة فيجعلون بفناء الجنة و يجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات
الشيء في السيل و يذهب حراقه ثم يسأل حتى يجعل الله له الدنيا و عشرة أمثالها معها
رواه مسلم في صحيحه و هذا الذي وقع في الحديث من قوله على كذا و كذا قد جاء مفسرا
في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في الجمع بين الصحيحين نحن يوم القيامة على تل
مشرفين على الخلائق و قال عبد الرزاق أنبانا رباح بن زيد قال حدثني ابن جريج قال
اخبرني زياد بن سعد أن أبا الزبير اخبره عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله
يتجلى لهم الرب تبارك و تعالى ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم
فليس هذا بيوم عبادة و قال الدار قطني أنبأنا احمد بن عيسى بن السكن حدثنا احمد بن
محمد
محمد بن عمر بن يونس حدثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني قال حدثني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله يتجلى لنا ربنا عز و جل يوم القيامة ضاحكا ورواه أبو قرة عن مالك بن انس عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير عن جابر انه سمع رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم فذكر الحديث و فيه فيقول أتعرفون الله عز و جل إن رأيتموه فيقولون نعم فيقول و كيف تعرفونه و لم تروه فيقولون نعلم أن لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك و تعالى فيخرون له سجدا و قال ابن ماجة في سننه حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا أبو عاصم العباداني عن فضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم أهل الجنة و هو قول الله عز و جل سلام قولا من رب رحيم فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم و تبقى فيهم بركته و نوره و قال حرب في مسائله حدثنا يحيى ابن أبي حزم حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم العباداني فذكره و عند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواه أيضا من طريق العباداني عن الفضل بن عيسى بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في مجالس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك و تعالى قد اشرف فقال تعالى يا أهل الجنة سلوني قالوا نسألك الرضى عنا قال رضائي أحلكم داري و أنالكم كرامتي هذا أوانها فسلوني قالوا نسألك الزيادة قال فيؤتون بنجائب من ياقوت احمر أزمتها زمرد اخضر و ياقوت احمر فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها فيأمر الله بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين و هن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الخالدات فلات نموت أزواج قوم مؤمنين كرام و يأمر الله عز و جل بكثبان من مسك أبيض اذفر فيثير عليهم ريحا يقال لها المثيرة حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن و هي قصبة الجنة فتقول الملائكة يا ربنا قد جاء القوم مرحبا بالصادقين و مرحبا بالطائعين قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك
وتعالى
و يتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ثم يقول أرجعوهم إلى القصور بالتحف
فيرجعون و قد ابصر بعضهم بعضا فقال رسول الله فذاك قوله تعالى نزلا من غفور رحيم
رواه في كتاب البعث و المنشور و في كتاب الرؤية قال و قد مضى في هذا الكتاب و في
كتاب الرؤية ما يؤكد هذا الخبر و قال الدارقطني أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبانا
أبو الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن علي بن عبدة حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن
ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي إن الله عز و جل يتجلى
للناس عامة و يتجلى لأبي بكر خاصة فصل
و أما حديث أبي امامة فقال ابن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني عن يحيى
بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي امامة قال خطبنا رسول
الله فكان اكثر خطبته ذكر الدجال يحذرنا منه و يحدثنا عنه حتى فرغ من خطبته فكان
فيما قال لنا يومئذ إن الله عز و جل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته و إني آخر الأنبياء
و أنتم آخر الأمم و هو خارج فيكم لا محالة فان يخرج و أنا بين أظهركم فانا حجيج كل
مسلم وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرء حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم انه يخرج
من خلة بين العراق والشام عاث يمينا و عاث شمالا يا عباد الله اثبتوا و أنه يبدأ
فيقول أنا نبي و لا نبي بعدي ثم يثني فيقول أنا ربكم و لن تروا ربكم حتى تموتوا و
انه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه و ليقرأ
فواتح سورة أصحاب الكهف و انه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها ثم يحييها و انه لا
يعدو ذلك و لا يسلط على نفس غيرها و إن من فتنته إن معه جنة و نارا فناره جنة و جنته
نار فمن ابتلي بناره فليغمض عينيه و ليستغث بالله تكن بردا و سلاما كما كانت النار
بردا و سلاما على إبراهيم و إن أيامه أربعون يوما يوما كسنة و يوما كشهر و يوما
كجمعة و يوما كالأيام وآخر أيامه كالسراب يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل إن
يبلغ بابها الآخر قالوا فكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام قال تقدرون كما
تقدرون في الأيام الطوال و رواه الدار قطني عن ابن صاعد عن احمد بن الفرح عن ضمرة
بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرويه
فصل
وأما حديث زيد بن ثابت فقال الإمام احمد حدثنا أبو المغيرة قال حدثني أبو بكر قال
حدثني ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت أن رسول الله علمه دعاء و أمره أن يتعاهد به
أهله كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك و سعديك و الخير في يديك و منك
و إليك اللهم و ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما
شئت كان و ما لم تشأ لم يكن ولا حول و لا قوة إلا بك انك على كل شيء قدير اللهم و
ما صليت من صلاة فعلى من صليت و ما لعنت من لعنة أنت وليي في الدنيا و الآخرة
توفني مسلما و الحقني بالصالحين أسألك اللهم الرضا بعد القضاء و برد العيش بعد
الموت و لذة النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك من غير ضراء و مضرة و لا فتنة مضلة
أعوذ بك اللهم أن اظلم أو اظلم أو اعتدي أو يعتدى علي أو اكسب خطيئة محبطة أو ذنبا
لا تغفره اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة ذا الجلال و الإكرام
فاني اعهد إليك في هذه الحياة الدنيا و أشهدك و كفى بك شهيدا إني اشهد أن لا اله
إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك و لك الحمد و أنت على كل شيء قدير و اشهد أن
محمدا عبدك و رسولك و اشهد أن وعدك حق و أن لقائك حق و الجنة حق و الساعة آتية لا
ريب فيها و أنت تبعث من في القبور و اشهد انك تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة و
عورة و ذنب و خطيئة و إني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت و تب علي انك أنت التواب الرحيم رواه أبو داود في صحيحه فصل
وأما حديث عمار بن ياسر فقال الأمام احمد حدثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي هاشم
عن أبي مجلز قال صلى بنا عمار صلاة فاوجز فيها فأنكروا ذلك فقال ألم أتم الركوع و
السجود قالوا بلى قال أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان رسول الله يدعو به اللهم
بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي و توفني إذا علمت
الوفاة خيرا لي و اسالك خشيتك في الغيب و الشهادة و كلمة الحق في الغضب و الرضا و
القصد في الفقر و الغنى و لذة النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة
و لا فتنة
مضلة
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين و أخرجه ابن حبان و الحاكم في
صحيحيهما فصل
و أما حديث عائشة ففي صحيح الحاكم من حديث الزهري عن عروة عنها قالت قال رسول الله
لجابر يا جابر إلا أبشرك قال بلى بشرك الله بخير قال شعرت أن الله أحيا أباك
فاقعده بين يديه فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب ما عبدتك حق عبادتك
أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فاقاتل مع نبيك فاقتل فيك مرة أخرى قال انه قد سلف
مني انك إليها لا ترجع و هو في المسند من حديث جابر و في مسنده ادخله و للترمذي
فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال لما قتل عبد الله بن عمرو ابن حزام يوم أحد قال
قال رسول الله يا جابر إلا أخبرك ما قال الله عز و جل لأبيك قال بلى قال ما كلم
الله عز و جل أحدا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك
قال يا رب تحييني فاقتل فيك ثانية قال انه سبق مني انهم إليها لا يرجعون قال يا رب
فابلغ من ورائي فانزل الله عز و جل هذه الآية و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتا الآية قال الترمذي هذا حديث حسن غريب قلت و إسناده صحيح و رواه الحاكم في
صحيحه فصل
وأما حديث عبد الله بن عمر فقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن
ثوير بن أبي فأخته و قال الطبراني حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبو معاوية محمد بن
حازم عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال قال رسول الله إن
أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر
إلى أزواجه و سرره و خدمه و إن أفضلهم منزلة من ينظر إلى وجه الله تبارك و تعالى
كل يوم مرتين قال الترمذي و روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن
عمر مرفوعا و رواه عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا و روى
الاشجعي عبيد الله عن سفيان الثوري عن مجاهد عن ابن عمر نحوه و لم يرفعه حدثنا
بذلك أبو كريب قلت و رواه الحسن بن عرفة عن شبابة
عن
إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا و زاد فيه ثم قرأ رسول الله وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة و قال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه عن كريز بن حكيم عن نافع عن
ابن عمر قال قال رسول الله يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين إلى الله تبارك و
تعالى ورواه الدار قطني عن جماعة عن احمد بن يحيى بن حبان الرقي عن إبراهيم بن
خرزاذ عنه و قال الدارقطني حدثنا احمد بن سليمان حدثنا احمد بن يونس حدثنا عبد
الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن عبد
الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول إلا أخبركم بأسفل أهل الجنة قالوا بلى يا
رسول الله فذكر الحديث إلى أن قال حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ و ظنوا أن لا
نعيم افضل منه و اشرف الرب تبارك و تعالى عليهم فينظرون إلى وجه الرحمن عز و جل
فيقول يا أهل الجنة هللوني و كبروني و سبحوني بما كنتم تهللونني و تكبروني و
تسبحوني في دار الدنيا فيتجاوبون بتهليل الرحمن فيقول تبارك و تعالى لداود يا داود
قم فمجدني فيقوم داود فيمجد ربه عز و جل و قال عثمان بن سعيد الدارمي في رده على
بشر المريسي حدثنا احمد بن يونس عن أبي شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن
جعفر عن ابن عمر يرفعه إلى النبي إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ و ظنوا
أن لا نعيم افضل منه تجلى لهم الرب تبارك و تعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل
نعيم عاينوه حين نظروا إلى وجه الرحمن فصل
و أما حديث عمارة بن رويبة فقال ابن بطة في الإبانة حدثنا عبد الغافر بن سلامة
الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة
عن أبيه قال نظر النبي إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا
القمر لا تضارون في رؤيته فان استطعتم إلا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة
قبل غروبها فافعلوا قال ابن بطة و اخبرني أبو القاسم بن عمر بن احمد عن أبي بكر
احمد بن هارون حدثنا عبد الرزاق بن منصور حدثنا المغيرة حدثنا المسعودى عن إسماعيل
بن
أبي
خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر رسول الله إلى القمر ليلة
البدر فقال إنكم سترون ربكم تبارك و تعالى كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته
فان استطعتم أن لا تغلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين بعد غروبها فافعلوا
فصل
و أما حديث سلمان الفارسي فقال أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان عن
سلمان الفارسي قال يأتون النبي فيقولون يا نبي الله إن الله فتح بك و ختم بك و غفر
لك قم فاشفع لنا إلى ربك فيقول نعم أنا صاحبكم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب
الجنة فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال من هذا فيقال محمد قال فيفتح له فيجيء حتى
يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له الحديث فصل
و أما حديث حذيفة بن اليمان فقال ابن بطة اخبرني أبو القاسم عمر بن احمد عن أبي
بكر احمد بن هارون حدثنا يزيد بن جمهور حدثنا الحسن بن يحيى ابن كثير العنبري
حدثني أبي عن إبراهيم بن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن
حذيفة بن اليمان و قال البزار و حدثنا محمد بن معمر و احمد بن عمرو بن عبيد
العصفري قالا حدثنا يحيى بن كثير حدثنا إبراهيم ابن المبارك عن القاسم بن مطيب عن
الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة
كأصفى المرايا وحسنها و إذا في وسطها نكتة سوداء قال يا جبريل ما هذه قال هذه
الدنيا صفاؤها و حسناه قال قلت و ما هذه اللمعة في وسطها قال هذه الجمعة قال قلت و
ما الجمعة قال يوم من أيام ربك عظيم و سأخبرك بشرفه و فضله و اسمه في الآخرة أما
شرفه و فضله في الدنيا فان الله تعالى جمع فيه أمر الخلق و أما ما يرجى فيه فإن
فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تبارك و تعالى فيها خيرا
إلا أعطاهما إياه و أما شرفه و فضله و اسمه في الآخرة فان الله تبارك و تعالى إذا
صير أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار و جرت عليهم أيامها و ساعاتها ليس
بها ليل و لا نهار إلا قد علم الله تبارك و تعالى مقدار ذلك و ساعاته فإذا كان يوم
الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة إلى جمعتهم نادى مناد يا أهل
الجنة اخرجوا إلى
دار
المزيد لا يعلم سعته و عرضه و طوله إلا الله عز و جل في كثبان من المسك قال فيخرج
غلمان الأنياء بمنابر من نور و يخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت قال فإذا وضعت
لهم و اخذ القوم مجالسهم بعث الله تبارك و تعالى عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير
عليهم آثار المسك الأبيض تدخله من تحت ثيابهم و تخرجه في وجوههم و أشعارهم فتلك
الريح اعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله
تعالى قال ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش فيوضع بين ظهراني الجنة و بينه و
بينهم الحجب فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول أين عبادي الذين أطاعوني في الغيب و
لم يروني و صدقوا رسلي و اتبعوا أمري فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة
واحدة ربنا رضينا عنك فارض عنا قال فيرجع الله تعالى في قولهم أن يا أهل الجنة إني
لو لم ارض عنكم لما أسكنتكم جنتي فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة
واحدة رب وجهك أرنا ننظر إليه قال فيكشف الله تبارك و تعالى تلك الحجب و يتجلى لهم
فيغشاهم من نوره لولا انه قضى عليهم أن لا يحترقوا إلا احترقوا مما غشيهم من نوره
قال ثم يقال ارجعوا إلى منازلكم قال فيرجعون إلى منازلهم يزاد النور و أمكن و يزاد
و أمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها قال فيقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من
عندنا على صورة و رجعتم على غيرها قال فيقولون ذلك بأن الله تبارك و تعالى تجلى
لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم قال فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما
كانوا فيه قال و ذلك قوله عز و جل فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما
كانوا يعملون و قال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن
يزيد السعدي عن حذيفة في قوله عز و جل للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى
وجه الله عز و جل قال الحاكم و تفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع فصل
وأما حديث ابن عباس فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة عن ابن جدعان عن أبي نضرة
قال خطبنا ابن عباس فقال قال رسول الله
ما
من نبي إلا و له دعوة تعجلها في الدنيا و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فاقرع الباب فيقال من أنت فأقول أنا محمد
فآتي ربي و هو على كرسيه أو على سريره فيتجلى لي ربي فاخر له ساجدا و رواه ابن
عيينة عن ابن جدعان فقال عن أبي سعيد بدل بن عباس و قال أبو بكر بن أبي داود حدثنا
عمى محمد بن الأشعث حدثنا ابن جبير قال حدثني أبي جبير عن الحسن عن ابن عباس عن
النبي قال إن اهل الجنة يرون ربهم تبارك و تعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور و
أقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة و ابكرهم غدوا فصل
و أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقال الصنعاني حدثنا صدقة بن عمرو العقدي
قال قرأت على محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم و هو
أمير المدينة قال خلق الله الملائكة لعبادته أصنافا فان منهم لملائكة قياما صافين
من يوم خلقهم إلى يوم القيامة و ملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة
و ملائكة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة و تجلى لهم تعالى
و نظروا إلى وجهه الكريم قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فصل
وأما حديث أبي بن كعب فقال الدار قطني حدثنا عبد الصمد بن علي حدثنا محمد بن زكريا
بن دينار قال حدثني قحطبة بن علاقة حدثنا أبو جلدة عن أبي العالية عن أبي بن كعب
عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله عز و
جل و أما حديث كعب ابن عجرة فقال محمد بن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن
جريج عن عطاء الخراساني عن كعب بن عجرة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا
الحسنى و زيادة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى فصل
و أما حديث فضالة بن عبيد فقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن المهاجر عن
أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول
اللهم
إني أسألك الرضا بعد القضاء و برد العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك و الشوق
إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة فصل
و أما حديث عبادة بن الصامت ففي مسند أحمد من حديث بقية حدثنا يحيى ابن سعيد عن
خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن
النبي انه قال قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير
أفحج جعد اعور مطموس العين ليست بناتئة و لا جحراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن
ربكم ليس بأعور و إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا و أما حديث الرجل من أصحاب النبي
فقال الصنعاني حدثنا روح بن عبادة حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عدي بن ارطاة يخطب
على المنبر بالمدائن فجعل يعظ حتى بكى و أبكانا ثم قال كونوا كرجل قال لابنه و هو
يعظه يا بني أوصيك أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك إلا تصلي بعدها غيرها حتى تموت و
تعال يا بني نعمل عمل رجلين كأنهما قد وقفا على النار ثم سألا الكرة و لقد سمعت
فلانا نسي عباد اسمه ما بيني و بين رسول الله غيره فقال أن رسول الله قال إن لله
ملائكة ترعد فرائصهم من مخافتة ما منهم ملك تقطر دمعته من عينه إلا وقعت ملكا يسبح
الله تعالى قال و ملائكة سجود منذ خلق الله السماوات و الأرض لم يرفعوا رؤوسهم و
لا يرفعونها إلى يوم القيامة و صفوف لم ينصرفوا عن مصافهم و لا ينصرفون إلى يوم
القيامة فإذا كان يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم ربهم فنظروا إليه
قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك أن نعبدك فصل
و هاك بعض ما قاله بعض أصحاب رسول الله و التابعون و أئمة الإسلام بعدهم
قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أبو إسحاق عن عامر بن سعد
قرأ أبو بكر الصديق للذين احسنوا الحسنى و زيادة فقالوا ما الزيادة يا خليفة رسول الله قال النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا علي بن ميسرة الهمداني حدثنا صالح ابن أبي خالد العنبري عن أبي الاحوص عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة ابن عبيد قال سمعت عليا يقول من تمام النعمة دخول الجنة و النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى في جنته قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم عن زيد عن حذيفة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ذكر أبو عوانة عن هلال عن عبد الله بن عكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذا المسجد مسجد الكوفة يبدأ باليمين قبل أن يحدثنا فقال و الله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال فيقول ما غرك بي يا ابن آدم ثلاث مرات ماذا أجبت المرسلين ثلاثا كيف عملت فيما علمت و قال ابن أبي داود حدثنا احمد بن الأزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال قيل لابن عباس كل من دخل الجنة يرى الله عز و جل قال نعم وقال أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي ملك و أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود لزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول معاذ بن جبل قال عبد الرحمن بن أبي حاتم أنبانا إسحاق بن احمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف إلا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادي أين المتقون فيقومون في كنف واحد من الرحمن لا يحتجب الله منهم و لا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك و عبادة الأوثان و اخلصوا لله في العبادة فيمرون إلى الجنة قول أبي هريرة رضي الله عنه قال ابن وهب اخبرني ابن لهيعة عن أبي النصر أن أبا هريرة كان يقول لن تروا ربكم حتى تذوقوا الموت قول عبد الله بن عمر قال حسين الجعفي عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه ألفي عام يرى أدناه كما يرى أقصاه و إن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه
الله في كل يوم مرتين قول فضالة بن عبيد ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يقول اللهم إني اسألك الرضا بعد القضا و برد العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك و قد تقدم قول أبي موسى الاشعري قال وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى قال الزيادة النظر إلى وجه الله ويرى يزيد بن هارون و ابن أبي عدي و ابن علية عن التيمي عن اسلم العجلي عن أبي مزانة عن أبي موسى الاشعري انه كان يحدث الناس فشخصوا بأبصارهم فقال ما صرف أبصاركم عني قالوا الهلال قال فكيف بكم إذا رأيتم وجه الله جهرة قول انس بن مالك قال ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن انس بن مالك في قوله عز و جل و لدينا مزيد قال يظهر لهم الرب تبارك و تعالى يوم القيامة قول جابر بن عبد الله قال مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن عن جابر قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أديم عليهم بالكرامة جاءتهم خيول من ياقوت احمر لا تبول و لا تروث لها أجنحة فيقعدون عليها ثم يأتون الجبار فإذا تجلى لهم خروا له سجدا فيقول يا أهل الجنة ارفعوا رؤوسكم فقد رضيت عنكم لا سخط بعده قال الطبري فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله من الصحابة حديث الرؤية ثلاث و عشرون نفسا منهم علي و أبو هريرة و أبو سعيد و جرير و أبو موسى و صهيب و جابر وابن عباس و انس و عمار بن ياسر و أبي ابن كعب و ابن مسعود و زيد بن ثابت و حذيفة بن اليمان و عبادة بن الصامت و عدي بن حاتم و أبو رزين العقيلي و كعب بن عجرة و فضالة بن عبيد و بريدة بن الحصيب و رجل من أصحاب النبي و قال الدارقطني أنبأنا محمد بن عبد الله حدثنا جعفر بن محمد الأزهر حدثنا مفضل بن غسان قال سمعت يحيى بن معين يقول عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح و قال البيهقي روينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق و حذيفة بن اليمان و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عباس و أبي موسى و غيرهم و لم يرو عن أحد منهم نفيها و لو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله سبحانه و تعالى بالأبصار في الآخرة عنهم و لم ينقل عنهم في ذلك اختلاف كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا انهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين و مجتمعين
فصل
وأما التابعون و نزل الإسلام و عصابة الإيمان من أئمة الحديث و الفقه و التفسير و
أئمة التصوف فأقوالهم اكثر من أن يحيط بها إلا الله عز و جل قال سعيد بن المسيب
الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى عنه و قال الحسن الزيادة النظر إلى
وجه الله رواه ابن ابي حاتم عنه وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى الزيادة النظر الى
وجه الله تعالى رواه حماد بن زيد عن ثابت عنه و قاله عامر بن سعد البجلي ذكره
سفيان عن أبي إسحاق عنه و قاله عبد الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه و قاله
عكرمة و مجاهد و قتادة و السدي و الضحاك و كعب و كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض
عماله أما بعد فاني أوصيك بتقوى الله و لزوم طاعته و التمسك بأمره و المعاهدة على
ما حملك الله من دينه و استحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه
و بها رافقوا أنبياءه و بها نضرت وجوههم و نظروا إلى خالقهم و هي عصمة في الدنيا
ومن الفتن و من كرب يوم القيامة و قال الحسن لو علم العابدون في الدنيا انهم لا
يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا و قال الأعمش و سعيد بن جبير أن اشرف
أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك و تعالى غدوة و عشية و قال كعب ما نظر الله
سبحانه إلى الجنة قط إلا قال طيبي لأهلك فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها
و ما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا و يخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز
لهم الرب تبارك و تعالى فينظرون إليه و تسفى عليهم الريح المسك و لا يسألون الرب تعالى
شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا و قد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن و الجمال
سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم و قد ازددن مثل ذلك و قال هشام بن حسان أن الله
سبحانه و تعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة و قال طاووس
أصحاب المراء و المقاييس لا يزال بهم المراء و المقاييس حتى يجحدوا الرؤية و
يخالفوا أهل السنة و قال شريك عن أبي إسحاق السبيعي الزيادة النظر إلى وجه الرحمن
تبارك و تعالى و قال حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى انه تلى هذه
الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما
سألوا و ما شاؤا فيقول الله عز و جل لهم انه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه فتجلى
لهم ربهم فلا يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة
و
الزيادة النظر إلى وجه ربهم عز و جل و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة بعد نظرهم إلى
ربهم تبارك و تعالى و قال علي بن المديني سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى
فمن كانا يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا قال عبد الله من أراد النظر إلى وجه
الله تبارك و تعالى خالقه فليعمل عملا صالحا و لا يخبر به أحدا و قال نعيم بن حماد
سمعت ابن المبارك يقول ما حجب الله عز و جل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ كلا انهم عن
ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال
بالرؤية ذكره ابن أبي الدنيا عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم و قال عباد بن العوام قدم
علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من
المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل الجنة يرون
ربهم فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا و قال أما نحن قد أخذنا ديننا هذا عن
التابعين عن أصحاب رسول الله فهم عمن اخذوا و قال عقبة بن قبيصة أتينا أبا نعيم
يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان
ابن سعيد و منذر الثوري و زهير بن معاوية و حدثنا حسن بن صالح بن حي و حدثنا شريك
بن عبد الله النخعي هؤلاء أبناء المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك و
تعالى يرى في الآخرة حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى لا يرى يعني بشر
المريسي فصل
في المنقول عن الأئمة الاربعة ونظائرهم وشيوخهم و اتباعهم على طريقهم ومناهجهم ذكر
قول إمام دار الهجرة مالك بن انس قال احمد بن صالح المصري حدثنا عبد الله بن وهب
قال قال مالك بن انس الناس ينظرون إلى ربهم عز و جل يوم القيامة بأعينهم و قال
الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن انس عن قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة أتنظر إلى الله عز و جل قال نعم فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما
عنده قال بل تنظر إليه نظرا و قد قال موسى يا رب ارني انظر إليك قال لن تراني و
قال الله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و ذكر الطبري و غيره انه قيل
لمالك بن انس انهم يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف ذكر قول ابن
الماجشون قال أبو حاتم الرازي
قال
أبو صالح كاتب الليث أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون و سألته عما
جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى
ربها ناظرة فقالوا لا يراه أحد يوم القيامة فجحدوا و الله افضل كرامة الله التي
اكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه و نضرته إياهم في مقعد صدق عند
مليك مقتدر فورب السماء و الأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر
بها وجههم دون المجرمين و تفلح بها حجتهم على الجاحدين و هم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى و لا يكلمهم و لا ينظر إليهم و لهم عذاب
اليم ذكر قول الاوزاعي ذكر ابن أبي حاتم عنه قال إني لأرجو أن يحجب الله عز و جل
جهما و أصحابه عن افضل ثوابه الذي وعده الله عز و جل أولياءه حين يقول وجوه يومئذ
ناضرة إلى بها ناظرة فجحد جهم و أصحابه افضل ثوابه الذي وعده الله أولياءه ذكر قول
الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة
قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت الاوزاعي و سفيان الثوري و مالك بن انس و الليث
بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا تمر بلا كيف قول سفيان بن عيينة
ذكر الطبري و غيره عنه انه قال من لم يقل أن القران كلام الله و أن الله يرى في
الجنة فهو جهمي و ذكر عنه ابن أبي حاتم انه قال يصلي خلف الجهمي و الجهمي الذي
يقول لا يرى ربه يوم القيامة قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه انه ذكر
حديث ابن سابط في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به و أخرجه من مجلسه
قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجلا من الجهمية قال
له يا أبا عبد الرحمن خدارا بان جهان جون ببيند و معناه كيف يرى الله يوم القيامة
فقال بالعين و قال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد
يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ كلا انهم عن ربهم
يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال ابن
المبارك بالرؤية قول وكيع بن الجراح
ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك و تعالى المؤمنون في الجنة و لا يراه إلا
المؤمنون
قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الأئمة المأخوذ في الإسلام و
السنة و الإيمان بالرؤية و التصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله
في
الرؤية
قول أبي عبيد القاسم بن سلام ذكر ابن بطة و غيره عنه انه إذا ذكرت عنده هذه
الأحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق و رواها الثقات عن الثقات إلى أن صارت
إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا لا نفسر منها شيئا و لكن نمضيها كما
جاءت قول اسود بن سالم شيخ الإمام احمد قال المروزي حدثنا عبد الوهاب الوراق قال
سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال احلف عليها بالطلاق و بالمشي إنها حق قول
محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم رواية الربيع عنه انه قال في قوله تعالى كلا انهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على ان اولياءه
يرونه في الرضا قال الربيع فقلب يا ابا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله
ولو لم يوقن محمد بن ادريس انه يرى الله عز و جل لما عبده و قال ابن بطة حدثنا ابن
الانباري حدثنا أبو القاسم الأنماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه الله كلا
انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون دلالة على إن أولياء الله يرونه يوم القيامة بأبصارهم
و وجوههم
قول إمام السنة احمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد أليس ربنا تبارك و
تعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الأحاديث قال احمد صحيح قال ابن منصور و قال
إسحاق بن راهويه صحيح و لا يدعه إلا كل مبتدع أو ضعيف الرأي و قال الفضل بن زياد
سمعت أبا عبد الله و قيل له تقول بالرؤية فقال من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال
سمعت أبا عبد الله و بلغه عن رجل انه قال إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا
شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من
كان من الناس أليس يقول الله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال كلا
انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقال أبو داود سمعت احمد وذكر له عن رجل شيء في
الرؤية فغضب وقال من قال إن الله لا يرى فهو كافر وقال أبو داود وسمعت احمد بن
حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة
فقال لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر
المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي الزبير عن
جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا
في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا و الناس حوله فأخذ نعله و انتعل و قال أخزى الله هذا لا ينبغي ان يكتب و دفع ان يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به و قال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و قال كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله و من زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر و قال ابو طالب قال ابو عبد الله قول الله عز و جل هل ينظرون الا ان بأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة وجاء ربك والملك صفا صفا فمن قال ان الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن ابراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي و الجهمي كافر و قال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك و تعالى و يكلمونه و يكلمهم قال نعم ينظر اليهم و ينظرون اليه و يكلمهم و يكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن اسحاق سمعت ابا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في اقوالهم ينكرون الرؤرية و الاثار كلها و ما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل و سمعت ابا عبد الله يقول من زعم ان الله لا يرى في الاخرة فهو جهمي فقد كفر و رد على الله و على الرسول و من زعم ان الله لم يتخذ ابراهيم خليلا فقد كفر و رد على الله قوله قال ابو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الاحاديث و نقرها و نمرها كما جاءت و قال الاثرم سمعت ابا عبد الله يقول فأما من يقول ان الله لا يرى في الاخرة فهو جهمي قال ابو عبد الله و إنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا و قال ابراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق و قال حنبل سمعت ابا عبد الله يقول ادركنا الناس و ما ينكرون من هذه الاحاديث شيئا احاديث الرؤية و كانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك و لا مرتابين و قال ابو عبد الله قال الله تعالى و ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا و كلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر اليك قال لن تراني و لكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز و جل ان موسى يراه في الآخرة و قال كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و لا يكون حجاب إلا لرؤية اخبر الله سبحانه و تعالى ان من
شاء الله و من اراد ان يراه و الكفار لا يرونه قال حنبل و سمعت ابا عبد الله يقول قال الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و الاحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله و غيره و تنظرون إلى ربكم احاديث صحاح و قال للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال ابو عبد الله نؤمن بها و نعلم انها حق احاديث الرؤية و نؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لانشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت ابا عبد الله يقول و من زعم ان الله لا يرى في الاخرة فقد كفر بالله و كذب بالقرآن ورد على الله امره يستتاب فإن تاب و إلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في احاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها و نقر بها و كلما روى عن النبي اسناده جيد اقررنا به قال ابو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي و دفعناه و رددنا على الله امره قال الله عز و جل و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا قول اسحاق بن راهويه ذكر الحاكم و شيخ الاسلام و غيرهما عنه ان عبد الله بن طاهر امير خراسان سأله فقال يا ابا يعقوب هذه الاحاديث التي يروونها في النزول و الرؤية ما هن فقال رواها من روى الطهارة و الغسل و الصلاة و الاحكام و ذكر اشياء فان يكونوا في هذه عدولا و إلا فقد ارتفعت الاحكام و بطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الايمان قال امام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة في كتابه ان المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد و من انكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن ابراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال اقول انه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال و تقول ان الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد اكثروا فيك فأردت ان ابرئك قول جميع أهل اللغة قال ابو عبد الله بن بطة سمعت ابا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت ابا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى و كان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه فيها سلام اجمع أهل اللغة على ان اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة و نظرا بالابصار و حسبك بهذا الاسناد صحة و اللقاء ثابت بنص القران كما تقدم و بالتواتر عن النبي و كل احاديث اللقاء
صحيحة
كحديث انس في قصة حديث بئر معونة انا قد لقينا ربنا فرضي عنا و ارضانا و حديث
عبادة و عائشة و أبي هريرة و ابن مسعود من احب لقاء الله احب الله لقاءه و حديث
انس انكم ستلقون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله و حديث أبي ذر لو لقيني
بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة و حديث أبي موسى
من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة و غير ذلك من احاديث اللقاء التي اطردت
كلها بلفظ واحد فصل
في وعيد منكري الرؤية
قد تقدم قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و قول عبد الله ابن المبارك
ما حجب الله عنه احدا إلا عذبه ثم قرأ قوله تعالى ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال
هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية و روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال
قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في رؤية الشمس في
الظهيرة ليست فيها سحابة قالوا لا قال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه
سحابة قالوا لا قال فوالذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون
في رؤية احدهما فيلقى العبد فيقول أي قل الم اكرمك و اسودك و ازوجك و اسخر لك
الخيل و الابل و اذرك ترأس و ترفع فيقول بلى فيقول أفظننت انك ملاقى فيقول لا
فيقول فاني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي فل الم اكرمك و اسودك و
ازوجك و اسخر لك الخيل و الابل و اذرك تراس و ترفع فيقول بلى أي ربي فيقول أفظننت
انك ملاقي فيقول لا فيقول اني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك
فيقول يا رب امنت بك و بكتبك و رسلك و صليت و صمت و تصدقت و يثني بخير ما استطاع
فيقول ها هنا إذا ثم يقال الان نبعث شاهدا عليك فيتفكر في نفسه من الذي يشهد علي
فيختم على فيه و يقال لفخذه انطقي فينطق فخذه و لحمه و عظامه بعمله و ذلك ليعذر من
نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي يسخط الله عليه فاجمع بين قوله فانكم سترون ربكم و
قوله لمن ظن انه غير ملاقيه فإني انساك كما نسيتني و اجماع أهل اللغة على ان
اللقاء المعاينة بالابصار يحصل لك العلم بان منكر الرؤية احق بهذا الوعيد
و من
تراجم أهل السنة على هذا الحديث باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الاسلام
و غيره و بالله التوفيق فصل
قد دل القران و السنة المتواترة و اجماع الصحابة و ائمة الاسلام و أهل الحديث
عصابة الاسلام و نزل الايمان و خاصة رسول الله على ان الله سبحانه و تعالى يرى يوم
القيامة بالابصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا و كما ترى الشمس في الظهيرة
فإن كان لما اخبر به الله و رسوله عنه من ذلك حقيقة و ان له و الله حق الحقيقة فلا
يمكن ان يروه إلا من فوقهم لاستحالة ان يروه من اسفل منهم أو خلفهم أو امامهم أو
عن يمينهم أو عن شمالهم و ان لم يكن لما اخبر به حقيقة كما يقوله افراخ الصابئة و
الفلاسفة و المجوس و الفرعونية بطل الشرع و القران فان الذي جاء بهذه الاحاديث هو
الذي جاء بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز ان يجعل الله و
رسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه و يكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعدد
الاطلاع على هذه الاحاديث و فهم معناها و انكارها و الشهادة بأن محمد رسول الله
ابدا و الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كان لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت
رسل ربنا بالحق و المنحرفون في باب رؤية الرب تبارك و تعالى نوعان احدهما من يزعم
انه يرى في الدنيا و يحاضر و يسامر و الثاني من يزعم انه لا يرى في الاخرة البتة و
لا يكلم عباده و ما اخبر الله به ورسوله و اجمع عليه الصحابة و الائمة يكذب
الفريقين و بالله التوفيق
الباب السادس و الستون
في تكليمه سبحانه و تعالى لأهل الجنة و خطابه لهم و محاضرته اياهم و سلامه عليهم
قال تعالى ان الذين يشترون بعهد الله و ايمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في
الاخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و قال في حق
الذين يكتمون ما انزل الله من البينات و الهدى و لا يكلمهم الله يوم القيامة فلو
كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم و اعداؤه سواء و لم يكن في تخصيص
اعدائه بانه لا يكلمهم فائدة اصلا إذ تكليمه لعباده عند الفرعونية و المعطلة مثل
ان يقال يؤاكلهم و يشاربهم و نحو ذلك تعالى الله عما يقولون و قد اخبر الله
سبحانه
انه يسلم على أهل الجنة و ان ذلك السلام حقيقة و هو قول من رب رحيم و تقدم تفسير
النبي لهذه الاية في حديث جابر في الرؤية و انه يشرف عليهم من فوقهم و يقول سلام
عليكم يا أهل الجنة فيرونه عياينا و في هذا اثبات الرؤية و التكليم و العلو و
المعطلة تنكر هذه الامور الثلاثة و تكفر القائل بها و تقدم حديث أبي هريرة رضي
الله عنه في سوق الجنة و قول النبي ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره الله
محاضرة فيقول يا فلان اتذكر يوم فعلت كذا و كذا الحديث و تقدم حديث عدي بن حاتم ما
منكم إلا من سيكلمه ربه يوم القيامة و حديث أبي هريرة في الرؤية و فيه يقول الرب
تبارك و تعالى للعبد الم اكرمك و اسودك الحديث و حديث بريدة ما منكم من أحد إلا
سيخلوا به ربه و ليس بينه و بينه ترجمان و لا حجاب الحديث و حديث انس في يوم
المزيد و مخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا و بالجملة فتامل احاديث الرؤية تجد في
اكثرها ذكر التكليم قال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك و تعالى مع أهل
الجنة وساق فيه عدة أخاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تنارك وتعالى تكليمه
لهم فانكار ذلك انكار لروح الجنة و اعلى نعيمها و افضله الذي ما طابت لأهلها إلا
به و الله المستعان
الباب السابع و الستون
في ابدية الجنة و اها وأنها لا تفنى و لا تبيد
هذا مما يعلم بالاضطرارا ان الرسول اخبر به قال تعالى و أما الذين سعدوا ففي الجنة
خالدين فيها ما دامت السماوات و الارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي مقطوع و
لا تنافي بين هذا و بين قوله إلا ما شاء ربك و اختلف السلف في هذا الاستثناء فقال
معمر عن الضحاك هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه و تعالى
انهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات و الارض إلا مدة مكثهم في النار قلت و هذا
يحتمل امرين احدهما ام يكون الاخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين و هم هؤلاء
و الثاني و هو الاظهر ان يكون وقع عن جملة السعداء و التخصيص بالمذكورين هو في
الاستثناء و ما دل عليه و احسن من هذين التقديرين ان ترد المشيئة إلى الجميع حيث
لم يكونوا في الجنة في الموقف و على هذا فلا يبقى في الاية تخصيص و قالت فرقة اخرى
هو استثناء استثناه الرب تعالى
و لا يفعله كما تقول و الله لاضربنك إلا ان ارى غير ذلك و أنت لا تراه بل تجزم بضربه و قالت فرقة اخرى العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله و مع ما هو اكثر منه كان معنى إلا في ذلك و معنى الواو سواء و المعنى عى هذا سوا ما شاء الله من الزيادة على مدة دوام السماوات و الارض هذا قول الفراء و سيبويه يجعل إلا بمعنى لكن قالوا و نظير ذلك لان تقول لي عليك الف إلا الالفين الذين قبلها أي سوى الالفين قال ابن جرير و هذا احب الوجهين إلى ان الله تعالى لا خلف لوعده و قد وصل الاستثناء بقوله عطاء غير مجذوذ قالوا و نظيره ان تقول اسكنتك داري حولا إلا ما شئت أي سوى ما شئت أو لكن ما شئت من الزيادة عليه و قالت فرقة اخرى هذا الاستثناء انما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت و البعث و البرزخ إلى ان يصيروا إلى الجنة ثم هو الخلود الابد فلم يغيبوا عن الجنة إلا بمقدار اقامتهم في البرزخ و قالت فرقة اخرى العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم إلى ان يشاء الله خلاف ذلك اعلاما لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته و هذا كما قال لنبيه و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و قوله فان يشا الله يختم على قلبك و قوله قل لو شاء الله ما تلوته علكم و نظائره و اخبر عباده سبحانه و ان الامور كلها بمشيئته ما شاء الله كان و ما شاء لم يكن و قالت فرقة اخرى الرماد بمدة دوام السماوات و الارض في هذا العالم فأخبر سبحانه أنهم خالدون في الجنة مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله ان يزيدهم عليه و لعل هذا قول من قال ان إلا بمعنى سوى و لكن اختلفت عبارته و هذا اختيار بن قتيبة قال المعنى خالدين فيها مدة العالم سوى ما شاء ان يزيدهم من الخلود على مدة العالم و قالت فرقة اخرى ما بمعنى من قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء و المعنى إلا من شاء ربك ان يدخله النار بذنوبه من السعداء و الفرق بين هذا القول و بين اول الاقوال ان الاستثناء على هذا القول من المدة و على ذلك القول من الاعيان و قالت فرقة اخرى المراد بالسماوات و الارض سماء الجنة و ارضها و هما باقيتان ابدا و قوله إلا ما شاء ربك ان كانت ما بمعنى من فهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها و ان كانت بمعنى الوقت فهو مدة احتباسهم في البرزخ و الموقف قال الجعفي سالت عبد الله بن وهب عن هذا الاستثناء فقال سمعت
فيه
انه قدر وقوفهم في الموقف يوم القيامة إلى ان يقضي بين الناس و قالت فرقة اخرى
الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا و هذه الاقوال متقاربة و يمكن الجمع بينها
بان يقال اخبر سبحانه وعن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتا يشاء ان لا يكونوا فيها
و ذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا و في البرزخ و في موقف يوم القيامة و على الصراط
و كون بعضهم في النار مدة و على كل تقدير فهذه الاية من المتشابه و قوله فيها عطاء
غير مجذوذ محكم و كذلك قوله و ما هم منها وقوله ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و
قوله اكلها دائم وظلها وقوله دمائهم منها بخرجين و قد اكد الله سبحانه و تعالى
خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القران و اخبر انهما لا يذوقون فيها
الموت إلا الموتة الاولى و هذا الاستثناء منقطع و إذا ضممته إلى الاستثناء في قوله
إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الايتين و استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في
الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الاولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم
الابدية و ذاك مفارقة للجنة تقدم على خلودهم فيها و بالله التوفيق و قد تقدم قول
النبي من يدخل الجنة ينعم و لا يبؤس و يخلد و لا يموت و قوله ينادي مناد يا أهل
الجنة ان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا و ان تشبوا فلا تهرموا ابدا و ان تحيوا فلا
تموتوا ابدا و ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي انه قال يجاء
بالموت في صورة كبش املح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون
مشفقين و يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا
الموت فيذبح بين الجنة و النار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت و يا أهل النار
خلود فلا موت فصل
و هذا موضع اختلف فيه المتاخرون على ثلاثة اقوال احدها ان الجنة و النار فانيتان
غير ابدتيين بل كما هما حادثتان فهما فانيتان و القول الثاني انهما باقيتان
دائمتان لا يفنيان ابدا و القول الثالث ان الجنة باقية ابدية و النار فانية و نحن
نذكر هذه الاقوال و ما قابلها و ما احتج به ارباب كل قوله و نرد ما خالف كتاب الله
و سنة رسوله فاما القول بفنائهما فهو قول قاله جهم بن صفوان امام المعطلة الجهمية
و ليس له فيه سلف قط من الصحابة و لا من التابعين و لا أحد
من ائمة الاسلام و لا قال به أحد من أهل السنة و هذا القول مما انكره عليه و على اتباعه ائمة الاسلام و كفروهم به و صاحوا بهم من اقطار الارض كما ذكره عبد الله بن الامام احمد في كتاب السنة عن خارجة بن مصعب انه قال كفرت الجهمية بثلاث ايات من كتاب الله عز و جل بقول الله سبحانه و تعالى اكلها دائم و ظلها و هم يقولون لا يدوم و بقول الله تعالى ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و هم يقولون ينفد و بقول الله عز و جل ما عندكم ينفد و ما عند الله باق قال شيخ الاسلام و هذا قاله جهم لا صلة الذي اعتقده و هو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث و جعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم فراى الجهم ان ما يمنع من حوادث لا اول لها في الماضي يمنع في المستقبل كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي و ابو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الاصل لكن قال ان هذا يقتضي فناء الحركات لكونها متعاقبة شيئا بعد شيء فقال بفناء حركات أهل الجنة و النار حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر احد منهم على حركة و زعمت فرقة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها ان هذا القول مقتضى العقل لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة و النار قلنا بذلك و كان هؤلاء لم يعلموا ان ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء في الشرع بوقوعه إذ يستحيل عليه ان يخبر بوجود ما هو ممتنع في العقل و كانهم لم يفرقوا بين محالات العقول ومجازاتها فالسمع يجيء بالثاني لا بالاول فالسمع يجيء بما يعجز العقل عن ادراكه و لا يستقل به و لا يجيء بما لا يعلم العقل احالته و الاكثرون الذين وافقوا جهما و ابا الهذيل على هذا الاصل فرقوا بين الماضي و المستقبل و قالوا الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل و الممتنع انما هو دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تقدير دخوله شيئا بعد شيء قالوا أو هذا نظيران يقول القائل لا أعطيك درهما إلا وأعطيتك بعده درهما آخر فهذا ممكن والأول نظير أن يقول لا أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا محال و هؤلاء عندهم وجود ما لا يتناهى في الماضي محال و وجوده في المستقبل واجب و نازعهم في ذلك آخرون فقالوا بل الامر في الماضي كهو في المستقبل و لا فرق بينهما بل الماضي و الاستقبال امر نسبي فكل ما يكون مستقبلا
يصير ماضيا و كل ماض فقد كان مستقبلا فلا يعقل امكان الدوام في أحد الطرفين و احالته في الطرف الآخر الاخر قالوا و هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك و تعالى و هو لم يزل ربا قادرا فاعل فانه لم يزل حيا عليما قديرا و من المحال ان يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته من غير تجدد شيء و ليس للازل حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد و يكون قبله ممتنعا عليه فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده و يكفي في فساده ان الواقت الذي انقلب فيه الفعل من الاحالة الذاتيه إلى الأماكن الذات إما ان يصح أن يفرض قبله وقت يمكن فيه الفعل اولا لا يصح فان قلتم لا يصح كان هذا تحكما غير معقول و هو من جنس الهوس و ان قلتم يصح قيل و كذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية فما من زمن محقق أو مقدر إلا و الفعل مكن فيه و هو صفة كمال و احسان و متعلق حمد الرب وتعالى و ربوبيته و ملكه و هو لم يزل ربا حميدا ملكا قادرا لم تتجدد له هذه الاوصاف كما انه لم يزل حيا مريدا عليما و الحياة و الارادة و العلم و القدرة تقتضي آثارها و متعلقاتها فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع و لا قاهر يقهره يستحيل عليه ان يفعل شيئا البتة و كيف يجعل هذا اصل من اصول الدين و يجعل معيارا على ما اخبرالله به و رسوله و يفرق به بين جائزات العقول و محالاتها فإذا كان وهذا شان الميزان فكيف يستقيم الموزون به و أما قول من فرق بان الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل فكلام لا تحقيق وراءه فان الذي يحصره الوجود من الحركات هو المتناهي ثم يعدم فيصير ماضيا كما كان معدوما لما كان مستقبلا فوجوده بين عدمين و كلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة اخرى فالذي صار ماضيا هو بعينه الذي كان مستقبلا فان دل الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئا قبل شيء فهو بعينه دال على امتناعه شيئا بعد شيء و أما تفريقكم بقولكم المستقبل نظير قوله ما أعطيك درهما إلا وأعطيك بعده درهما فهذا ممكن والماضي نظير قوله ما أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى و ليس بنظير ما نحن فيه بل نظيره ان يقول ما أعطيك درهما إلا و قد تقدم مني أعطاء درهم قبله فهذا ممكن الدوام في الماضي على حد امكانه في المستقبل و لا فرق في العقل الصحيح بينهما البتة و لما لم يجد الجهم و ابو الهذيل و اتباعهما بين الامرين فرقا قالوا بوجوب تناهي الحركات في المستقبل كما يجب ابتداؤها عندهم
في الماضي و قال أهل الحديث بل هما سواء في الامكان و الوقوع و لم يزل الرب سبحانه تعالى فعالا لما يريد و لم يزل و لا يزال موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال و ليس المتمكن من الفعل كل وقت كالذي لا يمكنه الفعل إلا في وقت معين و ليس من يخلق كمن لا يخلق و من يحسن كمن لا يحسن و من يدبر الامر كمن لا يدبر و أي كمال في ان يكون رب العالمين معطلا عن الفعل في مدة مقدرة أو محققة لا تتناهى يستحيل منه الفعل و حقيقة ذلك انه لا يقدر عليه وإن أبيتم هذا الاطلاق و قلتم ان المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه فجمعتم بين محالين الحكم باباحة الفعل من غير موجب لاحالته و انقلابه من الاحالة الذاتية إلى الامكان الذاتي من غير تجدد سبب و زعمتم ان هذا هو الاصل الذي تثبتون به وجود الصانع و حدوث العالم و قيامه إلابدان فجنيتم علىالعقل الشرع و الرب تعالى لم يزل قادرا على الفعل و الكلام بمشيئته و لم يزل فعالا لما يريد و لم يزل ربا محسنا و المقصود ان القول بفناء الجنة و النار قول مبتدع لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من ائمة المسلمين و الذين قالوه انما تلقوه عن قياس فاسد كما اشتبه اصله على كثير من الناس فاعتقدوه حقا وبنوا عليه القول بخلق القران و نفي الصفات و قد دل القرآن و السنة و العقل الصريح على ان كلمات الله وافعاله لا تتناهى و لا تنقطع باخر و لا تحد باول قال تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و قال تعالى و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم فاخبر عن عدم نفاد كلماته لعزته و حكمته و هذان وصفان ذاتيان له سبحانه و تعالى لا يكون إلا كذلك و ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن سليمان بن عامر قال سمعت الربيع بن انس يقول ان مثل علم العباد كلهم في علم الله عز و جل كقطرة من هذه البحور كلها و قد انزل الله سبحانه و تعالى في ذلك و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام الاية و قوله قل لو كان البحر مدادا الاية يقول سبحانه و تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات الله و الشحرة كلها اقلام لانكسرت الاقلام و فني ماء البحر وكلمات الله تعالى باقية لا يفنيها شيء لان احدا لا يستطيع ان يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي بل هو كما اثنى على نفسه ان
ربنا
كما يقول وفوق ما يقول ثم ان مثل نعيم الدنيا اوله و آخره وفي نعيم الاخر كحبة من
خردل في خلال الارض كلها فصل
وأما ابدية النار ودوامها فقال فيها شيخ الاسلام فيها قولان معروفان عن السلف و
الخلف و النزاع في ذلك معروف عن التابعين قلت ههنا اقوال سبعة احدها ان من دخلها
لا يخرج منها ابدا بل كل من دخلها مخلد فيها ابد الاباد باذن الله و هذا قول
الخوارج و المعتزلة و الثاني ان أهلها يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة
نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم و هذا قول امام الاتحادية ابن عربي
الطائي قال في فصوصه الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد و الحضرة الالهية تطلب
الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلا
تحسبن الله مخلف وعده رسله ولم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع انه توعد
على ذلك واثنى على اسماعيل بانه كان صادق الوعد و قد زال الامكان في حق الحق لما
فيه من طلب المرجح
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين
وان دخلوا دار الشقاء فانهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد و الامر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين
وهذا في طرف والمعتزلة الذين يقولون لا يجوز على الله ان يخلف وعيده بل يجب عليه
تعذيب من توعده بالعذاب في طرف فاولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها اصلا و هذا
عنده لا يعذب بها أحد اصلا والفريقان مخالفان لما علم بالاضطرار ان الرسول جاء به
واخبر به عن الله عز و جل الثالث قول من يقول ان أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود
ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم اخرون وهذا القول حكاه اليهود للنبي فاكذبهم فيه
وقد اكذبهم الله تعالى في القران فيه فقال تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما
معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا
تعلمون بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وقال
تعالى الم تر إلى اوتوا نصيبا من الكتاب
يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أر بابه والقائلين به وقد دل القران والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده قال تعالى وما هم بخارجين من النار وقال وما هم منها بمخرجين وقال كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقال تعالى كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقال تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها و قال تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وهذا ابلغ ما يكون في الإخبارعن استحالة دخولهم الجنة الرابع قول من يقول يخرجون منها وتبقى نارا على حالها ليس فيها أحد يعذب حكاه شيخ الإسلام والقران والسنة أيضا يردان على هذا القول كما تقدم الخامس قول من يقول بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته وهذا قول جهنم بن صفوان و شيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار السادس قول من يقول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم وهذا قول أبى الهذيل العلاف إمام المعتزلة طردا لامتناع حوادث لا نهاية لها والجنة والنارعنده سواء في هذا الحكم السابع قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فانه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم وقد روى عبد بن حميد وهو من اجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وقال حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى لابثين فيها أحقابا فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج ابن منهال وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد
وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال عمر بن الخطاب ولو قدر انه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع انهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان خذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله و سنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له قال ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر و نقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم انهم يخرجون منها وانهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي أما أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يناقض هذا قوله تعالى خالدين فيها وقوله وما هم منها بمخرجين بل ما اخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى اجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب قال أرباب هذا القول وفي تفسير علي بن ابي طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم قال لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قالوا وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة فانه سبحانه ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال اولياء وهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله انم ربك حكيم عليم وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا فانهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين كما قال تعالى إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وقال تعالى انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وقال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وقال تعالى افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو وقال تعالى فقاتلوا أولياء الشيطان وقال تعالى أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
251 - وقال تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون والاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشياطين النار فمن ههنا قال ابن عباس لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه قالوا قول من قال أن إلا بمعنى سوى أي سوى ما شاء الله أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه وإن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد لما قبلها قالوا وقول من قال انه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضا لا يساعد عليه وجه الكلام فانه استثناء من جملة خبرية مضمونها انهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله وليس المراد الاستثناء قبل الدخول هذا ما لا يفهمه المخاطب ألا ترى انه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا فيقول لهم حينئذ النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله و في قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا نوع اعتراف واستسلام وتحسر أي استمتع الجن بنا و استمتعنا بهم فاشتركنا في الشرك ودواعيه وأسبابه و آثرنا الاستمتاع على طاعتك و طاعة رسلك و انقضت آجالنا و ذهبت أعمارنا في ذلك و لم نكتسب فيها رضاك و إنما كان غاية امرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض فتأمل ما في هذا القول من الاعتراف بحقيقة ما هم عليه و كيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ولم يستمتعوا بعبادة ربهم و معرفته وتوحيده ومحبته و إيثارمرضاته وهذامن نمط قولهم لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير و قوله فاعترفوا بذنبهم و قوله فعلموا أن الحق لله و نظائرة والمقصود أن قوله إلا ما شاء الله عائد إلى هؤلاء المذكورين مختصا بهم أو شاملا لهم و لعصاة الموحدين وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلاء فلا وجه له ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا الاستثناء يرجع الى مدة البرزخ والموقف وقد تبين ضعف هذا القول و رأت طائفة أخرى أن الاستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار قالوا والمعنى أنكم في النار أبدا إلا ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو الزمهرير وقد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا قالوا وإلا بدلا يقدر بالأحقاب و قد
قال ابن مسعود في هذه الآية ليأتين يوم على جهنم زمان و ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما ثم قال ومعناه عند أهل السنة أن ثبت انه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان قالوا قد ثبت ذلك عن أبي هريرة و ابن مسعود وعبد الله بن عمر وقد سال حرب اسحق بن راهويه عن هذه الآية فقال سالت إسحاق قلت قول الله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقال أتت هذه الآية على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي قال هذه الآية تأتي على القران كله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال المعتمر قال أتى على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما أنا بالذي لا أقول انه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرا قوله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق الآية قال عبيد الله كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله أو بعض أصحابه في قوله خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال هذه الآية تأتي على القران كله و قد حكى ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال وقال آخرون عنى بذلك أهل النار و كل من دخلها ذكر من قال ذلك ثم ذكر الآثار التي نذكرها و قال عبد الرزاق أنبانا ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله في قوله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القران كله يقول حيث كان في القران خالدين فيها تأتي عليه قال و سمعت أبا مجلز يقول جزاؤه فان شاء الله تجاوز عن عذابه و قال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبانا عبد الرزاق فذكره و قال وحدثت عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات و الأرض
إلا ما شاء ربك قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تاكلهم قال و قال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا و أسرعهما خرابا و حكى ابن جرير في ذلك قولا آخر فقال و قال آخرون اخبرنا الله عز و جل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله عطاء غير مجذوذ وأنها لفي الزيادة على مقدار مدة السماوات و الأرض قالوا و لم يخبرنا بمشيئته في أهل النار و جائز أن يكون مشيئته في الزيادة و جائز أن تكون في النقصان حدثني يونس أنبانا ابن وهب قال اقل ابن زيد في قوله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقرا حتى بلغ عطاء غير مجذوذ فقال اخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ و لم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار و قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن احمد حدثنا جبير بن عرفة حدثنا يزيد بن مروان الخلال حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن عمرو بن دينار عن جابر قال قرا رسول الله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال رسول الله أن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل و هذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها خلافا لمن زعم انه لما قبل الدخول و لكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار و هذا حق بلا ريب و هو لا ينفي انقطاعها و فناء عذابها وآكلها لمن فيها و انهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك و ما هم منها بمخرجين فالحديث دل على آمرين أحدهما أن بعض الأشقياء أن شاء الله أن يخرجهم من النار و هي نار فعل و أن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله و على هذا فيكون معنى الاستثناء ما شاء ربك من الأشقياء فانهم لا يخلدون فيها و يكون الأشقياء نوعين نوعا يخرجون منها النار و نوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة و السعادة في وقتين قالوا و قد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا إلا حميما و غساقا جزاء وفاقا انهم كانوا لا يرجون حسابا و كذبوا بآياتنا كذابا فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر إلا بدي بهذه الأحقاب و لا غيرها كما لا يقدر به القديم و لهذا
قال
عبد الله بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه ليأتين
على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا فصل
و الذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق أحدها اعتقاد الإجماع فكثير من الناس
يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة و التابعين لا يختلفون فيه و أن الاختلاف
فيه حادث و هو من أقوال أهل البدع الطريق الثاني أن القران دل على ذلك دلالة قطعية
فانه سبحانه و تعالى اخبر انه عذاب مقيم و انه لا يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إلا
عذابا و انهم خالدين فيها أبدا و ما هم بخارجين منها أي من النار و ما هم منها
بمخرجين و أن الله حرم الجنة على الكافرين وانهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في
سم الخياط و انهم لا يقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها و أن عذابها كان
غراما أي مقيما لازما قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه و استمراره الطريق الثالث أن
السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار و
أحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار و أن هذا
حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم و لم يختص الخروج بأهل الإيمان
الطريق الرابع أن الرسول وقفنا على ذلك و علمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا
إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام الجنة و عدم فنائها الطريق الخامس أن عقائد
السلف و أهل السنة مصرحة بان الجنة و النار مخلوقتان و انهما لا يفنيان بل هما
دائمتان و إنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع الطريق السادس أن العقل يقضي بخلود
الكفار في النار و هذا مبني على قاعدة و هي أن المعاد و ثواب النفوس المطيعة و
عقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان
لنظار المسلمين و كثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه
القران في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم انه يسوى بن الأبرار و الفجار في
المحيا و الممات و على من زعم انه خلق خلقه عبثا و انهم إليها لا يرجعون و انه
يتركهم سدى أي لا يثيبهم و لا يعاقبهم و ذلك يقدح في حكمته و كماله و انه نسبه إلى
ما لا يليق به و ربما قرروه بان النفوس البشرية باقية و اعتقاداتها و صفاتها لازمة
لها لا تفارقها و أن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة
ربها لها بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى و لو ترى إذ وقفوا على
النار
فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهؤلاء قد ذاقوا العذاب و باشروه و لم يزل سببه و مقتضيه من نفوسهم بل خبثها و كفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا و هذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضى به العقل كما جاء به السمع قال أصحاب الفناء الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسالة فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم و إنما يظن الإجماع في هذه المسالة من لم يعرف النزاع و قد عرف النزاع فيها قديما و حديثا بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد انه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا و نحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا و هذا قالوا و الإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما و نوع ثالث مختلف فيه و لم يوجد واحد منها في هذه المسالة النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام و تحريم المحرمات الظاهرة الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه والثالث أن يقول بعضهم القول و ينشر في الأمة و لا ينكره أحد فأين معكم واحد من هذه الأنواع ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطرق و احتج بان الصحابة صح عنهم و لم ينكر أحد منهم عليه لكان اسعد بالإجماع منكم قالوا و أما الطريق الثاني و هو دلالة القران على بقاء النار و عدم فنائها فأين في القران دليل واحد يدل على ذلك نعم الذي دل عليه القران أن الكفار خالدين في النار ابدا وانهم غير خارجين منها وانه لا يفتر عنهم عذابها وانهم لا يموتون فيها و أن عذابهم فيها مقيم و انه غرام لازم لهم و هذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة و التابعين و أئمة المسلمين و ليس هذا مورد النزاع و إنما النزاع في أمر آخر و هو انه هل النار أبدية أو مما كتب الله عليه الفناء و أما كون الكفار لا يخرجون منها و لا يفتر عنهم من عذابها و لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة و لا التابعون و لا أهل السنة و إنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود و الاتحادية وبعض أهل البدع و هذه النصوص و أمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية و لا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس و هو حبس على حاله و بين من يبطل جنسه بخراب الحبس و انتقاضه قالوا و أما الطريق الثالث و هو مجيء
السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق لا شك فيه و هي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها و هي دار العذاب لم تفن و يبقى المشركون فيها ما دامت باقية و النصوص دلت على هذا وعلى هذا قالوا و أما الطريق الرابع وهو أن رسول الله و قفنا على ذلك ضرورة فلا ريب انه من المعلوم من دينه بالضرورة و أما كونها أبدية لا انتهاء لها و لا تفنى كالجنة فأين من القران و السنة دليل واحد يدل على ذلك قالوا و أما الطريق الخامس و هو أن في عقائد أهل السنة أن الجنة و النار مخلوقتان لا يفنيان أبدا فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية و المعتزلة و هذا القول لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من أئمة المسلمين و أما فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة و تفريقهم بين الجنة و النار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع انه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم انه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم و آرائهم و اختلافهم قالوا و القول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله و سنة رسوله و إجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم و أما قول يوافق الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع و أن دانوا به و اعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله و الباطل يجب رده على من قاله و كان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال و يفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم و ما ابتدع فان كل بدعة ضلالة و إياكم و زيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة و أن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا و كيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم و تنكرونها و تقولون ما هذه فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء و أن يراجع الحق و أن العلم و الإيمان مكانهما إلى يوم القيامة و الذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف أن الجنة و النار مخلوقتان و أن أهل النار لا يخرجون منها و لا يخفف عنهم من عذابها العذاب و لا يفتر عنهم و انهم خالدون فيها و من ذكر منهم أن النار لا تفنى
أبدا
فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها و لم يبلغه تلك الآثار التي تقدم
ذكرها قالوا و أما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده
فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق و أما اصل الثواب و العقاب
فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين
من اتباع الأئمة الأربعة و غيرهم و الصحيح أن العقل دل على المعاد و الثواب و
العقاب إجمالا و أما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع و دوام الثواب و العقاب مما لا يدل
عليه العقل بمجرده وأنما علم بالسمع و قد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب
المطيعين و أما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق
الموحدين و أما دوامه و انقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من
جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل
و نحن نذكر الفرق بين دوام الجنة و النار شرعا و عقلا و ذلك يظهر من وجوه أحدها أن
الله سبحانه و تعالى اخبر ببقاء نعيم اهل الجنة ودوامه و انه لا نفاد له و لا
انقطاع و انه غير مجذوذ و أما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها و عدم
خروجهم منها و انهم لا يموتون فيها و لا يحيون و إنها مؤصدة عليهم و انهم كلما
أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها و أن عذابها لازم لهم و انه مقيم عليهم لا يفتر
عنهم و الفرق بين الخبرين ظاهر الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه و تعالى في
ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه و تعالى قال النار
مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله أن ربك حكيم عليم و الثانية قوله خالدين فيها
ما دامت السموات و الأرض إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد الثالثة قوله لابثين
فيها أحقابا و لولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة و دوامها لكان حكم
الاستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الايتين من السياق ما يفرق بين الاستثنائين
فانه قال في أهل النار أن ربك فعال لما يريد فعلمنا أنه الله سبحانه و تعالى يريد
أن يفعل فعلا لم يخبرنا به و قال في أهل الجنة عطاء غير مجذوذ فعلمنا أن هذا
العطاء و النعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب موقت معلق و النعيم ليس بموقت و لا
معلق الوجه الثالث انه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين
الذين يخرجهم الله من النار و أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب
إلا من عصاه الوجه الرابع انه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر
يوم
القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا والمقصود انه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه انه قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع و هو انه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و أن لم ننطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما
نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار اكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و انزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان اغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في ازالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق و لكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر و الشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب و قد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فهذا إخبار بان نفوسهم و طبائعهم لا تقتضي غير الكفر و الشرك و إنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا فاخبر سبحانه أن ضلالهم و عماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل و إذا كان العمى و الضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره و مقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو اسمعهم لتولوا و هم معرضون و هذا يدل على انه ليس فيهم خير
يقتضي الرحمة و لو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره و يدل على انهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى ادنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسئلة و أن الأمر لكما قلتم و أن العذاب يدوم بدوام موجبه و سببه و لا ريب انهم في الآخرة في عمى و ضلال كما كانوا في الدنيا و وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك و لكن هل هذا الكفر والتكذيب و الخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو امر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسئلة و ليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله و انه أمر ذاتي و قد اخبر سبحانه و تعالى انه فطر عباده على الحنيفية و أن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر و التكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته و إنما فطرهم على الإقرار بخالقهم و محبته و توحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر و الشرك الباطل فإمكان زوال الكفر و الشرك الباطل بضده من الحق أولى و أحرى و لا ريب انهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه و لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول و لا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك و تعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم و حصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى و إنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب و لا غرض يقصد و الله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه و هو لا يعذب عبده لهذا الغرض و إنما يعذبه طهرة له و رحمة به فعذابه مصلحة له و أن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها و قد سمى الله سبحانه و تعالى الحد عذابا و قد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داء دواء يناسبه و دواء الضال يكون من اشق الأدوية و الطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة و أن رأى قطع العضو اصلح للعليل قطعه و أذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب و قدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد و اراداته و إذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك و تعالى و قدره في الدنيا و ثوابه و عقابه
في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب و التوافق و ارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة و رحمة سابغة و هو سبحانه و الملك الحق المبين و ملكه ملك رحمة و إحسان و عدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه و لا لدفع مضرة و ألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك و يتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب و النقائص و لا هي عبث محض خال عن الحكمة و الغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك و تعالى عنه فأما أن يكون من تمام نيعم أوليائه و أحبابه و أما أن يكون من مصلحة الأشقياء و مداواتهم أو لهذا ولهذا و على التقادير الثلاث فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل لا قصد الغايات و المراد أن الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها و نعيم أوليائه ليس متوقفا في اصله و لا في كماله على استمرار عذاب أعدائه و دوامه مصلحة الأشقياء ليست في الدوام و الاستمرار و أن كان في اصل التعذيب مصلحة لهم الوجه العاشر أن رضى الرب تبارك و تعالى و رحمته صفتان ذاتيتان له فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به سبحان الله وبحمده عدد خلقه و رضى نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته فإذا كانت رحمته غلبت غضبه فان رضى نفسه أعلى و اعظم فان رضوانه اكثر من الجنات و نعيمها و كل ما فيها و قد اخبر أهل الجنة انه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا و أما غضبه تبارك و تعالى و سخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل و لا يزال غضبان و الناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما انه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله و الثاني انه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة و العلم و القدرة التي يستحيل مفارقتها له و العذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه و قد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه و أسكنهم بالمشرق و ينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة و بالرحمة و نوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه و منها انه يرضى و يغضب و يثيب و يعاقب و يعطي و يمنع و يعز و يذل و ينتقم و يعفو بل هذا موجب ملكه الحق و حقيقة الملك المقرون بالحكمة و الرحمة و الحمد فإذا زال غضبه سبحانه و تعالى و تبدل برضاه زالت عقوبته و تبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة و أن تنوعت صفتها و صورتها كما كان
عقوبة العصاة رحمة و إخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا و تقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها و توافق طبائعهم و هذه رحمة يكرهونها و تشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض و يلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل و هو يحبه و هو راض عنه و لم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه و لهذا لا يسمى عقوبة و أما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم و هو عقوبة محضة قيل هذا حق و لكن لا ينافي كونه رحمة بهم و أن كان عقوبة لهم و هذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة و رحمة و تخفيف و طهرة فالحدود طهرة لأهلها و عقوبة و هم لما أغضبوا الرب تعالى و قابلوه بما لا يليق أن يقابل به و عاملوه اقبح المعاملة و كذبوه و كذبوا رسله و جعلوا اقل خلقه و اخبثهم و امقتهم له ندا له و إلهة معه و اثروا رضاهم على رضاه و طاعتهم على طاعته و هو ولي الإنعام عليهم و هو خالقهم و رازقهم و مولاهم الحق اشتد مقته لهم و غضبه عليهم و ذلك يوجب كمال أسمائه و صفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها و يستحيل عليه تخلف آثارها و مقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها و كلا التعطيلين محال عليه سبحانه و تعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها و موجباتها و كان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه و دواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الاحقاب عليها وحصلت الحكمة التي اوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها و طلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر و هو أن العفو احب إليه سبحانه من الانتقام و الرحمة احب إليه من العقوبة و الرضا احب إليه من الغضب و الفضل احب إليه من العدل و لهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه و قدره و يظهر كل الظهور لعباده في ثوابه و عقابه و إذا كان ذلك احب الأمرين إليه و له خلق الخلق و انزل الكتب و شرع الشرائع و قدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض و بيده سبحانه و تعالى الشفاء التام و الأدوية الموافقة لكل داء و له القدرة التامة و الرحمة السابغة و الغنى المطلق بالعبد اعظم حاجة
إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر و المشقة و قد عرف العبد انه عليل و أن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه و دخل به عليه و استكان له و انكسر قلبه بين يديه و ذل لعزته و عرف أن الحمد كله له و أن الحق كله له و انه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك و تعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله و أن له غاية الحمد فيما فعل به و أن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام و أوصله إليه و انه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله و صدقته عليه و انه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو و التجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم و عيب و نقص و ربه تعالى أولى بكل حمد و كمال و مدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه و رحمته و كماله و حمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته و لو بدوامهم في تلك الحال و قالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما اوضان الى هذه الحال الا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده و ما لجرح إذا أرضاك من ألم و أنت ارحم بنا من أنفسنا و اعلم بمصالحنا و لك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا و سلاما و قد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام و ما اسمع شيئا و أما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر واما الهرم فيقول ربى لقد جاء الاسلام و ما اعقل شيئا و أما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا و سلاما و في المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله و قال فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من لم يدخلها يسحب إليها فهؤلاء لما رضوا بتعذيبهم و بادروا إليه لما علموا أن فيه رضى ربهم و موافقة أمره و محبته انقلب في حقهم نعيما و مثل هذا ما رواه عبد الله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن انعم عن أبي عثمان انه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال أن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما لاي شيء اشتد صياحكما قال فعلنا ذلك لترحمنا قال رحمتي لكما أن تنطلقا
فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الله سبحانه عليه بردا و سلاما و يقوم الآخر فلا يلقي فيقول له الرب تبارك و تعالى ما منعك أن تلقي نفسك كما القى صاحبك فيقول رب إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها فيقول الرب و تعالى لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله و ذكر الاوزاعي عن بلال بن سعد قال يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا و وقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما و سوء مصيركما فيقولان شر مقيل و أسوا مصير صار إليه العبد فيقول لهما بما قدمت ايديكما و ما أنا بظلام للعبيد قال فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدوا في أغلاله و سلاسله حتى يقتحمها و أما الآخر فيتلكا فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في أغلاله و سلاسله حتى اقتحمها ما حملك على ما صنعت و قد خرجت منها فيقول إني خبرت من وبال معصيتك و ما لم اكن أتعرض لسخطك ثانيا و يقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت فيقول حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها فيرحمهما جميعا و يأمر بهما إلى الجنة الوجه الثاني عشر أن النعيم و الثواب من مقتضى رحمته و مغفرته وبره كرمه و لذلك يضيف ذلك إلى نفسه و أما العذاب و العقوبة فإنما هو من مخلوقاته و لذلك لا يسمى بالمعاقب و المعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه و هذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم و قال تعالى اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم إن ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم و مثلها في آخر الأنعام فما كان مقتضى أسمائه و صفاته فانه يدوم بدوامها و لا سيما إذا كان محبوبا له و هو غاية مطلوبة في نفسها و أما الشر الذي هو العذاب فلا يدخل في أسمائه و صفاته إن ادخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنني بخلاف الخير فانه سبحانه و تعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا و هو قديم الإحسان ابدي الإحسان فلم يزل و لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام فتأمل هذا الوجه تأمل ففيه في باب أسماء الله و صفاته يفتح لك باب من أبواب معرفته و محبته يوضحه الوجه الثالث عشر و هو قول اعلم خلقه به و اعرفهم بأسمائه و صفاته و الشر ليس إليك و لم يقف على
المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله و لا في أسمائه فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه و صفاته كلها صفات كمال و يحمد عليها و يثنى عليه بها و أفعاله كلها خير و رحمة و عدل و حكمة لا شر فيها بوجه ما و أسماؤه كلها حسنى فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته و مخلوقاته و هو منفصل عنه إذ فعله غير مفعول ففعله خير كله و أما المخلوق المفعول ففيه الخير و الشر و إذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه فهو لا يضاف إليه و هو لم يقل أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله و إنما نفى إضافته إليه وصفا و فعلا و أسماء و إذا عرف هذا فالشر ليس إلا الذنوب و موجباتها و أما الآخر فهو الإيمان و الطاعات و موجباتها و الإيمان و الطاعات متعلقة به سبحانه و لاجلها خلق الله خلقه و أرسل رسله و انزل كتبه و هي ثناء على الرب تبارك و تعالى و إجلاله و تعظيمه و عبوديته و هذه لها آثار تطلبها و تقتضيها فتدوم آثارها بدوام متعلقها و أما الشرور فليس مقصودة لذاتها و لا هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي مفعولات قدرت لامر محبوب و جعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له اضمحلت و تلاشت و عاد الأمر إلى الخير المحض الوجه الرابع عشر انه سبحانه و تعالى اخبر إن رحمته وسعت كل شيء فليس شيء من الأشياء إلا و فيه رحمته ولا ينافي هذا انت ترحم العبد بمات يشق عليه ويؤلمه وتشتد كراهته له فان ذلك من أيضا كما تقدم و قد ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه آنفا و قوله تعالى لذينك الرجلين رحمتي لكما إن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار و قد جاء في بعض الآثار إن العبد إذا دعى لمبتلى قد اشتد بلاؤه و قال اللهم ارحمه يقول الرب تبارك و تعالى كيف ارحمه من شيء به ارحمه فالابتلاء رحمة منه لعباده و في اثر الهي يقول الله تعالى أهل ذكر أهل مجالستي و أهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لاقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصايب لاطهرهم من المعايب فالبلاء و العقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها و النار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة و إلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه و من عرف الرب تبارك و تعالى بصفات جلاله
و نعوت كماله من حكمته و رحمته وبره و إحسانه و غناه و جوده و تحببه إلى عباده و إرادة الأنعام عليهم و سبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه الوجه الخامس عشر إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة و الرحمة و المصلحة و العدل فلا يفعل عبثا و لا جورا و لا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب و النقائص و إذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث و تكمل الطهارة فظاهر و إن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب و ليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك و تعالى و إن كان لمصلحة تعود إلى أوليائه فان ذلك اكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب و ليس نعيم أوليائه و كماله موقوفا على بقاء آبائهم و أبنائهم و أزواجهم في العذاب السرمد فان قلتم إن ذلك موجب الرحمة و الحكمة و المصلحة قلتم ما لا يعقل و إن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة و لا تطلب له حكمة و لا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على احكم الحاكمين و اعلم العالمين إن تكون أفعاله معطلة عن الحكم و المصالح و الغايات المحمودة و القرآن و السنة و أدلة العقول و الفطر و الآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك و الثاني انه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب و انقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء و لم يكن في انقضائه ما ينافي كماله و هو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب و انه لا نهاية له و غاية الأمر على هذا التقدير إن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فان سلكت طريق التعليل بالحكمة و الرحمة و المصلحة لم يقتض الدوام و إن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا و إن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر ان رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فانه أنشأهم برحمته و رباهم برحمته و رزقهم و عافاهم برحمته و أرسل إليهم الرسل برحمته و أسباب النقمة و العذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم و خلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم اقرب من غضبه و عقوبته و لهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم و لهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت
غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم و ابتلائهم و إذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب و السخط فذلك لسبب منهم و أما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه و تعالى فما منه يقتضي رحمتهم و ما منهم يقتض عقوبتهم و الذي منه سابق و غالب و إذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى و أحرى الوجه السابع عشر انه سبحانه و تعالى يخبر عن العذاب انه عذاب يوم عقيم و عذاب يوم عظيم و عذاب يوم اليم و لا يخبر عن النعيم انه نعيم يوم و لا في موضع واحد و قد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة و المعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم و الله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا و أسبابها و ما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك و أما إن كان للآخرة و أريد به وجه الله فلا عذاب و الدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به و أما ما أريد به وجه الله و الدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى و لا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل و يزول بزوال مراده و مطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا و انقطعت أسبابها و انتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال و الذوات و انقلب عذابا و آلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر انه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له و لا انقطاع أبدا و قد دلت الأدلة السمعية و العقلية و الفطرية على انه سبحانه و تعالى حكيم و انه احكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم بحكمة كما يوجد التعذيب و العقوبة في الدنيا في شرعه و قدره فان فيه من الحكم و المصالح و تطهير العبد ومداواته و إخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة و في ذلك من تزكية النفوس و صلاحها و زجرها و ردع نظائرها و توقيفها على فقرها و ضرورتها الى ربها و غير ذلك من الحكم و الغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله و لا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب و لهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم
في الدنيا حتى إذا ذهبوا و نفوا أذن لهم في دخول الجنة و معلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث و الوسخ و الدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين و رحمته و لا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل و النار كما يزول بها خبث الذهب و الفضة و الحديد فهذا معقول في الحكمة و هو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا و عذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة و الرحمة و في وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا و على تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك و تعالى قادر على قلب الأعيان و إحالتها و إحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس و الحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة و يرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة يوضحه الوجه التاسع عشر و هو انه قد ثبت إن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يسكنهم إياها و لم يعملوا خيرا قط تكون الجنة جزاء لهم عليه فإذا اخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه و بلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس و خضعت و ذلت و اعترفت لربها و فاطرها بالحمد و انه عدل فيها كل العدل و إنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه و لو شاء إن يكون عذابهم اشد من ذلك لفعل و شاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه و محبته و علم إن العذاب أولى بها و انه لا يليق بها سواه و لا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها و تلاشت و تبدلت بذل و انكسار و حمد و ثناء الرب تبارك و تعالى لم يكن في حكمته إن يستمر بها في العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها بخيرها و شركها بتوحيدها و كبرها بخضوعها و ذلها و لا ينتقض هذا بقول الله عز و جل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فان هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث و إنما هو عند المعاينة قبل الدخول فانه سبحانه و تعالى قال و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهذا إنما قالوه قبل إن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا و الحقب
كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي امامة رضي الله عنه عن النبي انه قال الحقب خمسون ألف سنة فانه من الممتع إن يبقى ذا الكبر و الشرك و الخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول الله الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما و هو الفحم المحترق بالنار و ظاهر السياق انه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فان لفظ الحديث هكذا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير و مع هذا فأخرجتهم الرحمة و من هذا رحمته سبحانه و تعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار و يذروه في البر و البحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه و تعالى فهذا قد شك في المعاد و القدرة و لم يعمل خيرا قط و مع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك و أنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله فلله سبحانه و تعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر و قد ثبت في حديث انس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز و جل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا و لا خافه ساعة واحدة و لا ريب إن رحمته سبحانه و تعالى إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار و لكن هؤلاء خرجوا منها و هي نار الوجه الحادي و العشرون إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السواء و الظلم و اللوم إليه من كل وجه و نسبة و عدل و الحمد و الرحمة و الكمال المطلق إلى ربه من كل وجه يستعطف ربه تبارك و تعالى عليه و يستدعي رحمته
له و إذا أراد إن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه و الرحمة معه و لا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه و علم الله إن ذلك داخل في قلبه و سويدائه فانه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك و في معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن عامر عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله إن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى اليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك إن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول أي رب ارني بينتك فينطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول يا رب عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه فالرب تبارك و تعالى يريد من عبده الاعتراف و الانكسار بين يديه و الخضوع و الذلة له و العزم على مرضاته فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح لروح فهم فاقدون الرحمة فإذا أراد عز و جل إن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة و قدرة الرب تبارك و تعالى غير قاصرة عن ذلك و ليس فيه ما يناقض موجب أسمائه و صفاته و قد اخبر انه فعال لما يريد الوجه الثاني و العشرون انه سبحانه و تعالى أوجب الخلود على معاصي الكبائر و قيده بالتأبيد و لم يناف ذلك انقطاعه و انتهاؤه فمنها قوله تعالى و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له عذابا عظيما و منها قول النبي من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و هو حديث صحيح و كذلك
قوله
في الحديث الآخر في قاتل نفسه فيقول الله تبارك و تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت
عليه الجنة و ابلغ من هذا قوله تعالى و من يعص الله و رسوله فان له نار جهنم خالدا
فيها أبدا فهذا وعيد مقيد بالخلود و التأبيد مع انقطاعه قطعا بسبب العبد و هو
التوحيد فكذلك الوعيد العام لأهل النار لا يمتنع انقطاعه بسبب ممن كتب على نفسه
الرحمة و غلبت رحمته غضبه فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته
كما في صحيح البخاري عنه خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة و قال في آخره فلو
يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم يياس من الجنة و لو يعلم المسلم بكل
الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار الوجه الثالث و العشرون انه لو جاء
الخبر منه سبحانه و تعالى صريحا بان عذاب النار لا انتهاء له و انه ابدي لا انقطاع
له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه و تعالى و الله تعالى لا يخلف وعده و أما الوعيد
فمذهب اهل السنة كلهم إن إخلافه كرم و عفو و تجاوز يمدح الحرب تبارك و تعالى به و
يثنى عليه به فانه حق له إن شاء تركه و إن شاء استوفاه و الكريم لا يستوفي حقه
فكيف بأكرم الاكرمين و قد صرح سبحانه و تعالى في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف
وعده و لم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده و قد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة بن
خالد حدثنا سهيل بن أبي حزم ثنا ثابت البنائي عن انس بن مالك رضي الله عنه إن رسول
الله قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه و من واعده على عمل عقابا فهو فيه
بالخيار و قال أبو الشيخ الاصبهاني ثنا محمد بن حمزة ثنا احمد بن الخليل ثنا
الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو يخلف الله
ما وعده قال لا قال افرايت من اوعده الله على عمله عقابا أيخلف الله وعده عليه
فقال أبو عمرو بن العلاء من العجمة أتيت يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن
العرب لا تعد عارا و لا خلفا إن تعد شرا ثم لا تفعله ترى ذلك كرما و فضلا و إنما
الخلف إن تعد خيرا ثم لا تفعله قال فاوجدني هذا في كلام العرب قال نعم أما سمعت
إلى قول الأول
و لا يرهب ابن العم ما عشت سطوتي ... و لا اختشي من صولة المتهدد ...
و إني و إن اوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي و منجز موعدي ... قال أبو الشيخ و
قال يحيى بن معاذ الوعد و الوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم إذا فعلوا
كذا و إن يعطيهم كذا و من أولى بالوفاء من الله و الوعيد
حقه
على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا و إن شاء اخذ لان حقه و
أولاهما بربنا تبارك و تعالى العفو و الكرم انه غفور رحيم و مما يدل على ذلك و
يؤيده خبر كعب بن زهير حين اوعده رسول الله فقال
نبئت إن رسول الله اوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول ...
فإذا كان هذا في وعيد مطلق فكيف بوعيد مقرون باستثناء معقب بقوله إن ربك فعال لما
يريد و هذا أخبار منه انه يفعل ما يريد عقيب قوله إلا ما شاء ربك فهو عائد اليه
ولا بد ولا يجوز ان يرجع الى المستثنى منه وحده بل اما ان يختص بالمستثنى او يعود
اليهما وغير خاف ان تعلقه بقوله الا ما شاء ربك أولى من تعلقه بقوله خالدين
بخالدين فيها و ذلك ظاهر للمتأمل و هو الذي فهمه الصحابة فقالوا أتت هذه الآية في
وعيد القران و لم يريدوا بذلك الاستثناء وحده فان الاستثناء مذكور في الأنعام أيضا
و إنما أرادوا انه عقب الاستثناء بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا التعقيب نظير قوله
في الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم فاخبر إن عذابهم في جميع
الأوقات و رفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه و حكمته لا عن مشيئة مجردة عن
الحكمة و المصلحة و الرحمة و العدل اذ يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك الوجه الرابع و
العشرون إن جانب الرحمة اغلب في هذه الدار من الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من
جانب العقوبة و الغضب و لولا ذلك لما عمرت و لا قام لها وجود كما قال تعالى و لو
يؤاخذ الله الناس بما كسبوا بظلمهم ما ترك عليها من دابة و قال و لو يؤاخذ الله
الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة فلولا سعة رحمته و مغفرته و عفوه لما
قام العالم و مع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء
من مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار و نالت البر و
الفاجر و المؤمن و الكافر مع قيام مقتضى العقوبة به و مباشرته له و تمكنه من إغضاب
ربه و السعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة
على ما في هذه الدار تسعة و تسعين ضعفا و قد اخذ العذاب من الكفار مأخذه و انكسرت
تلك النفوس و نهكها العذاب و أذاب منها خبثا و شرا لم يكن يحول بينها و بين رحمته
لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة و الغضب بها فكيف إذا زال
مقتضى الغضب و العقوبة و قوى جانب
الرحمة أضعاف اضعاف الرحمة في هذه الدار و اضمحل الشر و الخبث الذي فيها فأذابته النار و أكلته و سر الامر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب و اظهر و اكثر من أسماء الانتقام و فعل الرحمة اكثر من فعل الانتقام و ظهور آثار الرحمة اعظم من ظهور آثار الانتقام و الرحمة احب إليه من الانتقام و بالرحمة خلق خلقه و لها خلقهم و هي التي سبقت غضبه و غلبته و كتبها على نفسه و وسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك و العقوبة تأديب و تطهير و الرحمة إحسان و كرم و جود و العقوبة مداواة و الرحمة عطاء و بذل الوجه الخامس و العشرون انه سبحانه و تعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه و صدق رسله و إن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين و يظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه و انه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه و ملائكته و رسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين و لذلك قال تعالى و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق و قلبه قال الحسن لقد دخلوا النار و إن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا و هذا هو الذي حسن حذف الفاعل من قوله قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها حتى كان الكون كله قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم و مقتضى حكمته و حمده و أما أهل الجنة فقال تعالى و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فهم لم يستحقوها بأعمالهم و إنما استحقوها بعفوه و رحمته و فضله فإذا اشهد سبحانه وتعالى ملائكته و خلقه كلهم حكمه العدل و حكمته الباهرة و ضعه العقوبة حيث تشهد العقول و الفطر و الخليقة انه أولى المواضع و أحقها بها و إن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه و صفاته و إن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة لا يليق بها غير ذلك و لا يحسن بها سواه بحيث تعترف بها هي من ذواتها بأنها اهل ذلك و إنها أولى به حصلت الحكمة التي لاجلها وجد الشر و موجباته في هذه الدار و تلك الدار و ليس في الحكمة الإلهية إن الشرور تبقى دائما لا نهاية لها و لا انقطاع أبدا فتكون هي و الخيرات في ذلك على حد سواء فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسئلة و لعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسئلة العظيمة
الشأن
التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك و تعالى إن ربك فعال لما
يريد و إلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول
الجنة الجنة و أهل النار النار و ما يلقاه هؤلاء و هؤلاء و قال ثم يفعل الله بعد
ذلك ما يشاء بل و إلى هنا ههنا انتهت أقدام الخلائق و ما ذكرنا في هذه المسئلة بل
في الكتاب كله من صواب فمن الله سبحانه و تعالى و هو المان به وما كان من خطا فمني
و من الشيطان و الله ورسوله بريء منه و هو عند لسان كل قائل و قلبه و
الباب الثامن و الستون
قصده و الله اعلم في ذكر آخر اهل الجنة دخولا اليها
في الصحيحين من حيث أبي منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله ابن مسعود رضي الله
عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها و آخر أهل الجنة دخولا
الجنة رجلا يخرج من النار حبوا فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه
إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة قال
فيأتيها فيخيل إليه إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب
فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا و عشرة أمثالها أو أن لك عشرة أمثال الدنيا قال
فيقول أتسخر بي و تضحك بي و أنت الملك قال لقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه
قال فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة و في صحيح مسلم من حديث الأعمش عن العمرو
بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا
الجنة و آخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار
ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا و كذا و كذا
و كذا و عملت يوم كذا وكذا و كذا و كذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر و هو مشفق من
كبار ذنوبه إن تعرض عليه فيقال له فان لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت
أشياء لا أراها ههنا فلقد رأيت رسول الله
275 - ضحك حتى بدت نواجذه و قال الطبراني حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى الزرقي حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي قال حدثني أبي عن أبيه قال حدثني أبو يحيى الكلاعي عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل رجل يدخل الحنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبلعن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى إليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك لئن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول يا رب ارني بينتك فيستنطق الله جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد فيقول يا ربي عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه ورواه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم ثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عن يزيد بن سنان به و في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال آخر من يدخل الحنة رجل فهو يمشي على الصراط مرة و يكبو مرة و تسعفه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الله الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين و الآخرين فترتفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة استظل بظلها و اشرب من مائها فيقول الله تبارك و تعالى يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب و يعاهده إن لا يسأله شيئا غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترتفع له شجرة هي احسن من الأولى فيقول يا رب أدنني من هذه لاشرب من مائها و استظل بظلها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني انك لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها إن
تسألني غيرها فيعاهده إن لا يسأله غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي احسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة لاستظل بظلها و اشرب من مائها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني إن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا اسالك غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول يا رب ادخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يرضيك مني أيرضيك أنى أعطيتك الدنيا و مثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني و أنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألونني مم اضحك قالوا مم تضحك قال ضحك رسول الله فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ بي و أنت رب العالمين فيقول لا استهزئ بك و لكن على ما أشاء قادر وفي صحيح البرقاني عن أبي سعيد البرقاني من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة و نحن نسوقه بتمامه من عنده و هو بإسناد مسلم سواء قال قال رسول الله إن أدنى أهل النار عذابا منتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه و إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة و مثل له شجرة ذات ظل فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة لاكون في ظلها فقال الله عز و جل هل عسيت إن فعلت إن تسألني غيره قال لا و عزتك فقدمه الله إليها و مثل له شجرة ذات ظل و ثمر أخرى فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة استظل بظلها و آكل من ثمرها قال فقال هل عسيت إن أعطيتك ذلك إن تسألني غيره قال لا و عزتك فيقدمه الله إليها فيمثل الله له شجرة أخرى ذات ظل و ثمر و ماء فيقول أي رب قدمني إلى هذه الشجرة فاكون في ظلها وآكل من ثمرها و اشرب من مائها فيقول هل عسيت إن فعلت ذلك إن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيقدمه الله إليها فتبرز له الجنة فيقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فاكون نجاف الجنة و في رواية تحت نجاف الجنة انظر إلى أهلها فيقدمه الله إليها فيرى أهل الجنة و ما فيها فيقول أي رب أدخلني الجنة فيدخله الجنة فإذا دخل الجنة قال هذا لي فيقول الله له تمن قال فيتمنى و يذكره الله سل كذا و كذا فإذا انقطعت به الأماني قال الله هو لك و عشرة أمثاله قال ثم يدخل بيته و يدخل
عليه
زوجتاه من الحور العين فيقولان الحمد لله الذي أحياك لنا و أحيانا لك فيقول ما
أعطى أحد مثل ما أعطيت و في صحيح مسلم من حديث المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه عن
النبي قال سال موسى ربه من أدنى أهل الجنة منزلة فقال هو رجل يجيء بعد ما دخل أهل
الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب و كيف و قد نزل الناس منازلهم و
اخذوا اخذاتهم فيقال له أترضى إن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب
فيقال ذلك لك و مثله و مثله و مثله و مثله ومثله فيقول في الخامسة رضيت رب فيقول
لك هذا و عشرة أمثاله و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك فيقول رضيت رب قال فأعلاهم
منزلة قال ذلك الذي أردت غرس كرامتهم بيدي و ختمت عليها فلم تر عين و لم تسمع أذن
و لم يخطر على قلب بشر و مصداقه في كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة
أعين
الباب التاسع و الستون
و هو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب فصل
في لسان أهل الجنة
قال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هاشم ثنا صفوان بن صالح حدثني رواد ابن الجراح
العسقلاني ثنا الاوزاعي عن هارون ابن زباب عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال
رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف
و على ميلاد عيسى ثلاث و ثلاثون سنة و على لسان محمد جرد مرد مكحلون و روى داود بن
الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لسان أهل الجنة عربي و قال عقيل قال الزهري لسان
أهل الجنة عربي فصل
في احتجاج الجنة و النار
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال احتجت الجنة و النار
فقالت هذه يدخلني الجبارون و المتكبرون
و
قالت هذه يدخلني الضعفاء و المساكين فقال الله عز و جل لهذه أنت عن ابي أعذب بك من
أشاء و قال لهذه أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و لكل واحدة منكما ملؤها و في رواية
أخرى تحاجت النارو الجنة فقالت النار اوثرت بالمتكبرين و المتجبرين و قالت الجنة
ما مالي لا يدخلني ألا ضعفاء الناس و سقطهم و عجزهم فقال الله سبحانه للجنة أنت
رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي و
لكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها فتقول قط قط
فهنالك تمتلئ و ينزوي بعضها على بعض و لا يظلم الله من خلقه أحدا و أما الجنة فان
الله عز و جل ينشئ لها خلقا فصل
في إن الجنة يبقى فيها فضل
فينشىء الله لها خلقا دون النار و في الصحيحين عن انس بن مالك عن النبي قال لا
تزال جهنم يلقى فيها و تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها
إلى بعض و تقول قط قط بعزتك و كرمك و لا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا
فيسكنهم فضل الجنة و في لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله إن يبقى ثم ينشىء الله
سبحانه لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة وفي لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله ان
يبقى لمما يشاء و أما اللفظ الذي وقع في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة و انه
ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه
لفظه و الروايات الصحيحة و نص القران يرده فان الله سبحانه و اخبر انه يملا جهنم
من إبليس و اتباعه فانه لا يعذب ألا من قامت عليه حجته و كذب رسله قال تعالى كلما
القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا
ما نزل الله من شيء و لا يظلم الله أحدا من خلقه فصل
قي امتناع النوم على أهل الجنة
روى ابن مردويه من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر
رضي
الله عنه قال قال رسول الله النوم أخو الموت و أهل الجنة لا ينامون و ذكر الطبراني
من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال سئل نبي الله فقيل
أينام أهل الجنة فقال النبي النوم أخو الموت و أهل الجنة لا ينامون فصل
في ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها
قال الإمام احمد ثنا يزيد أنبانا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح
في الجنة فيقول يا رب إن لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك
فصل في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة و إن لم يعملوا عمله قال
تعالى و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم و ما التناهم
من عملهم من شيء و روى قيس عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته و إن كانوا دونه
في العمل لتقربهم عينه ثم قرا و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم
ذرياتهم و ما التناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين قال ما نقصنا الآباء
مما أعطينا البنين و ذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الافطس عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال شريك أظنه حكاه عن النبي قال إذا دخل الرجل الجنة
سال عن أبويه و زوجته و ولده فيقال انهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول يا رب قد
عملت لي و لهم فيؤمر بالإلحاق بهم ثم تلا ابن عباس و الذين آمنوا و اتبعناهم
ذرياتهم بإيمان إلى آخر الآية و قد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية هل
المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان على ثلاثة أقوال و اختلافهم مبني على إن
قوله بإيمان حال من الذرية و التابعين أو المؤمنين المتبوعين فقالت طائفة المعنى و
الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به و
الحقناهم بهم في الدرجات قالوا و يدل على هذا قراءة من قرا و اتبعتم ذريتهم فجعل
الفعل في الاتباع لهم قالوا و قد أطلق الله سبحانه
الذرية على الكبار كما قال و من ذريته داود و سليمان قال ذرية من حملنا مع نوح و قال و كنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون و هذا قول الكبار و العقلاء قالوا و يدل على ذلك متا رواه قول سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته و إن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه فهذا يدل على انهم دخلوا الجنة بأعمالهم و لكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم فبلغهم إياها و إن تقاصر عملهم عنها قالوا أيضا فالأيمان هو القول و العمل و النية و هذا إنما يمكن من الكبار و على هذا فيكون المعنى إن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه إذ هذا حقيقة التبع